مقالات

محمد عمارة في ذكرى ميلاده!

محمود القاعود

كاتب واديب مصري.
عرض مقالات الكاتب

في 8 ديسمبر 1931م ولد أستاذنا الدكتور محمد عمارة
داعية الإسلام وحارس تعاليمه.
تحدث الدكتور محمد عمارة، راداً في حديثه الفضل لأهله؛ كأبيه الذي نذره للعلم والذي تصدى لمحاولة تفلته من التعليم إلى الفلاحة؛ حيث جعل الفلاحة عليه أشق من تلك المشقة التي كان يعانيها في مرحلة الكتاب الأولى.
وقال:” فجاءت الفتوح الإلهية حين انتقلت إلى كتاب آخر عند الشيخ محمد الجندي وكان شيخاً سمحا بشوشا لطيفا، بمجرد أن انتقلت إلى هذا الكتاب بدأت في الإقبال على
العلم والتحصيل وحفظ القرآن الكريم”.

نشأة محمد عمارة:

وأضاف د. عمارة: ” والشيخ محمد الجندي هو أول من أثر في حياتي من المعلمين والمؤدبين، فحين التحقت بمعهد دسوق الديني شجعني على اعتلاء المنبر وعمل على كسر
هيبته في نفسي.
أما الشيخ محمد كامل الفقي أستاذ علم النحو فكان يدخل علينا الفصل أنيقا حسن الثياب يحمل في يده جريدة المصري وكان يشجعنا على القراءة وشراء الكتب ويقول: من يستطع شراء كتاب خارجي فليشتر كتاب النظرات للمنفلوطي ليتعلم صنعة البيان والأدب، فكان أول كتاب أبتاعه هو كتاب النظرات.
هذه الواقعة التي لا أنساها لفتت نظري إلى ضرورة الاطلاع الخارجي والثقافة المتجددة مع استيعاب القديم وحسن فهمه، وكان في قريتي عالم كثير الإطلاع محب لشراء الكتب
واقتنائها هو الشيخ عبد التواب الشناوي خريج أصول الدين رحمه الله.. شاء الله أن يتوفى هذا العالم في عام تخرجي ولم يكن في أسرته أحد يعرف القراءة فأنعم الله علي
بشراء مكتبته وبها 4000 كتاب، فمكثت أقرأ هذه المكتبة من دون كلل أو ملل”.
وأوضح د. عمارة أن الله أكرمه في فترة تكوينه بالمشاهدات الروحية منها: أنه كان يُعاني من لدغة في الراء فينطقها (غ ) فكان يناجي ربه ويتضرع إليه بحرارة تالياً قول الله عز وجل : “رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي”
فكان من ثمار هذه الضراعة أن أكرمه الله بليلة القدر واستجاب الله دعاءه وفصح لسانه وتم بيانه.

محمد عمارة والوظيفة:

وتحدث عن رحلته مع الوظائف فقال: ” تفرغت للعمل الفكري بل أكاد أقول إنني دعوت الله ألا أكون موظفا، ورفضت إغراءات التدريس بالجامعات العربية، وعشت حياة بسيطة امتلكت فيها كل وقتي للعمل العلمي، ولم أعبأ بالوظائف ومال الوظائف حتى أنني الآن وقد تجاوزت الثمانين معاشي أقل من الحد الأدني للأجور في مصر.. ولكنني أظن وأحسب أنني الوحيد الذي يعيش من دخل كتبه!!
ولقد وفقني الله سبحانه وتعالى أن أرد جميل القرية التي نشأت فيها فهداني إلى إقامة خمس معاهد أزهرية مع مسجد ووحدة صحية ودار مناسبات على مساحة فدانين”.

محمد عمارة والشيخ الغزالي:

وعن الأثر العميق لعلاقته الوثيقة بالشيخ محمد الغزالي قال:” لقد كان الشيخ الغزالي رحمه الله يرى في كتاباتي شبهاً كبيراً بكتابات العقاد، كما كان يرى أنني الفارس الخليق بحمل أمانة الدعوة إلى الإسلام وحراسة تعاليمه.. كتب هذا صراحة حين أهداني آخر كتبه ” نحو تفسير موضوعي للقرآن الكريم ” .. إذ كتب في الإهداء: إلى أخي الحبيب.. داعية الإسلام وحارس تعاليمه .. الدكتور محمد عمارة .. مع الدعوات .. محمد الغزالي”.
لقد حملتني كلمات هذا الإهداء أمانة شعرت ـ ولا أزال أشعر ـ بخطرها وثقلها، ومما زاد هذا الإحساس وهذا الشعور بعظم الأمانة التي حملني إياها الشيخ الغزالي ما حدث
من الشيخ الشعراوي رحمه الله إذ بعد وفاة الشيخ الغزالي، اختار الله إلى جواره شيخ الجامع الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق عام 1996م، فذهبت للعزاء بالسرادق
المقام بميدان الإمام الحسين، ورأيت الشيخ محمد متولي الشعراوي( توفى 1998م )، جالسافي نهاية المستقبلين للمعزين، فلما رآني نهض مسرعا متكئاً على عصاه واحتضنني وأخذ يقبلني منخرطا في تكرار هذا الدعاء : ” ربنا يجعل فيك العوض ” ثلاث مرات.
ساعتئذ جلست بين المعزين، وعقلي وقلبي وكل مشاعري وأحاسيسي تستمع خاشعة إلى آيات الذكر الحكيم، مع التفكير العميق، في هذا الحمل الثقيل الذي ذكرتني به دعوات الشيخ الشعراوي في آخر لقاء يجمعنا.
حينئذ انخرط كياني كله بالدعاء الصامت والضارع إلى الله سبحانه وتعالى أن يعينني على تبعات وأعباء المرابطة على ثغور هذا الدين العظيم، وفاء بعهد الله وعهد رسوله
صلى الله عليه وسلم ، وعهد هؤلاء العلماء العدول.
وكان مما دعوت :” اللهم أيدنا بالحق، وأيد الحق بنا، اللهم اغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك، اللهم أعني على الدين بالعصمة والطاعة ، وأعني على الدنيا بالرضا والقناعة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى