بحوث ودراسات

العدو القريب – محاولة لتشخيص أحد أمراض الأمة 8 من 10

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

مناظرة تيمور لنك ت 807 هـ  لعلماء حلب:

تيمورلنك قاتل نساء وأطفال مدينة حلب ذلكم الطاغية الذي كان مولعاً بغزو المسلمين دون الكفار!! فلننظر عن ماذا سأل العلماء والقضاة عندما دخلها سنة 803هـ.

ذكر الشوكاني ت 1250 هـ في البدر الطالع: “وطلب القضاة والعلماء للسلام عليه فامتثلوا أمره وجاؤوا إليه ليلة الخميس، فلم يكرمهم وجعل يتعنتهم بالسؤال. وكان آخر ما سألهم عنه أن قال: ما تقولون في معاوية ويزيد هل يجوز لعنهما أم لا؟ فأجابه القاضي علم الدين القفصي المالكي: بأن علياً اجتهد فأصاب فله أجران، ومعاوية اجتهد فأخطأ فله أجر فتغيظ لذلك. ثم أجاب الشرف أبو البركات الأنصاري الشافعي بأن معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابي، فقال تيمور: ما حد الصحابي؟ فأجاب القاضي شرف الدين أنه كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تيمور: فاليهود والنصارى رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأجاب بأن ذلك بشرط أن يكون الرائي مسلماً. وأجاب القاضي شرف الدين المذكور أنه رأى في حاشية على بعض الكتب أنه يجوز لعن يزيد، فتغيظ لذلك. ولا عتب عليه إذا تغيظ فالتعويل في مثل هذا الموقف العظيم في مناظرة هذا الطاغية الكبير في ذلك الأمر الذي مازالت المراجعة به بين أهل العلم في قديم الزمان وحديثه على حاشية وجدها على بعض الكتب؛ مما يوجب الغيظ سواء كان محقاً أم مبطلاً. وقد سألهم في هذا الموقف أو في موقف آخر بمسألة عجيبة، فقال ما مضمونه: إنه قد قتل منا ومنكم من قتل، فمن في الجنة ومن في النار قتلانا أو قتلاكم؟ فقال بعض العلماء الحاضرين وهو ابن الشحنة (..) هذا سؤال قد سئل عنه رسول الله صلى الله وآله وسلم، فاستنكر تيمورلنك ذلك وقال: كيف قلت؟ قال ثبت في الحديث الصحيح أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله؛ الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى موضعه، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في الجنة أو كما قال. فلما سمع تيمور هذا الجواب أعجبه وأطربه. ولله دره هذا المجيب! فلقد وفقه الله في هذا الجواب. وهكذا فلتكن جوابات العلماء لا كما قاله القاضي شرف الدين إنه رأى في حاشية”[1]

المثال الثاني: الغرب النصراني يشيد بالصفويين:

يقول صاحب قصة الحضارة: “وظل العالم الإسلامي في الشرقين الأدنى والأوسط ممزقاً متنابذاً من 1508م إلى 1638م، وأفاد العالم المسيحي من هذه الفرقة حيث انقطع سليمان القانوني عن شن هجماته على الغرب، ووجه حملاته نحو فارس. وفي ذلك كتب سفير فرديناند في القسطنطينية يقول: (إن فارس هي التي تقف حائلاً بيننا وبين الدمار). وفي أثناء هدنة مع فرديناند، قاد سليمان جيشاً آخر ضد (الرؤوس الحمراء الوضيعة) (وهو الاسم الذي أطلقه الأتراك على الفرس)، وانتزع إحدى وثلاثين مدينة، ثم استأنف هجماته على العالم المسيحي، وفيما بين عامي 1515م، 1545م، عاود شارل المفاوضة مع فارس للوقوف في وجه سليمان وابتهج الغرب حين تولت فارس الهجوم وانتزعت أرضروم ولكن سليمان عاد في 1554م واكتسح مساحات كبيرة من فارس، وأرغم طهماسب على عقد صلح بقيت بمقتضاه وبغداد والقسم الأدنى من أرض الجزيرة تحت حكم الأتراك”[2] 

ثامناً: معركة التل الكبير سنة1299 هـ/ 1882م بين الجيش المصري والإنجليزي:

هذه المعركة أنموذج للفوضى والفشل والخيانة بحيث إذا أردنا أن ندرس للشبيبة اليوم أنموذجاً للمعارك الفاشلة وخيبة الأمل التي حلت بالشعب المصري في تلك الحقبة من جراء انتصار الإنجليز بالخيانة واحتلالهم مصر بكل سهولة؛ فلن نجد أسوأ من معركة التل الكبير؛ كانت هذه المعركة بين الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي الزعيم المصري الشهير؛ والقوات البريطانية.. فمن هو قائد هذا الجيش؟

ترجمة مبسطة لقائد الجيش المصري أحمد عرابي:

ولد أحمد عرابي في 21 مارس 1841م في قرية (رزنة) من محافظة الشرقية بالقرب من الزقازيق، وكان أبوه شيخ البلد، وقد تعلم في قريته خمس  سنوات، ثم دخل الأزهر فمكث به أربع سنوات، ثم انتظم في الجيش المصري في سنة 1854م. وترقى في الجيش إلى أن صار وزيراً وقائداً للثورة المنسوبة إليه وبعد الهزيمة حكم عليه ونفي ومات 1911م”[3]

ويروي أحمد عرابي عن نفسه قائلاً:

“إنني فلاح مصري، وقد اجتهدت قدر طاقتي أن أحقق الإصلاح لوطني الذي أنا من أبنائه ومحبيه. لقد كنت أجتهد في حفظ استقلال بلادي مع نيل الحرية والعدل والمساواة للمساكين الذين أنا خادم لهم. فلسوء البخت لم يتيسر لي الغرض المقصود. وإنني مكتف بشرفي الشخصي الذي سوف يلازمني ما حييت ويبقى بعدي إذا مت. وسوف يرضيني دائماً أن أنادى بـ (أحمد عرابي المصري) فقط، وبغير ألقاب. لقد ولدت في بلاد الفراعنة وستظل أهراماتهم قبري. إن الأمة المصرية بأسرها كانت معي، وصحبة لي، كما أني محب لها أبداً، فآمل أنها لا تنساني”[4]

أقول: لم تقم حركة الضباط التي قادها عرابي ضد الإنجليز من منطلق إسلامي ولا علاقة للدين بها فهي حركة تحتاج إلى تقويمها تاريخياً بعيداً عن أي مؤثرات ومن ثم الحكم عليها من المنظور الإسلامي في دراسة مستقلة.

أما عن سبب هزيمة الجيش المصري بقيادة عرابي فقد كتب عنها صاحب كتاب البطولات العربية والأجنبية: “ثم كانت معركة التل الكبير في الثالث عشر من سبتمبر 1882م، وليس في تاريخنا الحربي والسياسي كله يوم تنكبنا فيه الحظ وباعدنا الرشاد كما حدث في ذلك اليوم الأسود وإن الإنسان ليقرأ التفاصيل فيعجب كيف وقعنا في هذه الأخطاء كلها، وكيف مشينا بأقدامنا إلى الهاوية بعيون أضلها الشيطان، وكان في ميسورنا أن نتلافى الأخطاء كلها واحداً بعد واحد وأن ننجو من الهاوية بشيء من الحكمة وبعد النظر!”[5]

ونلخص أسباب هزيمة الجيش المصري أمام الإنجليز في النقاط التالية:

(أ) تفرق الجيش المصري فقد كان أحمد عرابي ومعه وحدات من الجيش في التل الكبير، بينما أقام عبد العال حلمي ووحدات أخرى من الجيش في مدينة دمياط، ولم يحضر معركة التل الكبير إلا فرقتان بقيادة الأميرال محمد عبيد. بينما ظل الضابط طلبة عصمت حامي الإسكندرية وكان مشهوراً بالبسالة والجلد في المعارك؛ في البحرية بعيداً عن موقعة تل الكبير الحاسمة التي كانت في حاجة إلى مجهوده.

(ب) بساطة أحمد عرابي وسذاجته لدرجة وثوقه بالفرنسي ديلسبس الذي خدعه ووعده بشرفه!! بإقفال قناة السويس في وجه الإنجليز، وكانت الكارثة أن ترك ديلسبس قناة السويس مفتوحة خلف ظهر الجيش المصري. وصدق الله تعالى في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118).

(ج) وجود عدد كبير من الخونة في جيش عرابي وقد ذكر د. حسين مؤنس: “ولكن الخونة أحاطوا بعرابي وغدروا به: ما أصدر أمراً إلا نقلوه إلى الأعداء، وما قدر تقديراً إلا انتقل خبره إلى الخصوم، وأقبل إليه سلطان باشا رئيس مجلس النواب وصديقه القديم يخدعه ويؤكد له إن الإنجليز لن يتقدموا، وغاب عن عرابي أن سلطان باشا انقلب على وطنه بليل وأنه يتقاضى ثمن الخيانة عشرة آلاف من الجنيهات، لم يفطن عرابي إلى ذلك وظل يلقى إليه بإذنه ويفتح له قلبه.”[6]

(د) خيانة البدو وغدرهم بجيش عرابي: فقد كان شيخ قبائل البدو المسمى (مسعود) يضلل الجنود المصريين لدرجة أنهم ضللوا محمود سامي البارودي الذي انضم برجاله لنجدة عرابي فلم يدركوا المعركة !! وفي نفس الوقت كان هؤلاء البدو يرشدون الجنود الإنجليز إلى مواقع الجيش المصري!!

(هـ) كان هناك مجرم خائن اسمه (علي يوسف) يكتب التقارير ويرصد الأنباء وينقلها إلى الإنجليز لدرجة أنه استطاع أن يطلع على خطة الجيش المصري مكتوبة ويرسلها إلى الإنجليز ومن ثم كانت الهزيمة النكراء.

هكذا كان للعدو القريب الدور الأكبر إن لم يكن الوحيد في هزيمة الجيش المصري عام 1299 هـ/ 1882م . وهكذا انتصر الجيش البريطاني بخيانة أقرب المقربين لقائد الجيش المصري أحمد عرابي!!


[1]  الشوكاني: البدرالطالع/تحقيق د.حسين بن عبد الله العمري/دار الفكر بدمشق/ص190

[2]  ول ديورانت: قصة الحضارة/ج26 ص94، ص95.

[3]  راجع: كتابنا: دور رفاعة  الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية/مركز المقريزي/لندن ص162،ص163

[4]  راجع: كتابنا: دور رفاعة  الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية/ ص162،ص163

[5]  د.حسين مؤنس: صور من البطولات العربية والأجنبية/دار الرشاد/القاهرة/1413هـ/ص341

[6]  د.حسين مؤنس: صور من البطولات العربية والأجنبية / ص342، ص343.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى