سبق مرارًا التنبيه على وجوب التفريق بين الدين والتدين ، وأن الدين من الله عز وجل وهو دين الشمول والكمال والمثالية ، بخلاف التدين فهو من الإنسان الذي يعتبر مجموعة من المفاهيم والتطبيقات والسلوكيات ، فهو جهد بشري عرضة للخطأ ، وقابل للنقد ، ولا أحد مهما كان في تدينه يمثل الدين ، ولا هو وصيّ عليه، ولا متحدث باسمه !
فضلا عن أن يعتقد العصمة أو المثالية في تدينه ،وأنه صاحب الحقيقة المطلقة ، اعتقادا و قولا وعملا !
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن من المعلوم عند الجميع أن الإخلاص شرط من شروط قبل العمل ، لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال الا ما كان خالصا لوجهه الكريم ، لقوله تعالى ( من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) حديث قدسي وقال في محكم التنزيل ( ألا لله الدين الخالص ) وقال ( وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )
والإخلاص كما يُعرّفه الجنيد العراقي رحمه الله ( قال هو ما لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله ) فحتى الملائكة الحافظون لا يعرفون هل العبد مخلص في عمله أم غير مخلص ، وإنما غاية وظيفتهم تسجيل الأعمال والتصرفات على الانسان خيرها وشرها ، حسنها وقبيحها ، أما النية و القصد فلا يعلم بذلك الا من قال عن نفسه ( إن الله عليم بذات الصدور ) .
وهذا الإخلاص في النية والعمل والتطبيق ، قد تشوبه بعض الشوائب دون أن يشعر الانسان ، وهي من مداخل الشيطان ، كشائبة المجاملة ، وذلك أن يختار الانسان تطبيقًا معينًا في الدين ، يجامل به غيره ولا يفعله في حقيقة الأمر لله، كمن يصلي مجاملة لشخص ، أو يصوم مجاملة ، أو مثلا تلبس المرأة الحجاب أو الجلباب أو النقاب مجاملة في زوجها وليس لله ! ما يجعل عملها مردودا عليها بل حابطا ، لا أجر فيه ، بل عليها الوزر لأنها تعبد المخلوق لا الخالق بهذا التصرف !
أو هي مجاملة للقرينات والصديقات ( الأخوات )
وكذلك فعل الكثيرون ممن يحسبون أنهم قمة في التدين ، بتكبير لحاهم أو لباس معين ، يفعلونه مجاملة في بعضهم البعض ، أو محاكاة وتقليدًا لبعضهم البعض ، بعيدًا عن القناعة و نية التعبد لله وحده من الأصل ، وهؤلاء لحْظهم لأنظار أقرانهم ومن يشابهونهم ، أكثر من أي شيء ، والنتيجة أنهم يعبد بعضهم بعضا دون أن يشعروا .
هذا هو التدين المزيف ، تدين التقليد والمحاكاة ، تدين المجاملة والمماراة ، تدين الجهل والسخافات ، تدين فساد النيات .
فلا إخلاص ، ولا صدق ، ولا علم ، بل رياء و كذب و جهل ، وخوف من بعضهم البعض ، أن يختار أحدهم رأيا فقهيًا يخالف به مريديه أو أصحابه وجلساءه ، فيسقط من عيونهم ليقال عنه : انسلخ وانحرف ولم يثبت على المنهج !
ألا فسحقا لهذا التدين ، وتبًا لهذا الزيف ، و بعدا لهذا التمثيل الديني المقزز .
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين ، وارض عنا برحمتك وإن سخط الناس .