مقالات

سفر الحوالي.. من المرابع للسجون – الحلقة الرابعة

سلطان العبدلي

مؤرخ حجازي
عرض مقالات الكاتب

ويأبى الله إلا أنْ يكون الشيخ المفكر سفر بن عبدالرحمن الحوالي عالميا وطريقته في التعاطي مع الأحداث تختلف عمن سواه، فدونكم مواقفه منذ زمن الصحوة الجميل تجده يغرد خرج السرب ولكن ليس التغريد المضاد له له بل المتساوق معه ولكن خروجه عن السرب فلسفةٌ خاصةٌ به وحده فهو يتخذ مواقف كبرى وربما فيها حتفه ولايريد لأحد أن يتضرر بسببه وكان لما كان في عمله ومكتبه ومن يعمل معه لايُحَمِّلُهم أية مسؤولية قط بل يتحمل كل عبءٍ وسفر الحوالي رجلٌ بكل معاني الرجولة وسنبوح بكثير من مواقفه ومراجله لكن ليس الآن ، المهم أن نايف يتصل به وهو من هو جبروتاً وغباءً استبدادياً ويقول له :يا شيخ سفر سأضرب بيد من حديد..

وهو يتبختر قوةً وهيلماناً وسفر ذاك الجسم النحيل الذي ملأه الله رجولةً وشجاعةً  وقد أعيا من حاول إسقاطه والنيل منه كما أفلحوا مع غيره فيجيب سفر وزير الداخلية العتيد نايف وكان متغطرساً ولكن حَسْبُ سفر أن يمرغ جبروته بالرغام ويقول له: يدُ اللهِ فوق يدِك. فيكرر نايف: سنضرب بيد من حديد. فيعيد سفر :يد الله فوق يدك.

هنا وفي مواقف كهذه يتضاءل حجم الطغاة  وفيما بينهم وبين أنفسهم يعلمون حقاً من الرجل ومن الثابت على المنهج ومن المترهل عزيمةً ومنهجاً ومن يقول إن آل سعود لايعرفون الرجال والكبار فهو مخطئ ، ومن يزعم حتى أن المباحث السعودية لاتعرف من هو جادٌّ في الطريق ليس همه المال والشهرة والجاه واهمٌ ، لايعرف مدى حذاقة القوم الخبيثة في تقييم الرجال  ودراسة أحوالهم وفي النهاية عرفوا كيف يتخلصوا من سفر ولهذا مبحث سيأتي أوانه..

خذ مثلا هاتين القصتين وبإعمال الذهن والواقع تدرك مدى حقيقة معاناة القوم من الشيخ في محفل عرس كبير في الرياض  ..عفوا بل سأعطيك حكايات ثلاث عن الشيخ ونظرة آل سعود للصحويين أو قل لمشايخ الصحوة أو لعموم المشايخ في البلاد..

في محفل العرس الكبير في مدينة الرياض وقد دُعي جمعٌ كبيرٌ من مشايخ وعلماء ومثقفين وكان أحد المدعويين المالك الضال الحالي/سلمان بن عبدالعزيز ، فدخلوا – وهذا أمر طبيعي- مشاهير المشايخ وسلمان ينظر لهم واحدا عقب الآخر وقد ارتدوا “البشوت” وهي العباءات المزوقة بــ”الزَّرِي” وهو القصب الفاخر من مشايخ الصحوة والوعاظ والدعاة وهذا أمر عادي لانكير  بل من الزينة المحمودة الجميلة ولكن لما دخل سفر الحوالي وعلى عادته دخل مجردا من البشت والمشلح ولكنه ملء عزة وكرامة وشموخا وإباءً وهنا يميل قليلا سلمان بن عبدالعزيز لمدير مكتبه في الإمارة -وكان وقتها أميراً على الرياض- : هذا الشيخ الصِّدْقِي.

وصدق وهو خؤون كذوب .فمثل عيار هؤلاء الكبار الذين امتلكوا ومنَّ الله عليهم بقوة الشكيمة وفولاذية قلوبهم شأنهم عزيز ،ومنهجهم صوب أعينهم “لو نؤثرك على ماجاءنا من البينات والذي فطرنا ، فاقض ما أنت قاضٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا” نعم هؤلاء الأكابر قليل وجودهم وعزيز في هذه الأزمان أن نجد في عيارهم من يكون منهم بين ظهرانينا وهذه من النعم الجُلَّى والرحمات أن نشاهدهم حتى نوقن أن هذه الأمة لاينقطع خيرها أبداً ..

               ولم تزل أمتي كالغيث أوله

                           خيرٌ، وآخره بالخير ينسجمُ

وكم قرأنا في التأريخ  وكم رأينا من أمم مرت ولاتكاد تجد من يقوم جهارا نهارا بأمر الله وكلمة العدل والصدق وهنا تأتي أحداث سبتمر التاسع من أيلول أو ما اصطلح عليها باسم

 11/09فهاج النار وماجوا وثاروا وكتبوا أنهم ضد العمليات الإرهابية ليبعدوا عن أنفسهم الشبهة وهذا حق مشروع لكل أحد أنْ يعبر عن رأيه أوْ اجتهاده ويتحمل تبعة موقفه بيد أن الشيخ ذهب مذهبا بعيدا نادرا وقد اشتط في موقفه بنظر الجبناء، فراح مخاطبا الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ذاك الأنوك الذي دمر العراق وأفغانستان وابتدره قائلاً:” أيها الرئيس:

أكتب لكم هذه الرسالة آملاً أن توضع في الاعتبار، بغض النظر عن دين كاتبها ولون بشرته وموقعه من تصنيفكم الجديد لبني آدم بين متحضر موافق لكم في كل ما ترون وهمجي لا يكون كذلك.

فهذه الرسالة من نوع قد يكون غريباً عليكم، فأنا أكتب إليك بصفتي وارثاً من ورثة الأنبياء الكرام، وقد علمنا الأنبياء أن نخاطب المستكبرين في الأرض لعلهم يتذكرون أو يخشون رب العالمين؛ هكذا خاطب موسى عليه السلام فرعون وهامان وقارون، وخاطب عيسى عليه السلام والي الرومان ورئيس كهنة اليهود، وخاطب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا جهل في مكة وهرقل وكسرى، وليس من شرط ذلك أن يستجيب المخاطب أو أن يسمع، لكنه إبلاغ لرسالة الله وإعذار إليه.” ومضى الشيخ في رسالته لبوش الابن ورجع الشيخ كثيرا لتأريخ الرومان والبرابرة وكيف أنَّ أمريكا أحلَّتْ نفسها مكان الرومانية التي كان فيها الفرد يمتلك حرية فردية وكيف أن أمريكا تحاول أنْ تكون كالرومان الديمقراطيين ثم بين وقال أنه من أمة مستضعفة كما كان أتباع المسيح عليه السلام فقال:” أكتب إليك وأنا فرد من أمة مستضعفة مضطهدة في مثل الحال التي كان عليها عيسى عليه السلام حين كان يتعرض لعدوان اليهود من جهة والرومان من جهة أخرى” ثم يمضي ويأسف أن الولايات المتحدة الي أسسها المهاجرون المضطهدون أن تحل محل الرومان الذين اضطهدوا المسيح في مقاربة لن يفهمها بوش بالطبع إذْ كانت هزيمته حينذاك متأرجحة ونَفَسُهُ موتور ثم يذكره بقيمنا نحن المسلمين والعدل الذي ندعو إليه:” أيها الرئيس…
نحن المسلمين أمة عدل، وفي الوقت نفسه تأبى علينا أخلاقنا أن نشمت بمنكوب،”

وشرق الشيخ وغرب بوش في قضايا تأريخية وعرَّج به على حروب أمريكا ” النظيفة ” التي  لم تنظف هيروشيما وناجازاكي بما يرجو معها أنْ تكون تستدركه في أفغانستان وكلام مهم طويل عريض حول الحدث ثم اختتم رسالته بهذه الكلمات والتي سنختتم بها هذا المقال

” أيها الرئيس…
أنصحكم وأخوفكم بالله أن تقفوا وتَكُفّوا عن العدوان، وتتعاملوا مع القضية بعدل وأناة، وسوف تجدوننا معكم بلا تحفظ.
إن عودتكم الآن وأنتم في أول الطريق أسهل عليكم وأفضل للعالم، وإلا فإن البدايات السهلة غالباً ما تستتبع نهايات بالغة الصعوبة، ولذلك أرجو أن تفكر أيها الرئيس فيما لو دمرت كل بلد تصنفه في قائمة الإرهاب، هل ستكون هذه هي النهاية أم أنها البداية، اللهم إلا إذا كنت تريد أن تدخل التاريخ من باب آرمجدون الملعونة!! فحينئذٍ لن يكون هناك تاريخ أصلاً.
ولهذا أكرر لك النصيحة وأقول: اتق الله وفكر جيداً. والسلام على من اتبع الهدى.

                                       وكتبه
                                               ” سفر بن عبد الرحمن الحوالي

بمثل هذا النفس يكون خطاب العالم لأمته وطغاتها ومتجبريها

بل وسادة العبيد الذين يحكمون عالمنا الإسلامي ولم أنس الموقفين الذين وعدت بهما ولكن فيالحلقة الخامسة سأذكره عن الشيخ سفر الحوالي وأحداث أخرى ساخنة وهامة كانت محل لغط وتهجم غير مبرر على فضيلته والله وحده هو المجازي والمافئ وعند الله تجتمع الخصوم وهناك يُقْضى بيننا ويُفاصَلُ إذْ ماهذه الحياة إلا ممر عابر وطريق زائلة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى