مقالات

قانون سيزر (القيصر).. هل هو سيف من خشب؟

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

منذ ليلة الأربعاءـ الخميس 12/12/2019  حين أقر مجلس النواب الأمريكي قانون “سيزر” القيصر، ثار جدل كبير في أوساط السوريين المعارضين لحكم الأسد، والعديد من العرب المهتمين بالقضية السورية ، فمنهم من تفائل كثيراً ومنهم من أفصح عن تشاؤمه، ومنهم من أبدى عدم  اكتراثه له بدعوى أنّ أمريكا لن تفعل شيئاً يضرّ بالأسد، وهي التي دفعت روسيا للتدخل من أجل حمايته ونظامه من السقوط، فكيف لنا أن نصدّقها اليوم بعد أن سمحت لإيران وروسيا والميليشيات الشيعية بقتل أكثر من مليون مواطن سوري، وتهجير الملايين من بيوتهم وقراهم وبلداتهم ، بعد أن دمرتها بكل صنوف الأسلحة بما فيها المحرّمة دولياً وخاصة السلاح الكيماوي في أكثر من مكان ولعدّة مرات، رغم التهديدات الأمريكية والخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الأمريكي السابق (أوباما)، فما الذي تغيّر كي نصدّق أمريكا وهي التي دعمت الميليشيات الكردية بالسلاح في شمال سوريا وأقامت القواعد العسكرية هناك، وأمّنت الغطاء الجوي لتلك الميليشيات، ومنعت الطيران الروسي وطيران النظام من التحليق شرقي الفرات، فحققت منطقة حظر جوي لطالما طالب به الشعب السوري الثائر منذ نهاية 2011 ولكن طلبهم قوبل بالرفض يومها من قبل إدارة اوباما.

اليوم وبعد أن حظي قانون سيزر بموافقة مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة ( 86  صوتاً مقابل 8 أصوات )، سينتقل القانون إلى مكتب الرئيس الأمريكي ( ترامب ) للتوقيع عليه، ومن ثم يصبح نافذاً مع بداية عام 2020 .

وبما أنّه حظي بموافقة الكونغرس بمجلسيه، يمكننا الآن الحديث عن تفاصيل القانون ومضامينه وكلّ ما مرّ به هذا القانون من عقبات خلال السنوات الماضية، ومن كان وراءه دعماً ومتابعة إلى أن كتب له أن يرى النور بعد جهد دام خمس سنوات .

ما هو قانون سيزر:

هو قانون حماية المدنيين السوريين، ويعرّف نظام بشار الأسد على أنّه نظام يقوم بقتل المدنيين، وبالتالي يجب ملاحقة كل من شارك بالقتل كمجرم حرب، وهذا يشمل كلّ المسؤولين في النظام من وزراء وقادة عسكريين ومحافظين،كما يشمل رؤساء الفروع الأمنية ومدراء السجون ومدير مركز البحوث العلمية، بالإضافة إلى معاقبة جميع الدول التي تدعم النظام في المجالات العسكرية والاقتصادية واللوجستية، وكذلك الأفراد الذين يبرمون عقوداً مع النظام في مجال النفط والغاز أو توريد مواد البناء وقطع الغيار للجيش، وكلّ شخص يتعامل مع القوات التي تقاتل مع بشار الأسد.بالاضافة إلى الميليشيات الأجنبية التي تسانده كالحشد الشعبي العراقي والميليشيات الأفغانية وحزب الله اللبناني ومجموعة فاغنر الروسية وغيرها ممن غصّت بهم الساحة السورية من المرتزقة.

تكمن قوة القانون بأنّه يمنع رفع العقوبات عن النظام أو داعميه، وهو فوق إرادة الرئيس الأمريكي الحالي، أو الذي سيأتي إلى البيت الأبيض مستقبلاً،كما يفرض القانون على وزارة الخارجية أن تعمل وبشكل ضاغط على محاسبة نظام الأسد، ودعم كل الآليات لتنفيذ العقوبات والمحاسبة .

أمّا بخصوص إعادة الإعمار التي تجاهد من أجله كلّ من روسيا وإيران، فإنّ القانون يمنع أي طرف من المساهمة في إعادة الإعمار بوجود النظام، وسيتعرّض للعقوبة حتى ولو كان ذلك الطرف حليفاً للولايات المتحدة،.

الناشط (السوري ـ الفلسطيني) الأصل والأمريكي الجنسية (معاذ مصطفى)، والذي عمل منذ البداية مع فريق “سيزر” من أجل إنجاز هذا القانون، عبّر عن سعادته الشديدة بعد موافقة مجلس الشيوخ على القانون، واصفاً القانون بأنّه سيكون العمل الأهمّ الذي يمكن أن يقدّمه هو وفريقه لبلده سوريا وللشعب السوري، يذكر أنّه خريج العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة كينساس، وعمل في الكونغرس كمستشاراً للسياسة الخارجية ، وهو يعمل حالياً بصفة المدير التنفيذي لـ “مجموعة العمل للطوارئ في سوريا” التي تأسست عام 2011  في الولايات المتحدة ” Syrian Emergency Task Force “.

وعن المصاعب التي اعترضت القانون يقول ( معاذ مصطفى):” كانت إدارة اوباما ضدّ القانون، وقامت بعرقلته لمدة سنتين، إلى أن تم إقراره لأول مرة في مجلس النواب نوفمبر2016 ، وصادقت عليه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ سبتمبر2017 ، ولكنّه لم يفعّل حينها “.

وعن جدوى العقوبات وانعكاسها على السوريين في الداخل، أضاف :” صحيح أنّ العقوبات لوحدها لن تسقط النظام، وأن الشعب سيتأثر بها، ولكننا نعلم أيضاً أن الشعب يدفع الثمن حتى قبل العقوبات، ولكن في ظلّ العقوبات فإنّ التجّار الذين يساعدون النظام والمسؤولين وعائلاتهم سيتضرّرون أكثر”.

هناك من يقول بأنّ القانون تأخّر كثيراً، نعم لقد تأخّرولكن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي كما يقول المثل، وربما تأخيره أوهم العديد من الدول بأنّ أمريكا راضية عن الدور الروسي والإيراني، وهذا كشف الكثير من الدول وفضحها، من خلال سعيها لإعادة علاقاتها مع النظام، والمطالبة بعودته إلى المجتمع الدولي، ولكن ربما الحقيقة في مكان آخر، وربّ قائل أنّ أمريكا أرادت أن تزيد عدد الذين يطالهم قانون سيزر، وتركهم يتمادون في دعم النظام من أجل جمع أكبر عدد ممكن من الأدلّة ضدّهم ، ولعلّنا نتذكّر الناقلة الإيرانية “كريس1 “، التي أخلي سبيلها وتركها لتفرغ حمولتها من النفط في سوريا، وتمّت متابعتها حتى ميناء طرطوس، لتصبح وثيقة دامغة ستستخدمها أمريكا لاحقاً، ولن تستطيع إيران التملّص حينها.

وهناك الكثير من الأمثلة التي لا يتسع المقال لذكرها، ولكن على عجالة يمكننا ذكر الشركات الأوروبية التي قدّمت تجهيزات ألكترونية متطورة من أجل التجسس على وسائط التواصل، وكذلك العديد من الشركات الروسية والصينية التي قدّمت الخدمات الفنية والتجهيزات التقنية في مجال الغاز والنفط ، وقس على ذلك .

أخلص للقول بأن قانون سيزر” القيصر” ، ما هو إلّا سيفاً آخر تشهره الولايات المتحدة الأمريكية بوجه كلّ الدول التي تعارض مشيئتها، أو لا تقبل أن تدور في فلكها، ولكي يكون هذا السيف فاعلاً لابدّ من تجريم بشار الأسد ونظامه، وتقديمه للمحاكمة ، وإلّا سيكون سيفاً من خشب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى