منوعات

المعجزة السنغافورية

سنغافورة جزيرة صغيرة بمساحة٧١٩كم٢، تقع جنوب شرق آسيا، عند مصب مضيق ملقا. وبعدد سكان يقارب ٥ ملايين.
متعددة الأعراق، حيث يشكل الصينيون ٧٥%، والملايو ١٥% والهنود ٨%، و١% أعراق أخرى.
ومتعددة الديانات، فهناك البوذية، والمسيحية، والطاوية، والإسلام، والهندوسية، ومن لايتبعون أي دين.
خضعت للاحتلال الإنكليزي ١٨١٩،وأصبحت قاعدة للأسطول البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، استقلت عن بريطانيا ١٩٦٣، وانضمت للاتحاد الماليزي حتى عام ١٩٦٥، ثم فُصلت عنه.
عانت بعد استقلالها وانفصالها عن ماليزيا مشكلات اقتصادية، فالفقر والأمية والبطالة شملت أكثر من ثلثي السكان،ثم إنها تفتقر إلى بنية تحتية مناسبة، ولا تمتلك موارد طبيعية (فلا معادن ولا نفط ولا غاز)، كما لا تتوفر فيها قاعدة صناعية ولا زراعية، وامدادتها من المياه غير كافية.
حتى أن الناظر لحال سنغافورة، لا يعتقد أن تقوم لها قائمة.
لكن تلك الجزيرة الصغيرة، تحولت خلال بضعة عقود إلى واحدة من أكثر الدول تطورا في العالم، وإلى واحد من أهم الاقتصادات فيه.
فما سر ذلك التحول؟ تكمن الخلطة السرية لذلك التحول، في اجتماع عدة عوامل، أهمها :

  • القيادة الوطنية الحكيمة والصارمة، التي شكلت نواة جاذبة في سياساتها وتدابيرها، التف حولها السنغافوريون.
  • نظام تعليمي تربوي من الطراز العالمي، صانع للعقول المبدعة، ويستجيب لمطالب الاقتصاد والسياسة والصناعة ومختلف الصعد.
    ‐ منظومة من القيم والمبادئ، انبثقت من التراث الاجتماعي للبلد، وأطرت أعراقه وثقافاته المتعددة.
  • سياسات عامة، اعتمدت مبدأ الجدارة في اختيار القادة والموظفين والطلاب، دون النظر إلى العرق والدين، فأحدثت الشعور بالمساواة والمواطنة، وبالتالي عززت الأمن والاستقرار.
  • قوانين صارمة حفظت النظام والحقوق.
  • موقع استراتيجي، حيث تقع سنغافورة عند مضيق ملقا الذي تمر منه ٤٠% من تجارة العالم البحرية. وحيث ميناء سنغافورة الذي يعد من أكثر موانئ العالم ازدحاما.

سنهتم بالعوامل الثلاثة الأولى، مبتدئين بالقيادة.
القيادة: بزوغ سنغافورة من العدم، كان بفضل الآباء المؤسسين الكبار، كما سماهم كيشور محبوباتي( العميد المؤسس لكلية لي كوان يو للسياسات العامة في مقالته سر نجاح سنغافورة)، وهم: ( لي كوان يو) رئيس الوزراء، ونائبه (غو سينغ سوي)، ووزير الخارجية(اس راجارتنام).
ويعتبر لي كوان يو “قائد التنمية الاقتصادية في بلاده، وأول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة، بعد انتخابات برلمانية، فاز بها حزب الشعب الذي أسسه عام ١٩٥٤، وظل في منصبه من عام ١٩٦٥ حتى ١٩٩٠” (كما تذكر شيرين ماهر في مقالتها سنغافورة رحلة نجاح العقول، الهيئة العامة للاستعلامات)
جعل “كوان يو “حب الوطن، ومجموعة المبادئ والقيم والعادات والتقاليد المتأصلة في تراثه الاجتماعي، جعلها محركا رئيسيا لخلق إرادة سياسية، ومنهج عمل جاد، لإيمانه أن ذلك التراث لا يتعارض للحظة مع إيمانه بالحداثة، والأخذ بها تحقيقا للنمو والتقدم، وهو مامكنه من وضع رؤية واضحة وذكية لمستقبل بلاده. فالثروة والنجاح في نظر كوان يو”في العقول وليس في آبار النفط،؛لذا تبنى مع فريق العمل الذي انتقاه بعناية، استراتيجية مرحلية تتناسب مع ظروف بلاده، تقوم على بناء الثقة بين مواطنيه، والنفعية الاقتصادية، والصرامة الإدارية” . (شيرين ماهر – المرجع نفسه)
كانت البطالة والفقر التحدي الكبير للآباء المؤسسين، لذا” شرع كوان ورفاقه لمحاصرة البطالة في تنفيذشامل للتصنيع، مع التركيزعلى الصناعات كثيفة العمالة، إلا أن افتقار البلاد إلى قاعدة صناعية، وقلةالخبرة والأسواق المحلية لم تسعفه” ( شيرين ماهر – المرجع نفسه)، ولمواجهة هذه الصعوبات أقام علاقات تجارية مع أمريكا وأوربا، وفكر ورفاقه باستجلاب الاستثمارات الأجنبية، فانشأ ماعرف باسم ” مجلس التنمية الاقتصادية” الذي تولى عملية جذب الاستثمارات الأجنبية.
ولأن عملية الجذب تلك، تحتاج إلى بيئة آمنة ومنظمة ومستقرة وخالية من الفساد، وتعمل بمعدلات ضريبية منخفضة، وبأقل العراقيل من نقابات العمال. قام لي كوان وفريقه بعملية تطهير موسعة لتجار ومتعاطي المخدرات، وفرض عقوبات صارمة لكل من ثبت فساده، وخفض الضرائب، وقيد نقابات العمال، أي أنه وفر البيئة الملائمة لجذب رأس المال، جاعلا سنغافورة تنعم بالشفافية والمرونة ووضوح الرؤية.
ساعده في خطوته تلك (أي جلب الاستثمار) موقع البلد الاستراتيجي على مضيق ملقا بين ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية، وميناؤه الذي يعد من أهم الموانئ التجاريةفي العالم، مما جعل سنغافورة منطقة مثالية للتصنيع والتصدير للخارج.
“خلال سبعة سنوات من عام ١٩٦٥ حتى ١٩٧٢ حدث تدفق كبير للاستثمارات، وكانت أمريكاواليابان من أكبر المستثمرين( … )
وأصبحت سنغافورة عام ١٩٧٠ تصدر المنسوجات والملابس والالكترونيات الأساسية (… )
ثم بدأت في التركيز على تنمية الموارد البشرية والبنية التحتية، فأنشأت المدارس الفنية، ودفعت الشركات الأجنبيةعلى تدريب عمالها في مجال تكنولوجيا المعلومات، والبتروكيماويات، والألكترونيات، أما العمال الذين لم يحصلوا على وظائف صناعية، فألحقتهم في قطاع الخدمات كالسياحة والنقل.” (أشرف أبراهيم، سنغافورة من قزم إلى عملاق.)
“ومن العوامل التي ساعدت على ازدهار سنغافورة، كونها لاتحمل إرثا عسكريا، فتحولت بسلاسة إلى دولة مدنيةيحكمها نظام سياسي في ظل رؤيةتنموية واضحة، وشعب يشارك في مسيرة التنمية بكل أعبائها، أي انها أخذت بأحدث نظام أبدعته الحضارة المعاصرة، وهو الديمقراطية وجعلت منه آليةلتخقيق الرقابة والمشاركة الشعبية” (شيرين ماهر المرجع نفسه)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى