دين ودنيا

مناقشة هادئة مع من ينكر السنة (3)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

القرآن يؤكد أن الحديث من عند الله
يقول الله تعالى:
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) [النجم] فكل ما نطق به صلى الله عليه وسلم من أمور الشرع الذي أمر بتبليغه هو وحي من الله تعالى بنص القرآن.
ويقول الله تعالى:
إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً [النساء 105] بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فكل حكمٍ حكمَ به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن هذا الحكم في القرأن فهذا مما أراه الله، بوحي من الله، فحكم رجم الزاني المحصن مثلاً، مما أراه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذه آية واضحة الدلالة أن الحديث أيضا منزل من عند الله
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
[النحل 44] هذه الآية تبين أن المُنَزَّل شيئين: الذكر، وما نزل إليهم.
أما ما نُزِّل إليهم فهو القرآن الكريم، وأما الذكر فهو لبيان القرآن، وهو الحديث الشريف. وكلاهما مُنَزلٌ بنص الآية.
فمن كان يؤمن بالقرآن وجب عليه الإيمان بالأحاديث لأنها أيضا من عند الله.
وهذه أيات واضحة الدلالة على أن الحديث والسنة من عند الله أيضا فما ينطق صلى الله عليه وسلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فالكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة.
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [البقرة 129] كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة 151] وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً [الأحزاب 34] فعطف الحكمة على الكتاب يدل على التغاير فالحكمة غير الكتاب وهي السنة.
ففي التفسير الكبير للرازي المسمى مفاتيح الغيب (4/ 59)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ تِلَاوَةَ الْكِتَابِ أَوَّلًا وَتَعْلِيمَهُ ثَانِيًا ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ الْحِكْمَةَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْحِكْمَةِ شَيْئًا خَارِجًا عَنِ الْكِتَابِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا سُنَّةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وفي تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/ 86)
ثم اختلف أهل التأويل في معنى”الحكمة” التي ذكرها الله في هذا الموضع.( يعني الآية 129 من سورة البقرة)
فقال بعضهم: هي السنة، حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة””والحكمة”، أي السنة.
وفي المرجع السابق أيضاً (3/ 87)
قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في”الحكمة”، أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعرفة بها.
وقال في تفسير الآية 151 من سورة البقرة (3/ 211)
ويعني: ب”الحكمة” السننَ والفقهَ في الدين. وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده.
وفي المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (1/ 212)
وقال قتادة: الْحِكْمَةَ السنة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرائع.
وفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي (1/ 131)
{وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب} القرآن {والحكمة} السنة وفهم القرآن
وفي البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (1/ 626)
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ: هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُفَهِّمُهُمْ وَيُلْقِي إِلَيْهِمْ مَعَانِيَهُ. وَكَانَ تَرْتِيبُ التَّعْلِيمِ بَعْدَ التِّلَاوَةِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ هُوَ التِّلَاوَةُ وَالتَّلَفُّظُ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُتَعَلَّمُ مَعَانِيهِ وَيُتَدَبَّرُ مَدْلُولُهُ. وَأَسْنَدَ التَّعْلِيمَ لِلرَّسُولِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُلْقِي الْكَلَامَ إِلَى الْمُتَعَلِّمِ، وَهُوَ الَّذِي يَفْهَمُهُ وَيَتَلَطَّفُ فِي إِيصَالِ الْمَعَانِي إِلَى فَهْمِهِ، وَيَتَسَبَّبُ فِي ذَلِكَ.
وفي تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (1/ 723)
وَالْحِكْمَةَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَدَقَائِقِ شَرَائِعِهِ وَهِيَ مَعَانِي الْكِتَابِ وَتَفْصِيلُ مَقَاصِدِهِ، وَعَنْ مَالِكٍ: الْحِكْمَةُ مَعْرِفَةُ الْفِقْهِ وَالدِّينِ وَالِاتِّبَاعِ لِذَلِكَ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكِلَاهُمَا نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ عَطْفَ الْحِكْمَةِ عَلَى الْكِتَابِ يَقْتَضِي شَيْئًا مِنَ الْمُغَايَرَةِ بِزِيَادَةِ مَعْنًى.
فهذه أقوال أهل العلم من المفسرين في معنى الحكمة، وأنها بيان لأحكام الكتاب وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين الأحكام وفصّل المجمل، فالأمر بالصلاة مجمل أما أركانها وكيفيتها فقد فصله الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وسنته، ومثل ذلك يقال في الزكاة وغيرها، وسيأتي مزيد تفصيل في ذلك.
فإن قال قائل أن السنة ليست من عند الله فالآية التالية ترد عليه، قال الله تعالى:
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِنَ الكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة 231] وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة فكلاهما منزل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى