مقالات

معركة غاز الشرق المتوسط

هاني شيخ العيد

ناشط فلسطيني
عرض مقالات الكاتب

إن بداية الصراع في الشرق المتوسط عندما أنشئ منتدى غاز الشرق المتوسط الذي ضم كلا من مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين، واستثنى المنتدى تركيا ولبنان وسوريا وشمال قبرص التركية.
إن هذا الاستثناء باستبعاد كل من تركيا وشمال قبرص التركية وسوريا ولبنان من تقسيمات الحدود البحرية وتقسيمات الثروات الطبيعية الموجودة شرق المتوسط، حيث إن تركيا رفضت ما نتج عن اتفاقيات المنتدى.
استثناء تركيا من المنتدى أثار حفيظتها، مما جعلها تبدأ في التنقيب في المنطقة الاقتصادية الخاصة لها ردا على تشكيل هذا المنتدى.
جاء تحرك تركيا سريعا بتوقيع الاتفاق التركي الليبي بمذكرتين، الأولى هي تحديد مناطق الملاحة البحرية بين تركيا وليبيا حسب القانون الدولي، والثانية حول التعاون الأمني والعسكري بين الدولتين.
*المستفيد من الاتفاق التركي الليبي:
أعتقد أن تركيا بهذا الاتفاق التركي الليبي قطعت الطريق أمام إسرائيل واليونان وقبرص من الاستفادة من غاز الشرق المتوسط، وبهذه الاتفاقية تضمن تركيا بأن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات لاقتسام غاز الشرق المتوسط.
تعتمد تركيا في الاتفاق التركي الليبي على قوتها الاقتصادية والعسكرية، حيث تشير التقديرات الأمريكية أن معركة جوية فوق أجواء سوريا بين تركيا وروسيا قد تحرج روسيا، وأن قوة الأسطول البحري التركي يفوق قوة الأسطول الفرنسي، وتراهن تركيا على ضعف دول المنتدى، حيث إن مصر هشة اقتصاديا وعسكريا بالمقارنة بتركيا، وإن اليونان منهكة بالديون الخارجية، أما إسرائيل لن تغامر بمشاكل مع تركيا لعدم تأكدها من قوة التحالف مع مصر واليونان وقبرص.
حيث تريد تركيا من خلال الاتفاق التركي الليبي للحفاظ على الدولة المدنية الليبية المعترف بها دوليا من الانقلاب عليها من قبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
أيضًا جاء هذا الاتفاق وإرسال قوات تركية إلى ليبيا لحماية الاتفاق التركي الليبي، ولردع اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه في المنطقة، وذلك لتسريع العملية السياسية في ليبيا، والدليل هرولة الدول الغربية لدعم الحل السياسي في ليبيا رغم دعمها الخفي للواء المتقاعد خليفة حفتر.
تركيا بهذا الاتفاق تريد أن تجعل توازن في الساحة الليبية من أجل الإسراع في الحل السلمي.
حقق الاتفاق التركي الليبي لليبيا منع اليونان وقبرص من إرسال شركات التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية الليبية، وأدت إلى تقوية الشرعية لحكومة الوفاق الليبية بعد دعم غربي وبعض الدول العربية للواء المتقاعد خليفة حفتر.
الاتفاق التركي الليبي سيعمل على المحافظة على الدولة المدنية الليبية المعترف بها دوليا، وكان الدعم الأمني والعسكري التركي لليبيا بعد ما تخلت كثير من الدول العربية والدولية عن اتفاق الصخيرات بشكل خفي، وكانت تدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهذا الاتفاق حقق مكاسب سياسيا وعسكريا.
الاتفاق التركي الليبي لا يضر بمصالح مصر بل يخدم مصالحها في إعادة النظر في ترسيم حدودها البحرية مع قبرص واليونان عام 2014 التي كانت مجحفة بحق مصر، بل إن الاتفاقية ستكسب مصر مساحة أكبر من مساحة جزيرة قبرص الغنية بالنفط، وإن اعتراض مصر عليها ناتج عن أهواء رأس السلطة في مصر تجاه الحكومة التركية، وتحمل بُعدًا أيديولوجيًا ضد الإسلاميين.
*الخاسر من الاتفاق التركي الليبي.
تتأثر إسرائيل من الاتفاق التركي الليبي بعدم تمكنها من نقل الغاز عبر البحر المتوسط لأوروبا دون موافقة تركيا.
وبالإضافة أن الاتفاق التركي الليبي سيحجم ظهور إسرائيل على الساحة الدولية على أنها دولة تصدر الغاز لأوروبا وبذلك تقلل الضغط أو الابتزاز الأوروبي لمصالحها السياسة الخارجية.
أعتقد أن إسرائيل لن تغامر بإشكاليات مع تركيا وخاصة أن إسرائيل ليس لديها خيارات واسعة إلا التعاون مع تركيا في الشرق المتوسط، أو كما دعا مسؤولون إسرائيليون إلى إسقاط حكومة الوفاق الليبية، وذلك بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر؛ وهناك معلومات كشفت عنها صحف إسرائيلية أن الموساد يعمل في الساحة الليبية لإسقاط حكومة الوفاق الليبية وبذلك سينتهي الاتفاق، وأعتقد أن هذا لن ينجح بسبب تماسك التشكيلات العسكرية الليبية ضد اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
منع الاتفاق التركي الليبي اليونان وقبرص من الاستفادة من الموارد البحرية الليبية، ولن تستطيع اليونان وقبرص من إرسال شركات التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية الليبية كما أسلفنا.
إن الاتفاق التركي الليبي سيفشل خط نقل الغاز إلى أوروبا، وبذلك ستضطر اليونان وقبرص وإسرائيل إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لاقتسام غاز الشرق المتوسط.
*الموقف المصري والإماراتي:
تعترض كلٌ من مصر والإمارات على الاتفاق التركي الليبي؛ لأن تركيا تريد أن تدعم الدولة المدنية الليبية، وهذا يتنافى مع سياسة كلٍ من مصر والإمارات التي تدعم الثورة المضادة.
وتعتقد مصر والإمارات أن الاتفاق التركي الليبي سيمدد النفوذ التركي في المنطقة العربية، وترى مصر أن وجود دولة مدنية على حدودها هو بمثابة خطر على نظامها السياسي.
فشلت مصر من حشد عربي ضد الاتفاق التركي الليبي رغم تحفظ بعض الدول على الاتفاق، بل كان داعما باتفاق الصخيرات في المغرب.
*الموقف الأوروبي:
يحاول الأوروبيون دعم اليونان التي هى جزء من الاتحاد الأوروبي.
الدول الأوروبية متخوفة من فقدان مناطق النفوذ لصالح النفوذ التركي في ليبيا.
الاتفاق التركي الليبي يدعم الدولة المدنية في ليبيا، والدول الغربية لا تحبذ الدول المدنية بل ترغب في أنظمة حكم ديكتاتورية لكي تلبي مصالحها من خلال ابتزاز الأنظمة الديكتاتورية لبقائها في الحكم بالسيطرة على الثروات العربية.
*الموقف الأمريكي:
الولايات المتحدة الأمريكية لا تدعم الاتفاق التركي الليبي بشكل كامل ولن تكون معارضة عليه، ليس حبا في تركيا وليبيا، بل هي تريد أن تستثمر تفاعلات هذا الاتفاق بما يخدم المصالح الأمريكية في التقليل من النفوذ الروسي في ليبيا، بعد اعتماد اللواء المتقاعد خليفة حفتر على روسيا.
*الموقف الروسي:
تحاول روسيا أن تجعل لها موطئ قدم في الملف الليبي للاستفادة والحصول على مناطق نفوذ روسية على حساب نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.
وأعتقد أن روسيا لن تتجرأ على المعارضة الفعلية والعملية على الاتفاق التركي الليبي، وذلك بسبب مشروع السيل التركي الذي سينتقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، وروسيا لن تخاطر بمبالغ مالية ضخمة تجنيه من هذا المشروع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى