مقالات

ابن عربي وكتابه الفصوص (11)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

عقيدة وحــــدة الـوجــــود(د)
جاء في كتاب الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (صـ 69)
الفصل الخامس: القول بوحدة الوجود
لما بدأ القول بالحلول، وجعل المتصوفة غايتهم من التصوف أن يتشبهوا بصفات الله في زعمهم فيكون أحدهم إلهًا يعلم كل شيء، ويتصرف في كل شيء فإن هذا الحال استمر بهم حتى وصلوا في النهاية إلى القول بوحدة الوجود، وأن كل شيء إنما هو الله وأن الله هو الذي في الكون وحده وليس هناك شيء آخر معه.
ومصطلح وحدة الوجود يعني في العقيدة الصوفية أنه ليس هناك موجود إلا الله فليس غيره في الكون، وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة، هي الحقيقة الإلهية (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا) ، هذه الحقيقة التي تنوعت مجوداتها ومظاهرها في هذا الكون المشاهد، وليس هذا الكون ـ في هذه العقيدة الباطلة ـ إلا الله في زعمهم، تعالى الله عن ذلك……….
ولكن القرن السادس الهجري شهد في أواخره، وبداية القرن الذي يليه رجلًا عجيبًا استطاع أن يصوغ هذه العقيدة صياغة كاملة، ويضرب لها آلاف الأمثلة، ويبني عليها فروعها المختلفة في الاعتقاد والتصور، ويؤلف فيها عشرات الكتب، ذلك الرجل هو محيي الدين بن عربي المتوفي سنة 638هـ
ـ نشأ هذا الرجل في الأندلس، واستقر به المقام في الشام، ورمي بالكفر والزندقة والإلحاد والكذب، ولكن عقيدته ومذهبه وجدت المشيعين والمروجين الذين استطاعوا أن يرفعوه ـ كما رفع نفسه ـ إلى مرتبة الولاية، بل إلى ختم الولاية ومرتبة المشيخة الكبرى وإحياء الدين.
وبالرغم من أن ابن عربي هذا قد زعم أنه نقل علمه وكتبه عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مباشرة، وكتب عن اللوح المحفوظ بلا وساطة، وصاغ عقيدة وحدة الوجود بكل جرأة وبلا مواربة، بل بقليل من التدليس والمراوغة، واستطاع أن يحرف آيات القرآن فيزعم أن قوم هود الكافرين كانوا على الصراط المستقيم، وأن فرعون كان مؤمنًا كامل الإيمان، وأن قوم نوح كانوا مؤمنين، فجازاهم الله بأن أغرقهم في بحار الوحدة، وأدخلهم نار الحب الإلهي ليتنعموا فيها، وأن هارون أخطأ لأنه نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل، وما كان العجل إلا المعبود الحق، أو صورة من صور المعبود الحق، وأن قوم نوح أصابوا في عدم تركهم ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا لأنها مظاهر للإله الواحد، وأن النار عذوبة لا عذاب، وأنه ما من إنسان إلا مرحوم مرضي عنه، وأن الله لا يعلم شيئًا قبل وجوده، لأن وجود الشيء هو وجود العلم، بل وجود كل شيء هو ترجمة لوجود الله (تعالى الله عن ذلك) أقول: بالرغم من أن ابن عربي قال هذا الكلام كله، بل هذا جزء يسير جدًا مما قاله، فإنه أدعى بأن كل ذلك قد نقله بلا زيادة ولا نقصان عن الرسول الذي أمره بتبليغ ذلك للناس، وبالرغم أيضًا من كل ذلك فقد وجد هذا الرجل من المروجين والأتباع ما لا يقع تحت الحصر منذ ظهوره إلى زماننا هذا، ومن أمة الإسلام الذين يشهدون في كل يوم مرات كثيرة بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا من أعجب العجب.
ويقول ملا علي القاري في كتابه الرد على القائلين بوحدة الوجود (صــ 45)
وَقد بَلغنِي أَن وَاحِدًا مِنْهُم سمع نباح كلب فَقَالَ لبيْك وَسجد لَهُ فَهَل هَذَا إِلَّا كفر صَرِيح لَيْسَ لَهُ تَأْوِيل صَحِيح مَعَ مناقضته لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن أحدكُم إِذا سمع نباح كلب أَو نهيق حمَار فليتعوذ فَإِنَّهُ رأى شَيْطَانا) فَهَؤُلَاءِ أضلّ من كل من تكلم فِي الْكَلَام.

وفي فضائح الصوفية (صـ 48)
وكذلك الشأن في الحلال والحرام فأهل وحدة الوجود في الصوفية لا شيء يحرم عندها لأن عين واحدة.. ولذلك كان منهم الزنادقة واللوطية، ومن يأتون الحمير جهاراً نهاراً. ومنهم من اعتقد أن الله قد اسقط عنه التكاليف وأحل له كل ما حرم على غيره.
وقال في فصل بيان ما هو من المقالات كفر: “كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة أحد غير الله، أو مع الله، فهي كفر، كمقالة الدهرية، وسائر فرق أصحاب الاثنين من الديصانية
(هم أصحاب ديصان القائلون بأصلين: النور والظلام، فالأول يصنع الخير قصدا واختيارا، والثاني يفعل الشر طبعا واضطرارا، ويزعمون أن سمع النور وبصره وسائر حواسه شيء واحد. فسمعه هو بصره، وبصره هو حواسه” (الملل والنحل 2 /89).
والمنانية1، وأشباههم من الصابئين2 والنصارى والمجوس3 والذين أشركوا
1- أصحاب ماني بن فاتك الذي ظهر في عهد سابور بن أزدشير. وضع دينا بين المجوسية والنصرانية، وزعم أن العالم مركب من أصلين قديمين نور وظلمة. الأول مصدر الخير، والثاني مصدر الشر. ويدين ماني بأن الظلام امتزج بالنور امتزاجا كليا في هذا الوجود، ولا يمكن أن ينفصل النور عن الظلام إلا بعد أن يفنى هذا العالم، ولهذا حرم الزواج على أتباعه حتى يبيد النوع الإنساني، فيستطيع النور الخلاص من الظلام، ولهذا قتله الملك. ودعوة ماني ذات نزعة تشاؤمية سوداء، شديدة الغلو في الحث على الزهد والحرمان.
2- اختلف في شأن الصابئة. فالمسعودي يرى أنهم عبدة الكواكب، فيقول في المروج, وهو بصدد الحديث عن أحد ملوك الفرس: “وظهر في سنة من ملكه رجل يقال له: بوداسف أحدث مذهب الصابئة، وقال: إن مجالي الشرف الكامل، والصلاح الشامل. ومعدن الحياة في هذا السقف المرفوع “يعني السماء” وأن الكواكب هي المدبرات والواردات والصادرات” (مروج الذهب 1 /222)
ويقول عنهم الحميري في (الحور العين صـ141) “وقال الصابئون: شيئان قديمان: نور وظلام, فالنور عالم, والظلام جاهل. وقيل: إن الصابئين قوم يعبدون الملائكة. وقيل إن الصابئين قوم يخرجون من دين إلى دين”.
ويقول الرازي في (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين صـ90): “إنهم قوم يقولون: إن مدبر هذا العالم وخالقه هذه الكواكب السبعة والنجوم، فهم عبدة الكواكب” ويقول الشهرستاني في الملل والنحل “ذكرنا أن الصبوة في مقابل الحنفية. وفي اللغة: صبا الرجل إذا مال وزاغ، فبحكم ميل هؤلاء “يعني الصابئة” على سنن الحق، وزيغهم عن نهج الأنبياء، قيل لهم: الصابئة، وإنما مدار مذهبهم على التعصب للروحانيين”.
ويقول في موضع آخر: “ومنهم -أي: من الناس- من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والأحكام، ولا يقول بالشريعة والإسلام، وهم الصابئة” وانظر (القرطبي 1/ 380، وابن خلدون 1 /116)
3- هم الثنويون من الفرس الذين يثبتون أصلين مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر. (انظر الملل والنحل للشهرستاني 2 /59 ط صبيح، الحور العين للحميري صـ142، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي صـ86).
زعموا أن ظواهر الشريعة وأكثر ما جاءت به الرسل من الأخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار، ليس منها شيء على مقتضى لفظها، ومفهوم خطابها، وإنما خاطبوا بها الخلق على جهة المصلحة، إذ لم يمكنهم التصريح لقصور أفهامهم؛ فمضمون مقالاتهم إبطال الشرائع، وتعطيل الأوامر والنواهي، وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به. وكذلك نكفر من ذهب مذهب بعض القدماء في أن في كل جنس من الحيوان نذيراً ونبياً من القردة والخنازير والدواب والدود [ويحتج بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [النور: 35] إذ ذلك يؤدي إلى أن توصف أنبياء هذه الأجناس بصفاتهم المذمومة، وفيه من الإزراء على هذا المنصب المنيف ما فيه، مع إجماع المسلمين على خلافه، وتكذيب قائله” ا. هـ.
فكيف بمن يدعي أن الإله عين كل شيء من ذلك؟.
“وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب, أو خص حديثاً مجمعا على نقله، مقطوعاً به، مجمعاً على حمله على ظاهره، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم؛ ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو توقف فيهم أو شك, أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده, واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك”. ا. هـ.

وقال شيخ الإسلام الشيخ محيي الدين النووي الشافعي: في كتاب الردة من الروضة (7/284).
قال المتولى: “من اعتقد قدم العالم، أو حدوث الصانع -إلى أن قال- أو أثبت له الانفصال، أو الاتصال، كان كافراً” ا. هـ.
فكيف بمن يصرح بأنه عين كل شيء؟ قال: “والرضى بالكفر كفر”. قلت: فكيف بمن يصوب كل كفر، وينسب ذلك التصويب إلى نقل الله تعالى له عن نبيه هود عليه السلام؟
قال النووي في الباب الثاني في أحكام الردة:
“إن حكمها إهدار دم المرتد، فيجب قتله إن لم يتب، سواء كان الكفر الذي ارتد إليه كفرا ظاهرا، أو غيره ككفر الباطنية” ا. هـ.
وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري في مختصر الروضة: “فمن اعتقد قدم العالم -إلى أن قال- أو شك في تكفير اليهود والنصارى، وطائفة ابن عربي؛ كفر، لا إن جعل لقرب إسلامه أو بعده عن المسلمين”. ا. هـ.
الشطح :
(إحياء علوم الدين 1/ 36)
وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية
أحدهما: الدعاوي الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب فيقولون قيل لنا كذا وقلنا كذا ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس ويستشهدون بقوله أنا الحق وبما حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال سبحاني سبحاني وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوي فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ فيه البطالة من الأعمال، مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال، فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم، ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة، ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا هذا إنكار مصدره العلم والجدال، والعلم حجاب، والجدل عمل النفس، وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق؛ فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره ، وعظم في العوام ضرره، حتى من نطق بشيءٍ منه: فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة.
وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه كما لو سمع وهو يقول {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية
الصنف الثاني: من الشطح كلمات غير مفهومة، لها ظواهر رائقة وفيها عبارات هائلة، وليس وراءها طائل، إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها، بل يصدرها عن خبط في عقله، وتشويش في خياله، لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه، وهذا هو الأكثر.
وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها، وإيرادها بعبارة تدل على ضميره، لقلة ممارسته للعلم، وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة، ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام، إلا أنه يشوش القلوب، ويدهش العقول، ويحير الأذهان، أو يحمل على أن يفهم منها معاني ما أريدت بها، ويكون فهم كل واحدٍ على مقتضى هواه وطبعه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم ما حدث أحدكم قوماً بحديث لا يفقهونه إلا كان فتنة عليهم (حديث ما حدث أحدكم قوماً بحديث لا يفهمونه إلا كان فتنة عليهم رواه العقيلي في الضعفاء وابن السني وأبو نعيم في الرياء من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف ولمسلم في مقدمة صحيحه موقوفا على ابن مسعود) وقال صلى الله عليه وسلم كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب الله ورسوله (حديث كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون الحديث رواه البخاري موقوفا على علي ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم) وهذا فيما يفهمه صاحبه، ولا يبلغه عقل المستمع، فكيف فيما لا يفهمه قائله؟؟
فإن كان يفهمه القائل دون المستمع فلا يحل ذكره.
وقد نقلنا ما قاله حجة الإسلام الغزالي عن الطامات من إحياء علوم الدين 1/ 37 في الحلقة رقم 5
وفي الإحياء أيضاً 1/ 100
فمن قال إن الحقيقة تخالف الشريعة أو الباطن يناقض الظاهر فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان
وقد سبق ونقالنا ما قاله حجة الإسلام الغزالي في مشكاة الأنوار في الحلقة 5

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى