بحوث ودراسات

ابن عربي وكتابه الفصوص (18)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

الباب الثاني: مناقشة ابن عربي فيما قاله في فصوصه
(4)
فــــــص إِدْرِيــــــــس
وفي مصرع التصوف = تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد (1/ 62 وما بعدها)
الحق عين الخلق عند ابن عربي:
ثم قال في فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية: “ومن أسمائه الحسنى: العلي. على من؟ ومَن ثَمَّ إلا هو، فهو العلي لذاته، أو عن ماذا؟ وما هو إلا هو!! فَعُلُوِّه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها, وليست إلا هو. فهو العلي، لا علو إضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه، ما شمت رائحة من الوجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات والعين واحدة من المجموع في المجموع، فوجود الكثرة في الأسماء، وهي النسب، وهي أمور عدمية، وليس إلا العين الذي هو الذات، فهو العلي لنفسه، لا بالإضافة,. انتهى من الفصوص صـ76
الوحدة المطلقة دين ابن عربي:
قال الإمام زين الدين العراقي: “وأما قوله فهو عين ما ظهر، وعين ما بطن، فهو كلام مسموم, ظاهره: القول بالوحدة المطلقة، وأن جميع مخلوقاته هي عينه، ويدل على إرادته لذلك صريحاً قوله بعد ذلك: “وهو المسمى أبا سعيد الخراز، وغير ذلك من أسماء المحدثات” وكذا قوله بعد ذلك: “والمتكلم واحد، وهو عين السامع” وقائل ذلك والمعتقد له كافر بإجماع العلماء”.
لا يعتذر عن الوصفية بالتأويل:
ثم قال: “ولا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول: أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره، ولا نؤول له كلامه، ولا كرامة.
ولقد أحسن بعض من عاصرناه من العلماء العارفين، وهو الشيخ الإمام العلامة علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي حيث سئل عن شيء من هذا. فقال: “إنما نؤول كلام من ثبتت عصمته حتى نجمع بين كلاميه، لعدم جواز الخطأ عليه، وأما من لم تثبت عصمته، فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر، فنؤاخذه بظاهر كلامه، ولا يقبل منه ما أول كلامه عليه مما لا يحتمله، أو مما يخالف الظاهر, وهذا هو الحق” ا. هـ.
ثم قال ابن عربي في الفص الإدريسي أيضا صـ77: “وما ظهر حكم العدد إلا بالمعدود والمعدود منه عدم، ومنه وجود، فقد يعدم الشيء من حيث الحس، وهو موجود من حيث العقل، فلا بد من عدد، ومن معدود.
ثم قال صـ78: “ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وأن نفيها عين إثباتها علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه وإن كان قد تميز الخلق من الخالق، فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق، كل ذلك من عين واحدة، لا بل هو العين الواحد، وهو العيون الكثيرة”
ثم قال صـ78 أيضاً: “وخلق منها زوجها فما نكح سوى نفسه، فمنه الصاحبة والولد، والأمر واحد في العدد ، فمن الطبيعة؟ ومن الظاهر منها؟ وما رأيناها نقصت بما ظهر منها، ولا زادت بعدم ما ظهر!! وما الذي ظهر غيرها؟ وما هي عين ما ظهر، لاختلاف الصور بالحكم عليها.
فــــــص إِبْــرَاهِـــــيـم
قال القاري في كتابه مرتبة الوجود ومنزلة الشهود (صـ 112)
قَال فِي فص إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام(صـ 83): فيحمدني وأحمده، ويعبدني وأعبده. انْتهى وَالْجُمْلَة الأولى وَجههَا ظَاهر لِأَن الْحَمد بِمَعْنى الثَّنَاء فَالله تَعَالَى يثني على من يَشَاء وَأما الْجُمْلَة الثَّانِيَة فظاهرها كفر كَمَا لَا يخفى على أهل الصفاء وَأما قَول المؤول: إِن الْعِبَادَة جَاءَت فِي اللُّغَة بِمَعْنى الانقياد وَالطَّاعَة وَالله سُبْحَانَهُ أجَاب دُعَاء الْمُطِيع كَمَا أَن الْمُطِيع انْقَادَ لأمر المطاع، قَالَ أَبُو طَالب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أطوع رَبك لَك يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ (وَأَنت يَا عمي إِن أطعته أطاعك) انْتهى. وَلَا يخفى أَنه مَا ورد إِنَّك إِن عبدته عَبدك فَإِنَّهُ كفر شرعاً وَلَا يلْتَفت إِلَى مَعْنَاهُ لُغَةً وَعرفاً، وَأي مَانع كَانَ لَهُ أَن يَقُول ويجيبني وأجيبه، وَالْحَاصِل أَن تَأْوِيله يصدق قَضَاء وحكومة وَقد يدين ديانَة.
فــــــص إِسْــــــــحَـاق
قال القاري في كتابه مرتبة الوجود ومنزلة الشهود صـ80 وما بعدها
قَوْله فِي فص إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام (الفصوص صـ85) إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لوَلَده {يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} وَالْحَال أَن النّوم من عَالم الخيال، فلم يعبر الرُّؤْيَا وفْق عَالم الْمِثَال، فَإِن الْكَبْش ظهر بِصُورَة ولد إِبْرَاهِيم، وفداه الله سُبْحَانَهُ عَنهُ بِذبح عَظِيم ……
ثمَّ قَالَ وَلما كَانَ الْكَبْش على صُورَة وَلَده، كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يعبر عَنهُ بِذبح كَبْش فِي بدله، فَحَمله على ظَاهره، وَوَقع فِي اجْتِهَاده على طرق مرجوحة. انْتهى
وَهَذَا من غَايَة حمقه، وَقلة أدبه، وَعدم مَعْرفَته بمقام نَبِي الله إبراهيم، ثمَّ من أَيْن لَهُ هَذَا الْعلم بِأَن الْكَبْش كَانَ على صُورَة وَلَده؟ بل الظَّاهِر من الْكتاب وَالسّنة أَنه أَمر بِذبح ابْنه على صورته، من غير أَن يكون على صُورَة كَبْش، وَوَصفه كَمَا قَالَ تَعَالَى مخبراً عَنهُ {يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر} فاستقر رَأْي النَّبِيين على الذّبْح الْمَذْكُور، وأقرهما الله علية الْوَجْه المسطور، فَكَلَام المؤول إِنَّه كَانَ خطأ فِي اجْتِهَاده كَمَا جوز للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الِاجْتِهَاد، وَكَذَا خَطؤُهُ عِنْد أَصْحَاب الِاعْتِقَاد، وأرباب الِاعْتِمَاد، خطأ فَاحش، لِأَن شَرط خطأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اجْتِهَاده أَن لَا يقر على خطئه، بل يُنَبه على خطئه قبل تحقق فعله، أَو بعد صَنِيعه، وَهَذَا قد صدَّقَ الله فعل إِبْرَاهِيم بقوله {قد صدقت الرُّؤْيَا} حَيْثُ نزل عزمه مَوضِع فعله، وَأقَام ذبح الْكَبْش مقَام ذبحه، لِأَنَّهُ كَانَ الْحِكْمَة فِي ذَلِك الْمَنَام حُصُول الاستسلام، وَقطع العلاقة والمحبة الطبيعية بَين الوالدية والولدية، كَمَا هُوَ بلية عَامَّة فِي الْأَنَام، مَعَ أَن الْعلمَاء أَجمعُوا على أَن مَنَام الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام حق، وَعُدَّ من أَنْوَاع الْوَحْي والإلهام، فَحَمله على الْوَهم قلَّة الْفَهم، وَأغْرب المؤول حَيْثُ أجَاب عَن هَذَا بقوله تَعَالَى {قل إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ} وَكَأَنَّهُ لم يقْرَأ: يُوحى إِلَيّ، أَي فِي الْيَقَظَة أَو الْمَنَام، فاستدلاله بِبَعْض الْآيَات كَمَا قيل للقلندري أما تصلي؟ فَقَالَ: قَالَ تَعَالَى {لَا تقربُوا الصَّلَاة} قيل اقْرَأ مَا بعده من جملَة الْحَال، فَقَالَ نَحن من عشاق أول الْمقَام؛ وَمَا أسخف عقول هَؤُلَاءِ حَيْثُ تركُوا مطالعة كتب التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه، ومعتقدات أئمتهم، وَكتب الْمَشَايِخ الْمجمع على ديانتهم وولايتهم، وَأَقْبلُوا على هَذِه الكفريات.

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية
(فــــــــــــص إِسْـــــمَاعِـــيل)
السَّادِس قَوْله فِي فص إِسْمَاعِيل وَكَذَا فِي فص أَيُّوب عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَذَا فِي الفتوحات أَن الْكفَّار وَإِن لم يخرجُوا من النَّار، لَكِن فِي عَاقِبَة الْأَمر يصير الْعَذَاب عذباً لَهُم بِحَيْثُ يتلذذون بالنَّار الْجَحِيم وَالْمَاء الْحَمِيم كَمَا يتلذذ أهل الْجنَّة بالنعيم الْمُقِيم انْتهى. صـ94
قال القاري في كتابه مرتبة الوجود ومنزلة الشهود (صـ 84) وما بعدها
وَهَذِه الدَّعْوَى مِنْهُ فِي علم الْغَيْب من غير نقل صَحِيح كفر صَرِيح مَعَ مناقضته لقَوْله تَعَالَى {وَلَهُم عَذَاب مُقيم} أَي دَائِم ومعارضته لقَوْله سُبْحَانَهُ {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} وَقَوله {وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا} وَقَوله {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا} وَقَوله {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب} فَإِنَّهُ صَرِيح فِي بطلَان مذْهبه، فَإِنَّهُ لَو انْقَلب عَذَابه بعذبه، لما كَانَ يحْتَاج إِلَى تَبْدِيل الْجُلُود الْمُحْتَرِقَة بالجلود المجددة لإذاقة الْعقُوبَة المخلدة المؤبدة، وَبِه بَطل تعلق المؤول بقوله فِي الفتوحات إِن الله تَعَالَى قَالَ خَالِدين فِيهَا أَي فِي النَّار، وَلم يقل خَالِدين فِيهِ أَي فِي الْعَذَاب. انْتهى
وَلَا يخفى بطلَان برهانه وَمَا زعم أَنه يَنْفَعهُ فِي شَأْنه فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذا قَالَ فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة فِي كِتَابه إِن الْكفَّار خَالدُونَ فِي النَّار، وَنَصّ فِي مَوَاضِع أخر أَنه لَا يُخَفف الْعَذَاب عَن الْكفَّار، فدعوى انقلاب الْعَذَاب لَا يصدر إِلَّا من أهل الْحجاب، الْجَاهِل بِأَحْكَام الْكتاب، الغافل عَن فصل الْخطاب، والمائل عَن صوب الصَّوَاب، مَعَ أَن هَذَا القَوْل وَهُوَ تَخْفيف الْعَذَاب وانقطاعه مُخَالف لما عَلَيْهِ الصُّوفِيَّة السّنيَّة، ومخالفته هَذِه مصادمة للأدلة النقلية والعقلية، اللَّتَيْنِ عَلَيْهِمَا مدَار عُلَمَاء الشَّرِيعَة، وعرفاء الْحَقِيقَة، فَيكون كفرا بِالْإِجْمَاع، من غير احْتِمَال النزاع، وَمن جملَة الْأَدِلَّة فِي تَحْقِيق هَذِه الْمَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى {لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى} أَي حَيَاة طيبَة، وَهُوَ يُنَافِي القَوْل بصيرورة الْعَذَاب عذباً، وَمن جُمْلَتهَا الْإِجْمَاع، وَالْإِجْمَاع من أقوى الْحجَج فِي دفع النزاع، إِذا كَانَ مُسْتَنده الْكتاب وَالسّنة.
وفي مصرع التصوف = تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد (1/ 74وما بعدها)
العبد عين الرب عند ابن عربي:
ثم قال في فص كلمه علية في كلمة إسماعيلية: “والعبد من كان عند ربه مرضياً، وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه؛ لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته، فهو عنده مرضي فهو سعيد”: ثم قال؛ شعر: الفصوص صـ92
فأنت عبد, وأنت رب … لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب، وأنت عبد … لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص … يحله من سواه عقد
وفي مصرع التصوف = تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد (1/ 76)
وجود الحق عين وجود الخلق عند ابن عربي”
فكل ما تدركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات، فمن حيث هوية الحق هو وجوده، ومن حيث اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى