بحوث ودراسات

العدو القريب – محاولة لتشخيص أحد أمراض الأمة 6 من 10

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

سادساً: ابن تومرت الدجال الذي دمر دولة المرابطين السنية (453 هـ إلى 541 هـ):

ابن تومرت الذي ادعى أنه المهدي المنتظر في زمانه اسمه أبو عبد الله محمد بن عبد الله المغربي السوسي المتوفى عام 534 هـ. وقد شكك بعض المؤرخين في اسمه حيث ذهب برفنسال في كتابه الإسلام في المغرب والأندلس أن ابن تومرت كان يتسمى باسم بربري.. وقد نقل هذا القول صاحب كتاب المهدي ابن تومرت وهو عبارة عن رسالة دكتوراه: “وقد ذهب برفنسال من الباحثين المحدثين إلى أن ابن تومرت كان يسمى باسم بربري بحت لم يستبدل به اسم محمد إلا في وقت متأخر تيمناً باسم الرسول صلى الله عليه وسلم”[1] 

أقول: رغم أن هذا الرأي لم يعجب الدكتور عبد المجيد النجار إلا أنني أرى أن هذا التشكيك في محله لأن ابن تومرت ادعى أنه المهدي المنتظر وقد قرأ بالفعل الأحاديث الواردة في اسم وصفة المهدي المنتظر ومن ثم زعم أن اسمه محمد ليوافق رواية (لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)! وزعم أن أباه اسمه عبد الله ليوافق رواية أبي داود (اسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)!..

كما أن هناك خبراً في نظم الجمان تؤكد ما ذهبنا إليه حيث:  “ذكر ابن القطان أنه كان يلقب في صغره حينما كان يقرأ في المكتب (بأسفو)، ومعنى اسفو بالبربرية الضياء لملازمة ايقاد القنديل في المسجد للقراءة والصلاة. أما ما اشتهر به من لقب المهدي فإنه لم يطلق عليه إلا حينما أظهر المهدية وبايعه الناس، وأطلق عليه حينئذ لقب الإمام المعصوم المهدي المعلوم”[2]

فتوى أحد فقهاء المغرب في ابن تومرت وشيعته:

ويؤكد ما ذهبنا إليه؛ الونشريسي ت 914 هـ في المعيار المعرب في الرد على طائفة (جزناية) وهم من شيعة المهدي ابن تومرت ليستبين لنا تعاليم ابن تومرت وكذبه أن أباه اسمه عبد الله كما ورد في إجابة أحد فقهاء المغرب قديماً ننقل السؤال والجواب على النحو التالي:

“وسئل فقيه تازي ومفتيها الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن رحمه الله عن طائفة جزناية من أخماس تازي، ونص السؤال من أوله إلى آخره: الحمد لله. سيدي رضي الله عنكم جوابكم في قوم فارقوا الجماعة ويكفرون المسلمين ولا يأكلون ذبائحهم ولا يصلون خلفهم ويقولون من لم يؤمن بالمهدي ابن تومرت فهو كافر ويفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويقولون من لم يعلم اثني عشر باباً من التوحيد فهو كافر، وينقضون الوضوء بلمس ذوات المحارم، ويقولون من حلق ما تحت اللحية فهو مجوسي. بينوا لنا الرد عليهم في ذلك وما يلزمهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”[3]

فماذا أجاب الفقيه أبو عبد الله بن عبد المؤمن؟ نختار من هذه الإجابة المطولة الفقرة التالية: “وهؤلاء القوم الذين ذكرتم حرفوا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال عليه السلام: (من كذب علي متعمداً فيتبوأ مقعده من النار). وجعلوا مكان المهدي حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن تومرت، فيقال لهم ناشدناكم الله هل المهدي بن تومرت بويع بين الركن والمقام؟ وقد أخبر عليه السلام بأن المهديالمعلوم يبايع بين الركن والمقام. ويقال لهم ناشدناكم الله هل المهدي بن تومرت بعث إليه بعث الشام فخسف بهم؟ فقد أخبر عليه السلام أن المهدي المعلوم يكون له ذلك. ويقال لهم ناشدناكم الله هل ابن تومرت سكن أنطاكية؟ فقد أخبر عليه السلام أن المهدي المعلوم يسكنها. ثم يقال لهم ناشدناكم الله هل ابن تومرت اسم أبيه على اسم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالفرق بينهما من الوجوه التي ذكرناها أن المهدي المعلوم حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة، وابن تومرت ليس كذلك؛ والمهدي المعلوم يبايع بين الركن والمقام، وابن تومرت ليس كذلك؛ بل لم يكن إماماً وإنما كان الإمام عبد المؤمن بن علي؛ وأيضاً فإن المهدي المعلوم يملك العرب، وابن تومرت ليس كذلك؛ وأيضاً فإن المهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فتكون إمامته على جميع الأقاليم كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن تومرت إنما كان بأرض المغرب؛ والمهدي المعلوم يسكن أنطاكية، وابن تومرت لم يسكنها؛ والمهدي المعلوم اسم أبيه على اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، وابن تومرت ليس كذلك؛ والمهدي المعلوم خلقه كخلق النبي صلى الله عليه وسلم من عترته، وابن تومرت ليس كذلك؛ والمهدي المعلوم يأتيه أبدال الشام وأهل العراق، وابن تومرت لم يكن له شئ من ذلك؛ وخلافة المهدي المعلوم قريبة من نزول عيسى عليه السلام (..) وأما تفضيلهم إياه على الصحابة فهو كفر صراح لأنه قد انعقد الاجماع من المسلمين على أن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر، ثم تعارضت الظنون في عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين. فهؤلاء خرقوا الاجماع، ومن خرق الاجماع فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل”[4]

أقول: إذن فالمهدي ابن تومرت بربري ليس اسمه محمداً ولا اسم أبيه عبد الله!! بل ينتهي نسبه إلى قبيلة (هرغة) وهي بطن من بطون قبيلة (مصمودة) المشهورة ثم بعد كل هذا ينسب نفسه إلى ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم!

لقد استطاع هذا الدعي الدجال أن يخدع عامة الناس بورعه الكاذب ويؤلب العامة على دولة المرابطين بزعم أنه كان يجهر بتغيير المنكر ومن ثم شكل له أتباعاً ومريدين وبث تعاليمه السامة في أدمغتهم وكفر حكومة المرابطين وجمهور أهل السنة بزعم أنهم مجسمة يقولون (الله فوق السماء) نظراً لأن معتقد المرابطين هو معتقد أهل السنة في الأسماء والصفات ويعتقدون أن الله واحد لا شريك له؛ في السماء بائن من خلقه معهم بعلمه وإحاطته ونصرته وليس بذاته كما يزعم أهل الحلول والجهمية ومن دان بمعتقدهم! لذلك شن ابن تومرت حملة شعواء قاسية على المرابطين لأنهم ليسوا على معتقده في الأسماء والصفات وفي قضايا التوحيد!! فصار يتقرب بدمائهم ويحرض على قتلهم وخاصة بعد أن قابل تلميذه ابن عبد المؤمن بن علي ت 588 هـ الذي ناصر دعوته وأقام دولة الموحدين (515 هـ إلى 668 هـ) بعد سقوط دولةالمرابطين.. الشاهد من هذا السرد أن غفلة حكام المرابطين على هذا المشروع التخريبي التآمري والتسامح معه وانشغالهم بحرب الفرنجة في الأندلس لأن دولتهم كانت كبيرة جداً من أقصى حوض النيجر إلى المغرب الأقصى وأطراف تونس إلى الأندلس وقشتالة إلى حدود جبال البرانس!! فقد كان هذا السوس (الداء العضال) العدو القريب ابن تومرت وعصابته ينخرون في جسد دولة المرابطين والدولة غافلة عنهم وتتعامل معهم برعونة!! وكانت المفاجأة قيام جيش جرار يلتهم ولايات المرابطين ولاية ولاية حتى أزالوهم عن مراكش ودخلوا الأندلس وتمزق ملك آل تاشفين وضاع حلم الفقيه عبد الله بن ياسين المؤسس لهذه الدولة السنية التي هزمت الصليبين الأسبان في الزلاقة سنة 479 هـ..

 وهكذا انكسرت راية التوحيد الحق التي كانت بأيدي المرابطين!! وقامت دولة البدع والضلال المسماة (دولة الموحدين) التي أعملت السيف في أعناق أهل السنة واستباحت دماء الأبرياء وقتلت خلائق وجماعات من العلماء والقضاة والمفتين وأهل الخير والصلاح لأنهم لم يعتقدوا معتقدهم الأثيم ولم يؤمنوا بمذهب الموحدين الباطل ولا بعصمة المهدي الدجال ابن تومرت!!

وهناك رواية تعضد رأينا في خطورة العدو القريب وأن ضرر هذا العدو القريب فتاك إذا قوي واستحكم واستفحل أمره؛ نسوق هذه الواقعة:

المنصور الموحدي يمتنع عن نصرة صلاح الدين الأيوبي:

أمير دولة الموحدين (أبو يوسف بن يعقوب المنصور) المتوفى 595 هـ وهو أول من تلقب من أمراء الموحدين بلقب فاختار لقب المنصور!! وتسمى بأمير المؤمنين! لقد امتنع هذا الخليفة! عن نصرة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي وهو يطلب منه المدد لمواجهة جيوش الصليبين في المشرق!! لماذا امتنع عن نصرة صلاح الدين؟ لأنه كان ينظر إلى المسلمين المشارقة على أنهم وثنيون مجسمة مرتدون لا يجب مناصرتهم!! رغم أنه تعلل بأشياء تافهة كما ذكر بعض المؤرخين: “واعتقد (أي المنصور) أنه يستحق إمامة المسلمين في كل مكان وخلافتهم، ولذلك لم يتنازل بالرد على صلاح الدين الأيوبي رحمه الله عندما أرسل له رسالة مع رسول يطلب منه أن يمد المسلمين في بلاد الشام في صراعهم ضد الصليبين، واحتج بأن صلاح الدين لم يخاطبه بلقب أمير المؤمنين”[5]

أقول كيف يخاطبه بأمير المؤمنين وفي عنق السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي بيعة للخليفة العباسي السني!! هذه علل واهية والحقيقة أن صاحب دولة الموحدين لم يستجب لرسالة واستغاثة صلاح الدين لأنه يعتبرهم كما قلنا آنفاً مجسمة مرتدين مخالفين له في المعتقد!!


[1]  د.عبد المجيد النجار: المهدي ابن تومرت/دار الغرب الإسلامي/بيروت/1403هـ/ص23

[2]  د.عبد المجيد النجار: المهدي ابن تومرت/ص24.

[3]  الونشريسي: المعيار المعرب/دار الغرب الإسلامي/بيروت/ج2 ص453

[4]  الونشريسي: المعيار المعرب/ج2 ص455، ص456

[5]  د.محمد ماهر حمادة: دراسة وثقية للتاريخ الإسلامي ومصادره/مؤسسة الرسالة/الرياض/1408 هـ/ص510

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. لا حول و لا قوة الا بالله،
    و العجيب في الامر انكم مدير معهد يتشرف بالتسمي ، بمركز ” المقريزي” و ما ادراك ما المقريزي، شيخ بن خلدون، الذي نظر -من التنظير_ لعلم التاريخ و للمنهج الصحيح في التعامل معه ، وانت ضربت بمسلمات هذا العلم عرض الحائط، و على رأس ذلك عدم استغباء الناس، و افتراض أنهم يتبعون كل ناعق.. و كأن الأقوام على زمن بن تومرت ، لا تميز بين الغث و الثمين، أو أنهم كالانعام لا عقول لهم ليبذلوا دمائهم و أموالهم و مصائرهم حيث كل ناعق أو كما ردد بن خلدون، يبايعون بن تومرت على الموت الاحمر…
    و لكن أنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور..
    أما الذي أدين به لله – و لعلك تفهم الملمح – ، أن محمد بن تومرت، ولي الله ، الحافظ لدينه،جاب مغرب المسلمين و شرقه في طلب العلم، و بذل فيه زهرة حياته و لم يتصدى للمنابر حتى ابيضت ناصيته، واجازه فحول العلماء العدول، العلامة الثبت من خيرة ما انجبت أمة محمد، من الطائفه الاشعرية، المتمذهب على السادة المالكية، و أنه أمر بالمعروف و نهى عن المنكر على كره منه الجأه اليه سفه بعض الولاة و تقصير اولى الامر ، فتصدى للمحاورة و المناظرة ، و افحم فقهاء المرابطين المفوضة، في مجلس سلطانهم، كم افحم الامام احمد ، غربان المعتزلة الناعقه، و لما رأى من تهاون فقهاء المرابطين عن العامة في أمر العقيدة حتى اختلط دين الله، لم يجد من بد ، الا تغيير المنكر بخير الشرين حتى توفاه الله إلى رحمته، و لا نزكي على الله احد، طاهرا نقيا ، حصورا ، زاهدا معلوم الزهد على رؤوس الأشهاد، و قد كان افتتن به بعض اتباع الإتباع و لقبوه بالمهدي لغة، و ليس اصطلاحا، و ظنا و ليس اعتقادا، لشدة تقواه و ورعه، ونقاء سريرته، على ما حصل له من الامارة، ام غير ذالك افتراء – خلاصته الكذب البواح و التلفيق الصريح و سوء الظن إلى حد البهتان، ( إرغام الناس على الإقرار بمهدوية و عصمة بن تومرت و خزعبلات ، دعس القاضي عياض تحت اقدام الخيل و قتل مليون نفس في مراكش، -, لم يكن في كل المغرب إذ ذاك مليون نفس- و لولا أن أطيل لبينت الافتراء المهول في مثل هكذا تواريخ ) و قد علم ، بضم العين، أن الأولياء مبتلون ، بالانكار عليهم، فلله در بن تومرت ، و قد علم، بضم العين، أن التاريخ يكتبه الغالبون، و لولا أن أطيل لاستطردت في استدلالكم بالمصادر على أنها نص مقطوع به، و حق لا يتخلله زيف و تحريف، وقد كذب الأقوام على، رسول الله مع ما فيه من الوعيد الشديد ..فافهم.
    و لا حول و لا قوة الا بالله

  2. نحتاج لتنقية التاريخ و الاستدلال بالصحيح و ليس اخذ الاقوال على اطلاقها و انا اوافق التعليق القائل بالافتراء على هذا الرجل الصالح مع انني لا اتهم المرابطين

  3. لا حول و لا قوة الا بالله “لقد استطاع هذا الدعي الدجال أن يخدع عامة الناس بورعه الكاذب” و كانك اطلعت على قلبه..و عرفت انه “ورع كاذب” و هذا عين البهتان..

  4. المفتريات تلاحق ابن تومرت:
    وكما أثار الكتّاب الشكوك الواهية حول نسب ابن تومرت فقد وضعوا الأكاذيب والمفتريات حول سيرته، فقالوا عنه بما لم يقل وادّعوا عليه بما لم يدَّعِ، فقد افتروا على ابن تومرت بأنه ادّعى العصمة وإنه الإمام المعصوم الغائب المهدي لمجرد أنه أطلق على نفسه اسم (المهدي) الذي أطلقه تيمُّناً بالإمام المهدي وهذا اللقب وغيره من الألقاب كان أمراً طبيعياً لدى كل الخلفاء والأمراء في الدول التي حكمت ولم يقتصر على ابن تومرت، كما لم يكن هو أول من اتخذ لنفسه مثل هذه الألقاب ولا آخرهم فقد اتخذ كل الخلفاء العباسيين وغيرهم مثل هذه الألقاب،
    كما حاول البعض التشكيك في نسب ابن تومرت العلوي الحسني الصريح لكن هذا التشكيك أيضاً لم يصمد أمام تواتر الروايات في المصادر المعتبرة التي أكدت نسبه الصريح، فقد نقل ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان) نسب ابن تومرت مبتدئاً به ومنتهياً بالإمام الحسن (رضي الله عنه)، ثم قال مُعقِّباً: (ووجدتُ في كتاب النسب الشريف بخط أهل الأدب من عصرنا نسب ابن تومرت المذكور فنقلته كما وجدته).
    وهذا النسب لم يكن يُخفى على أحد في حياة ابن تومرت، فقد كان يصدر تواقيعه ورسائله بهذا الإسم: (محمد بن عبد الله العربي القرشي الحسني الفاطمي)، ولو كان هناك شك في نسبه لاعترض عليه أهل المغرب الذين كانوا قريبي عهد بالأدارسة ويعرفون أنسابهم جيداً، وخاصة خصومه ومناوئيه ولعرَّضوا به، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، والظاهر أن اللبس في نسبة ابن تومرت إلى قبيلة مصمودة البربرية وعلويته تاتى من الإندماج الكامل بين البربر والأدارسة والمصاهرة بينهما إلى الحد الذي قيل إن إدريس قد (تبربر ولده).
    و من جهة اخرى كان لانتصارات الدولة الموحدية أثرها من العظمة في نفوس المسلمين مما أثار مخاوف العباسيين، يقول ابن تاويت:
    استمال العباسيون ابن غانية، فبعث إليها هذا بابنه مع كاتبه عبد البر مُعلناً الطاعة للخليفة الناصر بن المستضيء وطالباً الخلع والأعلام السوداء فمنحه الخليفة العباسي لقب أمير المسلمين الذي كان العباسيون يمنحونه لأسلافه (المرابطين)، وكتب ـ أي الخليفة الناصر العباسي ـ إلى صلاح الدين الذي كان آنذاك يدعو لبني العباس، بأن يناصره على خصومه الموحدين). ويواصل ابن تاويت حديثه عن فبينما كان الموحدون يقاتلون الإفرنج في سواحل تونس ويغيثون البلاد الإسلامية على الأسبان وتخليص المدن التي وقعت تحت سطوتهم فيقول:
    لقد امتثل صلاح الدين فجرّد جيشاً تحت قيادة قراقوش وبوزبا من أتباع تقي الدين ابن أخيه فاتجه هؤلاء صوب أفريقيا لخوض المعركة إلى جانب ابن غانية ومن معه من الأعراب فكان ذلك وانتهى بانتصار الموحدين واستسلام جيش صلاح الدين وابن أخيه.
    و استطاع الموحدون تحويل المعركة بين المسلمين مع بعضهم إلى صالح المسلمين وتوحيد القوى ضد العدو الإفرنجي الذي يهددهم.
    و لا حول لا قوة الا بالله.
    رضي الله عن الموحدين و رضي الله عن العباسيين، رضي الله عن ابي يوسف يعقوب ( الذي تتهمونه بخذلان صلاح الدين فكيف يفعل و قد حشد صلاح الدين لقتاله طاعة لوليه الخليفة العباسي)، و لا اقول الا رضي عنهم جميعا و كلهم رأى من امره صوابا غفل عنه غيره و لا نظن بهم الا خيرا، { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون } ، و لا حول و لا قوة الا بالله فالخوض في من سبقونا بالايمان لا يليق الا بحسن الظن و الذود عنهم، و غربلة الاقوال و التواريخ فيهم و الاعتقاد جزما انه سبحانه و تعالى، ما كان ليولي على امة {محمد}، ضالا او فاسقا، فقد خاض بعضهم في الخليفة الوليد الاموي، بحضرة الخليفة هارون ( رضي الله عنهما) و اتهموه بما يعلم الله برائته منه، فالجمهم بعض الصالحين من وزراء هارون” ان ما عاذ الله ان يولي على امة {محمد} فاسقا “، و ما أحرانا ان نعصم السنتنا عنهم، بعد ان عصم الله ايدينا فيهم .
    {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
    {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

  5. رد الإفتراءات على الفقيه المالكي ابن تومرت: (منقول)

    محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال المشهور بالمهدي بن تومرت، هو عالِم مالكيُّ المذهب أشعريُّ المُعتقد، أصله من هرغة إحدى قبائل المصامدة البربرية في السوس الأقصى، تعلم وحفظ القرآن في سن مبكرة وتمكن من تحصيل قدر كبير من العلوم والمعارف، بدأ رحلته العلمية من الأندلس، ، فقرأ بقرطبة على القاضي ابن حمدين، وكان له اعتناء بموطإ الإمام مالك وله تأليف معروف باسم محاذي الموطأ وهو اختصار لرواية ابن بُكَير، وقد عاين ابن تومرت في قرطبة حادثة انتقاد رجال الدين لبعض المواضع في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وشاهد كيف استطاع هؤلاء العلماء وعلى رأسهم ابن حمدين من استصدار أمر من الأمير علي بن يوسف بحرق هذا الكتاب في ميادين قرطبة، ثم ارتحل ابن تومرت بعد ذلك لمدينة المهدية وأخذ فيها عن الإِمام الكبير أبي عبد الله المازري، ويُذكر أن كتاب التمهيد للباقلاني كان يدرس في المهدية في القرن الخامس الهجري على يد ابن القديم شيخ القاضي ابن العربي رحمهما الله، ثم ذهب ابن تومرت للإسكندرية وهو ابن ثماني عشرة سنة وأخذ عن أبي بكر الطرطوشي ثم لبغداد وأخذ عن الإِمام الغزالي.

    وابن تومرت ذكره محمد بن محمد بن عمر بن علي بن سالم مخلوف المتوفى 1360 هـجري في شجرة النور الزكية في طبقات المالكية.
    وابن تومرت هو مؤسس دولة المُوحِّدين الَّتي كانت أعظمَ دولة عرَفها تاريخ تلك الدِّيار إذ جمعَت المَغْرِبَ الاسلامي كلَّه مع بلاد الأندلس تحت رايةٍ واحدةٍ وكان لها قَدَمٌ في الفتوحات وحماية ثغور المُسلمين.

    عقيدة ابن تومرت:
    كان ابن تومرت سنيا منزها لله تعالى فقد قال العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة الورغمي المالكي شيخ الاسلام بتونس وشيخ جامع الزيتونة وخطيبه في العهد الحفصي ورأس المالكية في زمانه ومجدد القرن الثامن في تفسيره المعروف بتفسير ابن عرفة في سورة الرحمان (وما أحسن قول الإمام المهدي (يعني ابن تومرت) في عقيدته حيث قال (لا يقالُ متى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان دبَّر الزمانَ لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان)) وقال في تفسير قول الله تعالى ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (الشورى 4) ما نصه (الْعَلِيُّ الذي لا يُدرَك كُنْهُه، فهو عبارة عن علوِّ المكانَة لا المكان، والعظمَةُ معنويةٌ لا حِسِّيةٌ فليس المراد كعِظَمِ الجِرْم).
    وورد في كتاب أخبار المهدي بن تومرت وابتداء دولة الموحدية لأبي بكر الصنهاجي المكنى بالبيدق أن ابن تومرت قال (واشتغلوا بالتوحيد فإنه أساس دينكم حتى تنفوا عن الخالق التشبيه والتشريك والنقائص والآفاق والحدود والجهات ولا تجعلوه في مكان ولا في جهة فإنه تعالى موجود قبل الأمكنة والجهات، فمن جعله في جهة ومكان فقد جسمه ومن جسمه فقد جعله مخلوقا ومن جعله مخلوقا فهو كعابد وثن…فمن مات على هذا فهو مخلد في النار). انتهى
    ولقد مدح عجوز المذهب المالكي ابن رشد الجد ابن تومرت في كتابه مناهج الأدلة في عقائد الملة فاغتاظ لذلك ابن تيمية الحراني وانبرى للرد عليه في كتابه درء التعارض فقال قال ابن رشد (وأما ما حصله الإمام المهدي من التصريح بنفي الجسمية فهو الواجب بحسب زمانه….ولما كانت خاصة الإمام المهدي رفع الاختلاف بين الناس أتى مقررا لنفي الجسمية عنه سبحانه كفر المثبت للجسمية وهو شيء جرى من فعله في الشرع في وقته (وبحسب الناس الذين وجد فيهم) مجرى التتميم والتبيين والله يختص بفضله من يشاء). انتهى
    ثم شرع ابن تيمية بزعمه في الرد على ابن رشد الجد.
    ويكفي ابن تومرت فضلًا دوام انتفاع المُسلمين بمتن عقيدته المُرشدة الَّتي لا زال المُسلمون يردِّدونها في مشارق الأرض ومغاربها منذ ما يزيد عن تسعة قرون، وهذه العقيدة قد أثنى عليها الحافظ صلاح الدِّين العلائيُّ وسمَّاها العقيدة المُرشدة ووافقه على ذلك الإمام تاج الدِّين السُّبكيُّ وقال في آخرها هذا آخر العقيدة وليس فيها ما ينكره سُنِّيٌّ. انتهى مِن الطَّبقات
    وقد نسبَ العقيدةَ المرشدةَ إلى ابن تومرت كل من الذهبيُّ في أعلام النبلاء [ج 19/540-541] وعمر كحالة في معجم المؤلفين [ج 10/206] وابنُ كثيرٍ في تاريخِه [ج 12/231] والبرزليُّ في نوازلِه ج 6/366 وغيرُهم، وكان انتشار هذه العقيدة وشيوعها أولاً في المغرب الأقصى ثم في المغرب الأوسط ثم في إفريقية، فقد كانت العقيدة المرشدة معروفة بتونس متناولة فيها بالحفظ والدراسة وقد قام بشرحها الفقيه المالكي أبو عبد الله محمد بن خليل السكوني الأشعري، ومما يدل على عناية أهل تونس بالعقيدة المرشدة أن أبا القاسم البُرْزُلي أحد أئمة المالكية في المغرب (ت 844 هـ) ذكرها في نوازله وأورد نصها كاملاً، ثم شاعت في المشرق وبقيت أكثر من أربعة قرون يرددها المؤذنون في وقت التسبيح، وقد اهتم بتدريسها الإمام فخر الدين بن عساكر المتوفى سنة 620 هـجري، ففي طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ج 5 ص 69 – 70 أن الشيخ فخر الدين ابن عساكر كان يقرىء بالقدس العقيدة المرشدة، وهذه العقيدة اشتهرت بين النَّاس بعقيدة ابن عساكر لكثرة تدريسه إيَّاها للنَّاس.
    وقال الفقيه المغربي المالكي عبد الله بن عبد الصمد كنون الحسني الشهير بعبد الله كنون في كتابه جولات في الفكر الإسلامي بعد عرض مؤلفات المهدي بن تومرت وتخصيص الحديث عن المرشدة قائلاً (عقيدة المرشدة التي لقيت رواجاً كبيراً في حياته وبعد مماته، وتلقاها أئمة العلم بالقبول وحكموا عليه من خلالها بسلامة العقيدة وصحة المذهب ولا نشك أنها كانت من أول ما أملى من تآليفه ولقن أصحابه من العقيدة على مذهب الإمام الأشعري لأنها بمثابة المقدمة في هذا الصدد من حيث الاختصار وعدم الاحتواء على الأدلة العقلية التي لا يدركها العموم كما في عقيدة التوحيد ولأنها جاءت خالية من كل شبهة على ما كانت عليه دعوته). انتهى

    الافتراءات المدسوسة على ابن تومرت:
    مِن المعهود أنْ ينشأ لابن تومرت خصوم بسبب منهجيَّتِهِ الدِّينيَّة وللظُّروف السِّياسيَّة السائدة في تلك الحقبة، حيث إنَّه كان رجل حُكْم ودولة كُبرى لا زالت آثارها مستمرة إلى يومنا هذا في بلاد المغرب، وعليه فإنه لا ينبغي أنْ نأخذ تاريخ ابن تومرت ودولته عن لسان خصم سياسيٍّ لعدم ضمان إنصافه، فالخصم السياسيُّ يحتاج للطَّعن بخصمه مِن باب ترسيخ حُكمه وسدًّا لمنافذ وصول خصمِه إلى الحُكم، مِن هنا نشأ الافتراءُ على ابن تومرت في عدة مواضيع:
    رميه بادعاء العصمة:
    أشهر ما افتُرِيَ على ابن تومرت أنَّه ادَّعى المَهدويَّة الكُبرى المُبَشَّرَ بها على لسان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يثبت هذا الادِّعاء على ابن تومرت وإنَّما هو أمر شائن نُسِبَ إليه في عهود ما بعد دولة المُوحِّدين أو ممَّن نسخوا عمَّا كُتِبَ في تلك العهود وإلَّا فلا أصل ثابت لهذا الإدعاء، وغاية ما يحتج به خصومه ما نسب إليه في كتاب أعز ما يطلب، ولا تصح نسبة هذا الكتاب لابن تومرت بيقين لأن كل نسخ هذا الكتاب متأخرة، وإن صح شىء من ذلك فإنه كان يعتبر نفسه من أتباع المهدي المنتظر وأحد جنوده، وكذلك ما قاله ابْنُ خَلِّكَان في وفيات الأعيان (وَقَدْ بَلَغَنِي فِيمَا يُقَالَ أَنَّ ابْنَ تُوْمرت أَخفَى رِجَالاً فِي قُبُوْر دَوَارِسَ، وَجَاءَ فِي جَمَاعَةٍ لِيُرِيَهُم آيَة، يَعْنِي فَصَاحَ أَيُّهَا الموتَى أَجيبُوا، فَأَجَابوهُ أَنْتَ المَهْدِيّ المَعْصُوْمُ، وَأَنْت وَأَنْت، ثُمَّ إِنَّهُ خَاف مِنِ انتشَارِ الحِيلَةِ، فَخسف فَوْقهُم القبور فماتوا وَبِكُلِّ حَالٍ، فَالرَّجُل مِنْ فُحُوْل العَالَمِ، رَام أمرًا، فتم له، وربط البربر بالعصمة، وَأَقْدَمَ عَلَى الدِّمَاء إِقدَامَ الخَوَارِج، وَوجد مَا قَدَّمَ). انتهى
    فهو منقول بسند منقطع فلا يعول عليه في نسبة هذه الشناعات لابن تومرت.

    رميه بادخال الأشعرية للمغرب بقوة السيف:
    مما تم افتراءه على ابن تومرت أيضا أنه أدخل الأشعرية للمغرب الاسلامي بقوة الحديد والنار، ومما يبطل ذلك أنّ طريقة الأشاعرة قد ترسَّخت في المغرب الإسلامي قبل ظهور دولة الموحدين بكثيرٍ، فالعصرُ المرابطيُّ حَفَل بأعلامٍ كبار الأشاعرة الذين مهَّدوا لترسيم المذهب الأشعري واعتماده عند المغاربة، منهم أبو بكر محمد بن الحسن المرادي القيرواني المتوفى سنة 489 هـجري، وأبو الحجاج الضرير المتوفى سنة 520 هـجري والقاضي عياض اليحصبي صاحب الشفا والمدارك، وأبو طلحة اليابري المتوفى سنة 523 هجري صاحب المختصر في الأصول، وأبو عبد الله محمد بن مسلم المازري شارح الإرشاد لإمام الحرمين المتوفى سنة 530هـجري وغيرهم، ومِن هؤلاء الأعلام الأشاعرة مَنْ اتصل بالمرابطين ونال الحظوة والرفعة في بلاطهم بـمراكش منهم أبو الحجاج الضرير السرقسطي المتقِدم ذِكرُه آنفا، بل إن زارع بذرة الدولة المرابطية هو أحد كبار أئمة الأشاعرة بالقيروان وهو شيخ المالكية في عصره الإمام أبو عمران الفاسي المتوفى سنة 430 هـجري وهو الذي أرشد الزعيم الصنهاجي يحيى بن إبراهيم الجدالي إلى أحد تلامذته ببلاد السوس، وهو وجاج بن زلو اللمطي الذي انتدب تلميذه عبد الله بن ياسين الجزولي للخروج معهم إلى بلادهم في صحراء صنهاجة.
    فالمذهب الأشعري كان مذهبا معتمدا عند المرابطين وما يدل على ذلك فتاوى ابن رشد الجد عندما سأله يوسف بن تاشفين عن طريقة الأشعري وعلماء المذهب كالباقلاني وابن فورك والباجي وغيرهم وما قوله في أناس اتهمومهم بالزندقة والكفر فكان جواب ابن رشد واضحاً في أن هؤلاء الائمة ائمة رشد وهدى وأنهم أنصار الشريعة والمدافعين عنها والذين أبطل شبهات الزائغين والمارقين والملاحدة وحكم بوجوب تأديب من يرميهم بالفسوق، بل إن أقدم المؤلفات العقدية للمرابطين تعود إلى زمن أبي بكر اللمتوني.
    وما يُروى من مجازر اقترفها الموحدون في حق المرابطين فالأقرب أنها من عمل أتباع ابن تومرت الذين استباحوا من بعده دماء كل من لم يقر بسلطانهم فحاول خصومهم غمزهم والطعن بمعتقدهم.

    رميه بتسمية المرابطين بالمجسمة:
    ابن تومرت كان مجانبا للمجسمة ولكن هذا لا يعني اتهامه للمرابطين بالتجسيم والكفر وما نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء عن اليَسع بنُ حَزْم أنه قال سمَّى ابْنُ تُوْمرت المرَابطين بِالمُجَسِّمِين، وَمَا كَانَ أَهْلُ المَغْرِب يَدينُوْنَ إِلاَّ بِتَنْزِيه الله تَعَالَى عَمَّا لاَ يَجِبُ وَصفُهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ، مَعَ تركِ خوضهِم عَمَّا تَقَصْر العُقُوْلُ عَنْ فَهمه…إِلَى أَنْ قَالَ فَكفَّرهُم ابْنُ تُوْمرت لِجهلهِم العَرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لن يَعرفِ المَخْلُوْقَ مِنَ الخَالِق، وَبأَنَّ مَنْ لَمْ يهاجر إِلَيْهِ، وَيُقَاتِل مَعَهُ، فَإِنَّهُ حَلاَلُ الدَّم وَالحرِيْم، وَذَكَرَ أَن غضبَهُ للهِ وَقيَامَه حسبَةٌ). انتهى
    فهذا النقل لا يثبت عن ابن تومرت، فاليسع بن عيسى بن حزم الغافقي الجياني صاحب كتاب المغرب في محاسن المغرب قال عنه الحافظ بن حجر في لسان الميزان (قد تُكلم في نقله ويظهر على عبارته مجازفة) وقال الزركلي في الأعلام (رآه ابن الجزري وقال فيه أوهام). انتهى

    اتهامه بقتل القاضي عياض:
    مما تم افتراءه أيضا على ابن تومرت هو خبر وفاة القاضي عياض رحمَه الله، فانَّ ابن تومرت بشخصه بريءٌ كلَّ البراءة مِن قتل القاضي عياض وذلك أنَّ وفاة ابن تومرت سبقت وفاة القاضي بنحو عشرين سنة فمات الأَوَّل سنة 524 هجري بينما مات الثَّاني سنة 544 هجري، فلا يَهُوْلَنَّكَ كلام مَن يهرِف بما لا يعرِف، وأما يزعمه البعض مِن أنَّ مُحمَّدَ ابن القاضي عياض هو الذي أخبر عن مقتل والدِهِ ومكان دفنه فهو محض كذب لأنه لم يُعرف قبر القاضي عياض إلَّا بعد نحو مائة وسبعين سنة أي سنة 712 هجري ولو كان مُحمَّد ابن القاضي قد أخبر عن مكان دفن أبيه لَمَا احتاجوا أكثر مِن قرن ونصف مِن الزَّمن ليعرفوا مكان القبر أين هو، وغاية ما يمكن التيقن منه هو خبر خروج القاضي عياض على دولة المُوحِّدين بعد أنْ كان دخل في طاعتها شأنَ أهل مدينتِه سبتة ثمَّ عودة الكُلِّ إلى طاعة الدَّولة.
    هنا قد يحصل أنْ يُقال بأنَّ القاضي عياض وحدَه لم يعد لطاعة الدَّولة فتمَّ تغريبُه مِن سبتة إلى مرَّاكش عاصمة المُوحِّدين وربَّما اختار ذلك طواعيةً، أما خبر قتلِهِ على يدِ عبدِ المُؤمنِ خليفة ابن تومرت والرَّئيس مِن بعدِه فهو كذب، حيث قالوا أنَّ القاضي تم قتله لأنه رفض تصنيف كتاب يذكر فيه أنَّ ابن تومرت هو المهديُّ المُنتظر، لذلك نجزم أن الدَّسائس كثيرة وبعضها لا يحتاج كثير نظر لإدراك وضعِها على ألسنة الكذَّابين مِن ذلك ما يزعمونه مِن أنَّ المُوحِّدين دخلوا مرَّاكش في حربهم ضد دولة المُرابطين الَّتي كانت تحكم المغرب فذبحوا جميع مَن بها من الرِّجال، ولا نعلم ما حاجة المُوحِّدين بكُلِّ تلك الدِّماء في طلب الحُكم.
    وقد يكون كتاب المُعجِب في تلخيص أخبار المغرب للمُؤرِّخ المغربيِّ عبدالواحد المراكشيِّ (581 هـ / 647 هـ) أصلٌ لِمَا تناقله مَنْ بعدَه مِن المُؤرِّخين في الطَّعن بابن تومرت ونسبة الموبقات إليه، فإنْ صحَّ ذلك فقد انهدم أساس الطَّعن بابن تومرت مِن وجوه مُتعدِّدة، فمن ذلك:
    يُقال إنَّ عبدالواحد المراكشيَّ خرج مِن دياره سنة 613 هجري إلى مصر وغيرها لأسباب سياسيَّة، فكيف يُؤخذ بشهادته فيمن يخاصمُه ولا بيِّنة في ذلك كلِّه إلَّا الادِّعاء؟ و بالتالي فان الطَّعن المُتكرِّر بابن تومرت في بعض كتب التَّأريخ كان بسياق واحد وحروف موحَّدة ممَّا يُوهم النَّسخ بالحروف مِن مصدر واحد وهو كتاب المعجب، ويُقال إنَّ عبد الواحد وضع كتابه المُعجِب في تلخيص أخبار المغرب سنة 621 هجري نزولًا عند طلب وزيرٍ مِن بطانة الخليفة العبَّاسيِّ في بغداد (أبي العبَّاس النَّاصر لدين الله أحمد بن الحسن (553 ه / 622 ه)) ومِن المُحتمل أنْ يعثُر الباحث في علاقة خلافة بغداد بدولة المُوحِّدين على ما يزيد في قوَّة هذه الفِقْرة مِن مقالنا لا سيَّما إنْ علِمنا أنَّ النَّاصر العباسيَّ كان ذا مَكر وحيلة وفطنة ودهاء وأنَّه حاول إعادة الخلافة العبَّاسيَّة إلى ما كانت عليه في زهوها عن طريق كسر الدُّوَل المُستقِلَّة في زوايا الأرض وكيف مدَّد سيادته إلى بلاد ما بين النَّهرين وبلاد فارس وغيرها وكيف كان يطلب ولاء السَّلاطين والمُلوك حتَّى خُطِبَ له في الأندلس الَّتي كانت تحت حُكم المُوحِّدين وهذه ملاحظة قويَّة ينبغي التَّوقُّف عندها مليًّا.
    قال ابن النَّجار (دانت السَّلاطين للنَّاصر ودخل في طاعته مَن كان مِن المُخالفين وذُلِّلت له العتاة والطُّغاة وانقهرت بسيفه الجبابرة واندحض أعداؤه وكثر أنصاره وفتح البلاد العديدة وملك مِن الممالك ما لم يملْكْه أحد ممَّن تقدَّمه مِن الخلفاء والملوك وخُطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصِّين).
    وقال ابن واصل (كان النَّاصر شهمًا شُجاعًا ذا فكرة صائبة وعقل رصين ومكر ودهاء وله أصحاب أخبار في العراق وسائر الأطراف يطالعونه بجزئيَّات الأمور، ثمَّ قال وكان مع ذلك رديء السِّيرة في الرَّعيَّة مائلًا للظُّلم والعسف ففارق أهل البلاد بلادهم وأخذ أموالهم وأملاكهم وكان يفعل أفعالًا متضادَّة وكان يتشيَّع ويميل إلى مذهب الإماميَّة بخلاف آبائه وكان النَّاصر إذا أطعم أشبع وإذا ضرب أوجع وله مواطن يعطي فيها عطاء من لا يخاف الفقر). انتهى
    وقال الذَّهبيُّ (ولم يَلِ الخلافة أحد أطول منه مدَّة فإنَّه أقام فيها 47 سنة، ولم تزل مدَّة حياته في عزٍّ وجلالة وقمع الأعداء واستظهر على الملوك ولم يجد ضيمًا ولا خرج عليه خارجيٌّ إلَّا قمعه ولا مُخالف إلَّا دفعه وكلُّ مَن أضمر له سوءًا رماه اللهُ بالخذلانِ وكانت له حيَل لطيفة ومكائد غامضة وخدَع لا يَفطن لها أحد يوقع الصَّداقة بين ملوك مُتعادين وهم لا يشعرون ويوقع العداوة بين ملوك متَّفقين وهم لا يفطنون) انتهى، أقول وبايعة كلُّ سلاطين المُسلمين وأدَّوْا له الطَّاعة ومنهم صلاح الدِّين الأيُّوبيُّ رحمه الله). انتهى

  6. دافع التاج السبكي أيضاً عن ابن تومرت، ونفى التهم الموجهة إليه، ومن ذلك قوله في رد تهمة الاعتزال عنه: “…فأما دعواه (أي صلاح الدين العلائي) أن ابن تومرت كان معتزلياً، فلم يصح عندنا ذلك، والأغلب أنه كان أشعرياً، صحيح العقيدة، أميراً عادلاً، داعياً إلى طريق الحق”.

    https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF%D8%A9#

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى