مقالات

قمة كوالالمبور

محمد سعيد سلام

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

بعيدا عن الحاضرين لقمة كوالالمبور أو الغائبين عنها أو المناوئين لها أو داعميها ، وبعيدا عن توصيف الجميع وطبيعة علاقاتهم وأدوارهم ، وبعيدا عن نقاش الإنجازات المقدرة سلفا لبعض الحكومات الحاضرة في قمة كوالالمبور في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات ومعدلات دخل الفرد ، ودخولا بشكل أعمق في أصل الفكرة التي دعت إليها تلك الدول المجتمعة وسواها – ومازالت تدعو – وهي وحدة ” العالم الإسلامي ” ومجابهة المخاطر والتحديات التي تتعرض لها ” الدول الإسلامية ” .

لا أعتقد أن أحدا ينتمي إلى حضارة المليار ونصف مسلم ويرتبط بتاريخهم يمكن أن يشكك بأهمية وضرورة وحدة الصف ومواجهة المشكلات ، وكذلك الشأن لا يمكن إنكار انتشار العنف والفساد وغياب التنمية والعدالة والحكم الرشيد .
والعمل على تشجيع النقاشات والحوارات ، وعقد الورشات حول الأوضاع الراهنة للمسلمين ، وتوضيح الأفكار ، وبث المقترحات والتوصيات بما يخص الأزمات وأسبابها ثم تحويلها إلى مبادرات كل ذلك من الأهمية بمكان .
وإن المستوى الأهم تنظيريا هو تفعيل مراكز دراسات بحثية متخصصة على أرفع المستويات لتعنى بدراسة أبرز هذه المشكلات وتأصيلها أسبابا ومخارج .

لكن السؤال قبل أن يوجد ذلك ومعه وبعده ما هو الحامل الحقيقي لهذه المخرجات ؟ وهل تصلح هذه اللقاءات والقمم – كقمة كوالالمبور – للقيام والاضطلاع بمواجهة هذه التحديات والمشكلات وأمثالها والقيام بمعالجتها ؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات أو الحوار فيها وإبراز الأفكار بخصوصها يرتقي إلى الحيز السياسي دون الخوض في التنظير الفكري والثقافي والاجتماعي ، أو التقليل من اهميته وضرورته ودوره .

لازالت جميع هذه الأنظمة تنتمي إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومفرزاتها الفكرية والقيمية والقانونية والمؤسساتية التي تتحكم بها الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا تريد – فضلا عن أنها لا تقوى – هذه الأنظمة وفق سلوكياتها الواضحة في كثير من الملفات اتخاذ موقف للتخلص من ربقة هذا النظام ، أو إحداث ثغرة فيه ، أو خرق له ، بل تسعى هذه الأنظمة بكل طاقاتها للتقرب من الولايات المتحدة والتنسيق معها ، ويؤكد بعضها في كثير من المناسبات أنه مرتبط بتحالف استراتيجي معها .
وترتعد فرائص تلك الأنظمة من مجرد التفكير في إحداث ثغرة تقوض قيادة الولايات المتحدة ، وتخشى عقوباتها ، وتقوم باللازم بعد تحذيراتها الكلامية ؛ والخطب الرنانة والشعارات الطنانة التي يتفوه بها حكام تلك الأنظمة ما هي إلا لدغدغة العواطف والاستهلاك الشعبي غير الواعي .

هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن هذه الأنظمة لم تستطع أن تتمايز فيما بينها ، فبعضها أفرزته صناديق الانتخاب ، وبعضها الآخر أنظمة مستبدة ؛ ولا يوثق بأنظمة تصف نفسها بأنها حرة ثم تقر بأنظمة مجرمة متوحشة وتشاركها الحل للأزمات العالقة مع علمها أنها جزء أساسي منها ، فكيف تريد هذه الأنظمة مثلا مواجهة – حسب توصيفهم – الحروب الداخلية وبينهم من يغذيها ويشعل فتيلها ويؤجج أوارها تحت سمعهم وبصرهم ؟! وكيف تشارك – بفتح الراء – أنظمة في مجابهة التطرف الفكري وهي أنظمة طائفية مقيتة .
وسوى هذين المثالين عشرات الأمثلة التي تحتاج إلى أجوبة منطقية ملحة .

وحده الربيع العربي بموجتيه الأولى والثانية وخاصة نسخته السورية الذي استطاع أن يحدث ثغرة عميقة في جدار النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة ، ووضع الجميع أمام استحقاقات قيمية وسياسية ظهر أنهم غير قادرين على القيام بها .
وعلى جميع الثوار السياسيين في هذه البلدان أن يدركوا أهمية الترجمة السياسية لتضحياتهم ونضالاتهم ، دون الثقة بمخلفات وبقايا الدولة الوطنية المستبدة .
ولتسمح لنا جميع المنظمات والهيئات بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية وسواها مما هو على شاكلتها كقمة كوالالمبور بالقول :
إنكم وبكل تواضع وتقدير لمن يستحقه منكم لستم على مستوى المرحلة وهناك تغيرات بنيوية في المجتمعات لا تريدون دعمها ولا التفاعل معها ولا أخذها بعين الاعتبار .
والأجدر بكم أن تكونوا قادرين على التحلي بالجراة الأدبية والاعتراف بأنكم لا تستطيعون القيام بما يحقق إرادة الشعوب في التنمية والسيادة الحقيقة .
وهذه فلسطين بقدسها وغزتها ، ثم الصومال وأفغانستان والعراق ، ثم اليمن وليبيا تشهد بذلك ، أما سورية الثورة فقد كشفت ماذا يعني النظام الدولي وأظهرت كل الأنظمة الإقليمية وأحجامها .
فمن يحضر من هذه الأنظمة في مكان ما كمن يغيب ، ومن يغيب منها كمن يحضر ، والمهم ألا تغيب الشعوب عن قضاياها ، وان تزداد ثقة بأن المستقبل لنا رغم فيتو المجرم بوتين وصواريخه ، وأن تعمل بشكل دقيق ومهني على إفراز سياسي سيادي .
وحينها تبدأ حلحلة المشكلات العالقة والانطلاقة الحقيقية لكل القضايا المهمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى