مقالات

ممالك النار

عامر الحموي

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

لم يستطع أعداء الإسلام ضرب التاريخ الأموي بالتاريخ العثماني فهاهم يحاولون الآن ضرب التاريخ المملوكي بالتاريخ العثماني ولكن معالم فشل خطتهم واضحة منذ البداية، لأن المماليك البحرية بداية من عز الدين إيبك بطل معركة المنصورة أمام الحملة الصليبية السابعة كان من المماليك الأتراك وكذلك المظفر قطز الذي انتصر على التتر المغول في معركة عين جَالُوت كان من الترك التتر وكذلك السلطان قالوون وأبناؤه وأحفاده أيام شيخ الإسلام ابن تيميه كانوا من الترك البحرية ولَم يكونوا من الشراكس، ومنهم الأشرف خليل بن محمد حفيد السلطان قالوون الذي طرد الصليبين نهائيا من بلاد المسلمين وهم من أحضروا الشراكس من القوقاز وأسكنوهم في قلعة القاهرة حتى سموا بالمماليك البرجية.

وعندما استلم المماليك البرجية أمر مصر بدأً من عهد السلطان برقوق حتى عهد السلطان قانصوه الغوري فطومان باي، لَم يكن لهم فتوحات تذكر سوى حماية الحرمين الشريفين وبلاد الشام ومصر من التتر والمغول والصليبيين والحفاظ على طريق التجارة العالمي البحري الواصل بين أوربا والهند بيدهم ، ورغم قصر مدة حكم دولة المماليك البرجية الشركسية – مائة عام تقريبا – فقد حكم مصر حينها منهم ٢٧ سلطانا كلهم انقلب على سلفه -عدا برقوق منشئ دولتهم خلفه ابنه فرج ولكنه لم يجلس كثيرا على كرسي الحكم حيث انقلبوا عليه- و نستنتج من الإنقلابات العسكرية ما يترتب عليها من نتائج على جميع المستويات.
وعندما يحدثوننا عن السلطان قايتباي وازدهار مصر والعمارة ويذمون بالسلطان العثماني بيازيد الثاني الصوفي ويتهمونه بتكاسله في نجدة المسلمين في الأندلس الذي أدى إلى سقوط الأندلس فماذا قدم قاتيباي للأندلسيين بل على العكس تماما دعم الثورة التي قامت على السلطان العثماني بيازيد الثاني بقيادة أخيه جم واستطاع جم أن يسيطر على أغلب الأناضول ولَم ينتصر عليه السلطان بيازيد إلا بصعوبة ، واستقبل قايتباي الأمير جم في مصر وتعاون معه ومع فرسان رودوس الصليبيين في محاربة السلطان بيازيد الثاني الذي بعث أسطوله بقيادة سنان باشا وقلج علي لمساعدة الأندلسين واستطاعا إنقاذ مئات الألوف من الأندلسيين ولَم تهنئ الدولة العثمانية من طعنها بمؤخرتها إلا بعد هروب جم إلى الفاتيكان و وفاة قايتباي .

ماذا فعل برقوق منشئ دولة الشركس البرجية المماليك لتيمور لنك عندما قدم لا حتلال بلاد الشام -على مايذكر راغب السرجاني في كتابه الموسوعة الميسرة – دفع الجزية لتيمور وأعلن ولاءه له حيث توجه تيمور لمحاربة العثمانيين وانتصر في معركة أنقرة ١٤٠٢م على بيازيد الأول بسبب الخيانة وتمكن من القضاء على الدولة العثمانية الأولى، ثم رجع بعد وفاة برقوق وانقلاب الجند على ابنه فرج واحتل الشام وفعل ما فعل.
دلت الوثائق العثمانية على تعاون قانصوه الغوري مع اسماعيل الصفوي للطعن في ظهر الدولة العثمانية التي كانت تحارب الصليبيين في عقر دارهم وكادت أن تفتح أوروبا كلها لولا فتنة الصفوي فجاء السلطان سليم الأول بن بيازيد الثاني واحتل عاصمة الصفوي تبريز وقضى على دولة المماليك التي تعاونت مع الصفوي وقد وجه سليم الأول رسالة لطومان باي بعد معركة مرج دابق -على ما يذكر الشيخ علي الصلابي في كتابه الدولة العثمانية – يدعوه لإظهار الطاعة للعثمانيين مع إبقائه حاكم لمصر وأن سيده الغوري تآمر مع الصفوي وطعنا الدولة العثمانية في ظهرها ونالا جزاء خيانتهما وأن هدف العثمانيين توحيد الأمة ضد الصليبيين الذين احتلوا كامل المغرب العربي وليبيا وسواحل شبه الجزيرة العربية ولكن طومان باي أخذته العزة بالإثم ورفض ذلك فما كان من شريف مكة الشريف غالب إلا أن دعا المسلمين جميعا للوقوف في صف العثمانيين وخاصة وأن البرتغاليين نزلوا ميناء ينبع على بعدً ٩٠ كم من المدينة المنورة وكادوا أن يحققوا حلم ملكهم الصليبي السابق هنري الملاح بتدمير الحرمين الشريفين وسرقة جثمان النبي صلى الله عليه وسلم ومقايضته بالقدس الشريف.
وهنا حدثت معركة الريدانية وتم صلب طومان باي على أحد أبواب القاهرة ، وتحرير سواحل الجزيرة العربية من البرتغاليين على يد العثمانيين ، ثم تحرير المغرب العربي كاملاً من الإسبان على يد سليمان القانوني بن سليم الأول ثم ابنه سليم الثاني ، بل وفتح بلاد المجر والبغدان والأفلاق وبولونيا وأوكرانيا ، بل ودخول موسكو نفسها حيث دفع الأوربيين الجزية -عدا الإمبراطورية الرمانية المقدسة بقيادة ملوك النمسا وإسبانيا- للسلطانين العثمانيين سليمان القانوني وابنه سليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى