غير مصنف

ليلة بألف ليلة وليلة

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

عندما قرأت قصة ألف ليلة وليلة أول مرة . عجبتُ من خيال وأسلوب كاتبها في نسج الحكايات . ومن الطبيعي أن أصدق أنها من الخرافات أو في الحقيقة هكذا بدت لي وفق مقاييس عقلي في الزمكان والمُستوى الثقافي والعلمي الذي كنت عليه في حينها . لكن بعد احتلال العراق في 2003 أخذ الشك يُساور قلبي من أنها قد تكون حقيقة . فما رأيتهُ كان أغرب بكثير . وما سأكتبهُ قد يعتبرهُ القارئ من الخيال أيضا . لأني اول مرة أرى الزمن يتوقف . بل أحيانا يعود الى الخلف والأحلام تموت والليالي تبدو دهورا . يطول فيها انتظار شمس الصباح حتى تنقضي تلك الأوقات المريرة التي حفرت في أرواحنا آثارا لا تنسى . مواقف وصور كان أهم ما فيها رؤية الوجه الحقيقي للدم قراطية . الأكذوبة التي دمروا من خلالها الشعوب وصادروا حرياتهم . فرقوا بين الأخ وأخيه والابن وأبيه . وادعوا حُب آل البيت وهم لا يعرفوهُم . سكنوا القُبور حتى عبدوها وحولوها إلى مهرجان للنصب والنهب والاحتيال والدعارة .

سرقوا العراق ؟

الدين والحضارة . الفن والعلوم . الصانع والمصانع . الطفولة والرجولة . النخوة والبطولة . الشرف وأهله . العزة والإباء . هذا هو فعل الوباء ( الدم قراطية )

تعود حكايات ألف ليلة وليلة إلى الحضارات العربية والفارسية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين . أما قصة الإطار فقد تم استخلاصها من العمل البهلوي الفارسي ( ألف خرافة . بالفارسية : هزار أفسان) وهي تحكي قصة الملك شهريار الذي اكتشف خيانة زوجة أخيه ثم زوجتهُ وصُدم لذلك الأمر ولهذا رأى أن جميع النساء مُخطئات . وبدأ يتزوج من العذارى يومياً ويقتلها قبل طلوع الفجر وبعد فترة لم يجد وزيرهُ مزيداً من الإناث . عندها عرضت ابنتهُ شهرزاد نفسها لتكون عروساً فوافق على مضض . ومُنذ ليلة زفافها بدأت تحكي لهُ كل يوم حكاية لا تُكملها . مما يثير فضولهُ لسماع نهايتها ويُؤجل إعدامها . وتكرر الأمر في الليلة التالية ثم التي بعدها حتى أكملت ألف ليلة وليلة . ولكن الامر مُختلف في حكاياتي لأن كل ليلة في حياتنا كانت تعدلُ الف ليلة .

هل نروي ليالي أكبر السرقات في التاريخ أم كيف وصل عدد الشهداء الى اكثر من 100 انسان في اليوم امام مرأى ومسمع مُنظمات حقوق الانسان والحيوان والطفولة والمرأة والأمم المُتحدة في العالم ام كيف انتقل البعض بشكل مُفاجئ من اقصى الفقر المدقع الى قمة الغنى ومن تأدية أدوار الايمان والتديُّن الى قعر الشرك والكفر والرذيلة . أم كيف كان يُؤتى بالإنسان ويقطع جسده الى أشلاء في البساتين ثم ترمى اجزاءه الى الكلاب . او الذين استقرت هياكلهُم العظمية في قاع الانهار … رغم أني لم أر المصباح السحري الذي قرأت عنه فُوجِئْتُ بأن علي بابا له الكثير من الأحفاد . والشعب العربي طالت مأساتهُ لأكثر من سبع عجاف وجابت الزوارق المُتآكلة بهم أقاصي البحار حتى شبعت من اجسادهم الأسماك وبعلم ومُباركة أصحاب الكروش الغارقين في الملذات الجالسين على العُروش . وطال القصف والموت كل شيء والنيران والدمار والصراخ في كل مكان .

بعد الاحتلال انهارت القيم وجثم على صدور الناس حزنٌ كبير ودخل ظلام البؤس وتهافتت ضباع الدنيا التي تربت في أقبية المخابرات لتحكم وتتحكم وتدعي التحرير والتغيير وتعد بالتقدم والتطوير . اختفت كل مظاهر الحياة ولم يبق سوى هدير المُولدات المُترهلة ودخانها وتوقفت جميع قنوات التلفزيون عدا قناة العالم . الاحتلال الصهيو صليبي والقناة الوحيدة التي تساندهُ وتبث هي ( ايرانية ) ؟

قتل قادة البلد واحرق الزرع والضرع والولد . وآخرون في السجون والباقي هربوا او غيبوا او تغربوا . او دفعوا ثمن الحرية ارواحهم البريئة . نساء واطفال وشباب . ولكن شهرزاد هذا الزمان لم تظهر بعدُ لتروي حكاياتنا الى المُلا الأحمر خامنئي ليوقف إعدام الناس . ونهر خريسان الذي كنت أمتع ناظري برؤية مياهه وهي تنساب بهدوء بات ممرا للجثث المغدورة التي يصعب عدَّها . تمُرُّ طافية تشكوا الى الله ظلم جزاريها والسيوف عشقت رقابنا والسياف يقف على بابنا وحالنا يُشبه الناعور . يدور ويدور . ثم يعود من حيث بدأ . قاوموهُم ولكن الأهم . علموا اولادكم حتى يفهموا ما جرى ولايصدقوا كما صدقنا فالمُؤمن لايُلدغ من جُحر مرتين . لأننا لدغنا ألف مرة . حاولوا إيقاف نزيف الدم الذي سيجري في الوسط والجنوب وسيُعيد الرافد الثالث بداية العام الجديد ( 2020 ) ثم وحدوا الراية والغاية وانشئوا إعلاماً حراً ينطق بجميع لغات الدنيا فنحنُ نتعرض الى الكثير من مواقف الفشل والإحباط بسبب ما نعيشهُ من خلافات ونزاعات وأخبار يومية مُؤلمة لا نعرف متى تنتهي وهذا يثير الكثير من مشاعر فقدان الثقة وكأن باب الأمل بات مُغلقًا وأن ما بُني في سنوات قد يُهدم في لحظات أو أيام قليلة!

تطلعوا الى فجر تشرقُ فيه شمس التغيير والعدل والتسامح والنهضة . لأن مشاعر اليأس تأتي من الفشل المُتكرر في مواقف مُتتالية وليس الفرد فقط من يقع ضحيتها بل أحيانًا شعوب .. فخروجها من مأزق ودخولها في آخر وعدم تحقيق الأهداف يفترض به أن يُعلّم الإنسان مواقف جديدة للتقدم نحو الأمام وتجاوز الواقع فلا يرتكب الأخطاء نفسها بل يبحث عن حلول تعينه في واقع حياته .. ولاتنتظروا الرحمة والعون من الآخرين فأنتم المسؤولون عن نجاح وفشل بلدكُم والمعاناة من ضرورات التغيير أحيانًا!

لا تقفوا عاجزين مهزومين أمام ما يصيبكم وتجنبوا مُتابعة الأخبار المُؤلمة (على القنوات الفضائية أو بالإنترنت) بشكل يومي لأنها مُوجهة تتعمد إيصالكم لتلك المرحلة من اليأس . وركزوا على مصادر قوتكُم وحددوا أهدافكُم وضعوا خُطة جديدة وتمسكوا بها وتابعوا تحقيق ما أمكنكُم منها من اجل الوصول الى أحلامكم . وفي قمة مواقف الشدة والابتلاء توكلوا على الله واطلبوا منهُ الرحمة واعلموا أن بقاء الحال من المحال فما تعيشونه لن يدوم وكلما ازداد الكرب والألم والضيق اقترب الفرج …

ويا ايها المقاومون : لو اردتم التحرير والتغيير عليكم اولا ان تشكلوا هيئة للحكماء لدى اعضائها بصيرة تُحدد لكُم المُستقبل اكثر دقة ووضوح واعيدوا تنظيم صفوفكُم مُستفيدين من اخطاء الماضي وعثراته حتى نعود احرارا ونسترجع الهوية .

والا ستخسر القضية ولن نرى ابدا نور الحرية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى