بحوث ودراسات

ابن عربي وكتابه الفصوص (19)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

الباب الثاني: مناقشة ابن عربي فيما قاله في فصوصه
(5)
حكمة أحدية في كلمة هودية (فــــــص هــــــود)
قال القاري في الرد على القائلين بوحدة الوجود
جاء فِي فص هود عَلَيْهِ السَّلَام
إِن وجودنا غذَاء الْحق وَهُوَ غذاؤنا انْتهى (صـ 111) وَلَا يخفى أَن الْغذَاء مَا يكون سَبباً للبقاء من مطعومات الْأَشْيَاء وَالله تَعَالَى منزه عَن ذَلِك كَمَا قَالَ {وَهُوَ يطعم وَلَا يطعم} وَأما قَول المؤول إِن بَقَاء الْحق لما كَانَ سَبباً لوُجُود بَقَاء الْخلق، فَلَا جرم هُوَ غذاؤنا وَلما كَانَ الخالقية والرازقية وَسَائِر الْأَسْمَاء الأفعالية لَا يتَصَوَّر ثُبُوتهَا من غير مَخْلُوق ومرزوق وأمثالهما لَا تَقْديراً وَلَا وجوداً لَا جرم نَكُون نَحن أَسبَاب وجود الْأَسْمَاء وبقائها، فَنحْن غذاؤه فِي ثُبُوت أَفعاله وأسمائه.
فمذهبٌ بَاطِل ومشربٌ عاطل، مَعَ قطع النّظر عَن الْكفْر، بِاعْتِبَار إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ الشنيع على الرب الرفيع، حَيْثُ إِن أَوْصَاف الله تَعَالَى توقيفية، لِأَن المعتقد الْمُعْتَمد عِنْد طوائف الْإِسْلَام، أَن الله كَانَ خَالِقًا قبل أَن يخلق، ورازقاً قبل أَن يرْزق، …… ، فَقَوْل المؤول لَا يتَصَوَّر ثُبُوتهَا أَي الْأَسْمَاء الأفعالية من غير مَخْلُوق ومرزوق لَا تَقْديراً وَلَا وجوداً كفر صَرِيح لَيْسَ لَهُ تَأْوِيل صَحِيح لَا سِيمَا إِذا كَانَ قَوْله لَا تَقْديراً رَاجعاً إِلَى ثُبُوتهَا.
وفيه أيضاً (صـ 114)
قَوْله فِي فص هود عَلَيْهِ السَّلَام أَيْضاً (صـ 113) فإياك أَن تتقيد بِقَيْد مَخْصُوص، وتكفر بِمَا سواهُ فيفوتك خير كثير، بل يفوتك الْعلم بِالْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ،…….
ثمَّ قَالَ فَكُن هيولي لصور المعتقدات كلهَا، فَإِن الله تَعَالَى أوسع وَأعظم من أَن يحصره عقد دون عقد، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُول {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} فَمَا ذكر أَيّنَا من أَيْن وَذكر أَن ثمَّ وَجه الله، وَوجه الشَّيْء حَقِيقَته. انْتهى
وكفره لَا يخفى إِذْ يلْزم مِنْهُ أَن المعتقدات الْمُخْتَلفَة بَين الطوائف المؤتلفة كلهَا حق، واعتقاد أَن كلهَا وجميعها صدق، وَهَذَا مَذْهَب الزَّنَادِقَة والإباحية والملاحدة والاتحادية انْتهى
وَهُوَ نِهَايَة كفره وَغَايَة أمره حَيْثُ جعل الْإِيمَان وَالْكفْر سَوَاء فِي الِاعْتِقَاد وَكَذَا صير سَائِر الْأُمُور المتضادة مصورة فِي الِاعْتِمَاد
أما البقاعي فقال في مصرع التصوف (1/ 88)
تكذيب صريح للقرآن
وقال في فص حكمة أحدية في كلمة هودية صـ106: {ومَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود56] فكل ماشٍ فعلى صراط الرب المستقيم, فهم غير مغضوبٍ عليهم من هذا الوجه، ولا ضالون، فكما كان الضلال عارضاً، فكذلك الغضب الإلهي عارضٌ، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء.
وابن عربي يُكَذِّبُ بهذا البهتان قوله سبحانه {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وغيرها من الآيات. فالقرآن يقرر أن الناس بالنسبة إلى الحق ثلاثة أقسام: قوم عرفوا الحق وآمنوا به، وهم الذين وصفهم الله بأنهم على صراط مستقيم، وقوم عرفوا الحق، وأعرضوا عنه كفراً وجحوداً، وهم المغضوب عليهم، وقوم لم يحاولوا معرفة الحق فلم يهتدوا، وهم الضالون. وقد خص الله الفريق الأول برضاه ورحمته, والآخرين بغضبه ولعنته.
ولكن ابن عربي يجعل الجميع سواء، هادفاً من وراء ذلك إلى تقرير أسطورة وحدة الأديان التي تزعم أن الأديان سماويها ووضعيها واحد، وأن الحق والهدى فيها جميعاً، لا يختص بها دين عن دين، فالشرك عين التوحيد، والمجوسية عين الإسلام، فعابد العجل عندهم كعابد الله.
يقول لك ابن عربي: كن مشركا كن مجوسيا كن بوذيا كن يهوديا. فأنت على صراط مستقيم
ثم قال البقاعي بعد ذلك (1/ 92)
تمجيد ابن عربي للمجرمين:
ثم قال في الفص الهودي أيضا (آخر صـ107 وأول صـ108): {ونَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ} وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم، والريح تسوقهم -وهي عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه، فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق؛ لأنهم مجرمون، فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم، لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة، فما مشوا بنفوسهم، وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ4} [الواقعة85] وفي المرجع السابق أيضاً (1/ 93)
زعمهم أن هوية الحق عين أعضاء العبد وقواه
ثم قال(الفصوص صـ 108): “فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى، فهو حق مشهود في خلق.
ثم قال في المرجع السابق (1/ 94)
تفسيرهم لما عذب الله به قوم هود
ثم قال (الفصوص صـ 109): “ألا ترى عاداً قوم هود كيف قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف24] فظنوا خيراً بالله تعالى -وهو عند ظن عبده به- فأضرب لهم الحق عن هذا القول، فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم، فذلك حظ الأرض, وسقى الحب، فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد، فقال لهم {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}. فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة، فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة، والمسالك الوعرة، والسدف المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب، أي: أمر يستعذبونه، إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لغرقة المألوف”. انتهى
ما قاله تكذيبا لصريح الذكر الحكيم في قوم قال فيهم أصدق القائلين, سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} وقوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}، {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ, وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}

ثم قال في نفس المرجع السابق(1/ 108)
الضال مهتد, والكافر مؤمن:
ثم قال: “نحن على الصراط المستقيم الذي الرب عليه، لكون نواصينا في يده، وتستحيل مفارقتنا إياه، فنحن معه بالتضمين، وهو معنا بالتصريح، فإنه قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحن معه بكونه آخذاً بنواصينا فهو تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه، فما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم” .

الفــــــص العـزيــري
قال القاري في الرد على القائلين بوحدة الوجود (صـ 120)
قَوْله فِي الفص العزيري إِن ولَايَة الرَّسُول أفضل من نبوته انْتهى (الفصوص135) وَأما ولَايَته الكائنة قبل نبوته فَلَا يَصح أَن يُقَال أفضل من نبوته فَإِنَّهُ كفر بِلَا خلاف إِذْ لَا يكون الْوَلِيّ أفضل من النَّبِي، كَمَا حقق فِي مَحَله: أَن من قَالَ الْوَلِيّ أفضل من النَّبِي يكفر ……..
وَلذَا قَالَ بعض الْعلمَاء إِن مقَام رِسَالَة نَبينَا أفضل من مقَام ولَايَته وَإِنَّمَا أدرجه المؤول وَجعله من قبيل القَوْل الْمُشكل ليوهم الْعَوام أَن سَائِر الاعتراضات مثله فِي قبُول التَّأْوِيل الْمُحْتَمل، نعم ذكر بَعضهم أَن نِهَايَة النَّبِي بداية الْوَلِيّ وَظَاهره الْكفْر.
إِلَّا أَنه لَهُ تَأْوِيلا حسناً وتوجيهاً مستحسناً وَهُوَ أَن الْوَلِيّ لَا يصير وليا باهراً إِلَّا إِذا عمل بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِي أَولاً وآخراً وظاهراً وَبَاطناً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى