مقالات

ارتفاع معدل الشهامة عند السلطة العراقية

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

منذ تصفية قاسم سلماني ارتفع معدل الشعور بالشهامة والنخوة عند السلطة العراقية بأقطابها المتنوعة والمختلفة والمتخالفة. فكل يوم يصعد واحدٌ من عتاولة السلطة العراقية عَلىٰ المنبر ويصرخ مرتين بالساعة قائلاً: لن نسمح بأن يكون العراق قاعدة لأي عدوان على دول الجوار. لن نسمح، وضع خطين ملونين تحت لن نسمح.

يفهم من ذٰلك أنَّ جعل العراق قاعدة للعدوان على دول ليست في الجوار أمر ممكن وهٰذه مسألة بل مشكلة جهل في اللغة لا أكثر، فرُبَّما هم لا يقصدون ذٰلك. رُبَّما ولست متأكداً.

انس ذٰلك، ودعه جانباً.

الآن، وقبل الذهاب إِلىٰ لب المشكلة والكوميديا في الآن ذاته، يتساءل أي طفل بعد هٰذا التصريح قائلاً بانعدام براءة: «وهل يجرؤ النظام أو السلطة العراقيَّة عَلىٰ منع أحد من استخدام العراق قاعدة العدوان عَلىٰ أي دولة مجاورة أو غير مجاورة؟».

أعني بذلك هل تمتلك السلطات العراقية وهي سلطة واحدة أي قدرة أو أدوات لمنع أي أحد من استخدام العراق منصة انطلاق. دعك من أي أحد وركز عَلىٰ الدول الفاعلة عَلىٰ أرض العراق ويصعب استثناء غيرها.

ويلزم عن ذٰلك عَلىٰ الفور ضحكة لاشعورية بعد تذكر أن النظام العراق حذر وهدد بعدم السماح أن تكون أرضع ساحة للرد بَيْنَ أمريكا وإيران بعد تصفية سليمان، ومع ذٰلك قصفت إيران محافظتين عراقيتين في وقت واحد، ولا أتحدث عن ميليشياتها التي صارت تشاغب هنا وهناك.

والسؤال الذي يفرض ذاته بقوة الآن: لماذا ارتفع الحس بالشهامة فقط لمنع استخدام العراق قاعدة للعدوان عَلىٰ إيران دون غيرها من دول الجوار؟

لقد استخدمت أمريكا وإيران العراق قاعدة للعدوان عَلىٰ سوريا وعَلىٰ اليمن وعَلىٰ السعودية عَلىٰ مدار السنوات السابقة. العدوان بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أقول ذٰلك حَتَّىٰ لا يقولن أحد إنَّ إيران تتدخل في سوريا بناء عَلىٰ طلب السلطة الشرعية فهل انطلقت أمريكا من  العراق للعدوان عَلىٰ الشعب السوري بناء عَلىٰ طلب الشرعية؟! وعَلىٰ فقس وضع اتخاذ العراق قاعدة للعدوان عَلىٰ السعودية واليمن الإمارات.

سنوات أربع أو خمس عَلىٰ الأقل والعراق في ظل سلطته ذاتها منطلقٌ للعدوان عَلىٰ دول الجوار تحديداً، ومع ذٰلك لم يخرج صوت أي مسؤول عراقي كبير أو وسط أو صغير، أو حَتَّىٰ مواطن عراقي إلا استثناء، ليقول: لن أو لا نسمح باستخدام العراق قاعدة للعدوان عَلىٰ دول الجوار. فلماذا الآن عندما بدا، وليس حقيقة، أن الولايات المتحدة قد تضرب إيران من العراق؟

بطبيعة الحال من غير الممكن أن تستخدم إيران العراق قاعدة للعدوان عَلىٰ أمريكا، ولٰكنَّها قد تستخدم العراق لابتزاز أمريكا كما حدث في القصف الصاروخي قبل أيام.

ولٰكنَّ إيران تستخدم وما زالت العراق قاعدة للعدوان عَلىٰ سوريا عَلىٰ الأقل، فهل هي مقصودة بهذا التصريح يا ترى؟ وكيف يمكن ذٰلك والسلطة العراقية ذاتها منصة إيرانية؟!

وفي الوقت ذاته فإن أمريكا ما زالت تستخدم العراق قاعدة للعدوان عَلىٰ سوريا فهل هٰذا مشمول في التصريح أيضاً يا ترى؟ وكيف يمكن ذٰلك والسلطة العراقية ذاتها منصة أمريكية؟!

عجباً، وكيف تكون السلطة العراقية منصة إيرانية وأمريكية في الوقت ذاته؟

هٰذه هي الحقيقة. من ذا يستطيع إنكارها غير السلطة العراقية ذاته؟

إذن السلطة العراقية ذاته هي المشكلة. ومن ثُمَّ فإن تصريحاتها هٰذه لا تقصد إيران ولا تقصد الولايات المتحدة فهي أعجز عن ردع أي منهما، وإنما التصريحات هي فقاعات إعلامية للضحك عَلىٰ الذقون وإقناع المساكين بأن السلطة العراقية سلطة ذات سيادة وتدافع عن كرامة العراق. من أجل إظهار أن هناك سيادة عراقية عَلىٰ العراق وأنَّ السلطة ليست منصة لإيران وأمريكا في الوقت ذاته.

تدرك السلطة العراقية تمام الإدراك أن العراق هو الساحة الأساسية والميدان الأساسي للتراشق الأمريكي الإيراني وإثبات الطرفين أنهما عدوان فعلاً، وأنها يتحاربان، ولٰكنَّ أرض الحرب هي العراق، كما كانت العراق والشام ساحة الحرب بَيْنَ الفرس الرومان، وبنسخة مماثلة فإنهما أيضاً يتقاتلان بأبناء العراق والشام.

ثَمَّةَ فرق واحد بَيْنَ التاريخين هو أنَّ الفرس والرومان كانا يتصارعان بَيْنَما الفرس والأمريكان يتعانقان.

وأكرر السؤال من جديد:

ألا يمكن أن يتصارع الفرس والأمريكان؟

بلى، إذا جدَّ جدُّ الجدِّ وبلغ الخلاف حدَّ الحدِّ.

أوليس يقتتل الأخوان؟!

ولٰكن كن عَلىٰ يقين أنهما لا يمكن أن يحتربا إذا كان العرب أو المسلمون طرفاً مستفيداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى