مقالات

أنت..

أحمد الياسين

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

هنا أنت لا تفقد شهيّتك للطعام أو الشراب
إنّك تفقد غريزة حبّ البقاء وتتملّكك رغبة بالتشيّؤ فأن تصبح شيئا تكون قد امتلكت حيوات لا تعدّ ولا تحصى
أنت لا تحلم باستعادة الدولة لأنّها لم تكن موجودة أصلا لكنّك تحلم بعودة الاستعمار الذي صنع لك دولة أكبر بكثير من وعيك ومن طواطمك وتابواتك فليست اتفاقيّة سايكس بيكو إلّا فائضا حضاريّا لأنّها منحتك حدودا لدولتك الوطنيّة التي لم تستطع الحفاظ عليها وأنت تعبر الحدود إلى خرافات القوميّة والأمميّة
ولعلّك في لحظة وعي منفصل عن شروط تشكّله تسخر من سلمك الاهليّ المشغول من شعارات وخطب رنّانة تفضحها رائحة الولاءات والرهانات والمجاملات لتكتشف أنّ شعبك أكثر من شعب وأنّ الجغرافيا هي وحدها التي تجمعك بالآخرين
وهناك في اماكن بعيدة وقريبة تجتمع المجالس وتقام المؤتمرات لتصبح الهويّة الدينيّة والإثنيّة هي الغاية ليغيب اسم سوريا الوطن ويحلّ مكانه اسم سوريا الجغرافيا ليصبح الوطن فندقا من الدرجة الخامسة يقطنه مواطنون ممثّلوهم يناقشون انتماء مواطنيهم في فندق من الدرجة الأولى
انت تغرق احيانا في مفردات الأكثريّة القليلة والأقلّية الكثيرة لكنّك تكتشف أنّ هذا المصطلح انت والآخر من ضحاياه وأنّ الأقلّية هي الفئة المستبدّة المشغولة من كلّ الإثنيات والطوائف والمذاهب أمّا الأكثريّة فهي من طائفة واحدة إنّها طائفة المقهورين من ابناء شعبنا مسيحيين ومسلمين
أنت ايضا تحاول البحث عن انتماء فلا اليمين اشتهاك ولا اليسار احتواك
وبالمناسبة اليسار المسفيت ليس أقلّ خطرا من اليسار المتبعثن المتأيرن المتبوتن في اجتماعه الثالث عشر
كانوا يهمسون بأنّ دولة الولي الفقيه هي ذاتها دولة البروليتاريا ولم يكن ذلك خارج سياق صيرورة هذا اليسار التاريخيّة فمنذ انقسامه إلى خمس فرق ضالّة كان يذوب بالوحل في الوقت الذي كان فيه فرج الله الحلو يذوب بالأسيد لأنّه لا يشبههم ولأنّ هذا اليسار العفن لا يشبهه
غيرهم ليس أحسن منهم
لعلّك لن تستطيع تبرير الزواج بين السلطة المستبدّة ومؤسّساتها الدينيّة ولن يخفى عليك ما يحدث من تبادل المنفعة على طريقة البغال (حكلي تا احكلك )
وأنت أمام كلّ هذا الخراب تدرك أنّ دولتك التي تحلم بها لن تكون إلّا بهدم شامل وكامل لكلّ ما انتجته قرون من التخلّف الذي توّج بسلطة البعث المافيوي المتفسّخ العفن وما انتجه من خراب إضافيّ ومركّب وعنف تصنعه طائراته وهي تقصف جزءا من سوريّتك في شمالك الصابر الآن وفي هذه اللحظة التي يبتسم فيها الدّبيكة البعثيون التائبون وغير التائبين
فحاول ان تقاوم مايريدونه منك هو الاستسلام فقاوم وقاوم وقاوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى