منوعات

كتاب موت الغرب لباتريك جيه بوكانن

عرض د. ياسين الحمد

   من خلال الفهم العميق وتدريس مناهج تاريخ الأفكار الاقتصادية للأنظمة الاقتصادية المختلفة وخاصة تشكل النظام الرأسمالي منذ بداية عصر النهضة ولتاريخ اليوم، وأيضا تدريس منهاج السكان والتنمية الاقتصادية، لخصت جوهر كتاب مهم مع كثير من الإضافات والتوضيحات            

                   موت الغرب

*‏كتاب للمؤلف الأمريكي * ” باتريك جيه بوكانن”… الكاتب ، فهو سياسي ومفكر أمريكي معروف، عمل في منصب مستشار لثلاثة رؤساء أميركيين …

والمؤلف في هذا الكتاب يتوقع فيه موت وانتهاء الغرب وينبه إلى أن الموت الذي يلوح في أفق الغرب هو في الواقع ثلاث حالات موت تواجه الغرب:

1) موت أخلاقي بسبب السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيَم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية. واستند النظام الرأسمالي منذ نشوئه على الفردية والنفعية والمادية.

2) موت ديموغرافي وبيولوجي (النقص السكاني بالموت الطبيعي). بسبب تأثر الغرب الرأسمالي نظرية مالتوس التشاؤمية وهو أحد مؤسسي فكر النظام الرأسمالي. على أن المشكلة سكانية بسبب التزايد السكاني بسلسلة هندسيه أم الموارد في الطبيعة تتزايد بسلسلة حسابية. ولذلك طالب بتحديد النسل، وطالب الفقراء بالعفة وعدم الزواج والإنجاب، وبرر الحروب والمجاعات …. الخ 

3) ‏انهيار منظومة النظريات التي قام عليها النظام الرأسمالي الغربي في التبادل غير المتكافئ في العلاقات الدولية ، سواء نظرية مؤسس علم الاقتصاد آدم سميث حول نظرية المزايا النسبية وأيضا ريكارو الذي تطور نظرية آدم سميث ، وفق نظرية المزايا المطلقة بحيث فرضوا على العالم أن يتخصص في إنتاج السلع والموارد التي تخدم تطور وتقدم الاقتصاد الرأسمالي ، ومؤسسي الفكر الرأسمالي آدم سميث بنظريته المزايا النسبية وريكاردو المزايا المطلقة بالعلاقات الاقتصادية الدولية ، دعوا أوروبا للاستعمار والاحتلال ،بحيث يحتكر الغرب الصناعات ذات القيمة المضافة العالية ، وهذا ما برر احتلال مصر والسودان والهند وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بإنتاج مواد رخيصة للاقتصاد الرأسمالي . وأمام نهوض وتقدم كثير من البلدان (الصين. الهند، البرازيل تركيا. النمور السبع في جنوب شرق آسيا. …الخ) وأخذت مساهمتها تتحسن في العلاقات الاقتصادية الدولية ومكانتها الاقتصادية الدولية. 

ويظهر بوضوح في العائلة وفي السجلات الحكومية التي تشير إلى اضمحلال القوى البشرية في الغرب وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة – لا شفاء منها إلا باستقدام المزيد من المهاجرين الشبان (كثير من المدن كانت في عداد المدن الميتة، لقد أحياها المهاجرين.)  أو بالقيام بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية إلى مكانتها التي كانت من قبل.

ويقول الكاتب أن الموت المقبل مريع ومخيف، لأنه وباء ومرض من صنع أيدينا ومن صناعة أفكارنا وليس بسبب خارجي مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر …!

بالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب مما يحوّل الغرب عموماً وأوروبا بشكل خاص إلى “قارة للعجائز”.!

القصة ليست مجرد تخمينات أو توقعات أو احتمالات، إنما هي حقيقة واقعة وسوف تصدمك لشدة وضوحها خاصة عندما تبدأ الأرقام بالحديث …!

فوفقاً للإحصاءات الحديثة، هبط (معدل الخصوبة) عند المرأة الأوروبية إلى (1 طفل) لكل امرأة علما أن الحاجة تدعو إلى معدل (2 طفل) كحد أدنى لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن – دون الحديث عن زيادة عددهم.. وإذا بقيت معدلات الخصوبة الحالية على ما هو عليه، فإن سكان أوروبا البالغ عددهم 728 مليون نسمة بحسب إحصاء عام 2000 مليون سيتقلصون إلى 207 ملايين في نهاية هذا القرن إلى أقل من الثلث.

وفي المقابل، ففي الوقت الذي تموت فيه أوروبا لنقص المواليد، يشهد العالم الثالث الهند والصين ودول أمريكا اللاتينية (وخاصة المسلمين) انفجارا سكانياً لم يسبق له مثيل بمعدل 80 مليونا كل عام …!

ومع حلول عام 2050م، سيبلغ مجمل نموهم السكاني 4 مليارات إضافية (4 مليارات إضافية من البشر) …!

وهذا يصبح كابوس الغرب حقيقة وتصبح أوروبا بكل بساطة ملكاً لهؤلاء بعد وقت ليس بالبعيد …! ويقول المؤلف أن الأرقام تصبح مخيفة أكثر عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكاني على مستوى الدول والأمم بعد 50 عاماً من الآن …!

ففي ألمانيا، سيهبط التعداد السكاني من 82 مليونا إلى 59 مليون نسمة، ويشكل عدد المسنين ممن تجاوزوا الـ 65 عاماً أكثر من ثلث السكان …!

أما إيطاليا، فستشهد تقلص عدد سكانها البالغ 57 مليونا إلى 41 مليونا وستصبح نسبة المسنين 40 % من التعداد العام للسكان. وفي إسبانيا، ستكون نسبة الهبوط 25 %. وستشهد روسيا تناقص قواها البشرية من 147 مليونا إلى 114 مليون نسمة.

ولا تتخلف اليابان كثيرا في اللحاق بمسيرة الموت السكاني. فقد هبط معدل المواليد في اليابان إلى النصف مقارنة بعام 1950، وينتظر اليابانيون تناقص أعدادهم من 127 مليون نسمة إلى 104 ملايين عام 2050م.

أرقام مخيفة، لكن السؤال المحيّر:

– لماذا توقفت أمم أوروبا وشعوبها عن إنجاب الأطفال وبدأت تتقبل فكرة اختفائها عن هذه الأرض بمثل هذه اللامبالاة ؟!

يقول المؤلف: إن الجواب يكمن في النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة في الغرب والموت الأخلاقي الذي جرته هذه الثقافة على الغربيين هو الذي صنع موتهم البيولوجي.

 فانهيار القيمة الأساسية الأولى في المجتمع (وهي الأسرة) وانحسار الأعراف الأخلاقية الدينية التي كانت فيما مضى تشكل سدا في وجه منع الحمل والإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية إضافة إلى تبرير لا بل تشجيع العلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس الواحد، كل هذا دمر بشكل تدريجي الخلية المركزية للمجتمع وأساس استمراره ألا وهي الأسرة.

وتبدو لغة الأرقام هنا أكثر هولا. فقد ارتفع الرقم السنوي لعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة من ستة آلاف حالة سنوياً عام 1966 إلى 600 ألف عام 1976 بعد أن سمح بالإجهاض. واعتبرت عملية قتل الأجنة حقاً للمرأة يحميه الدستور. وبعد عشر سنوات، ووصل الرقم إلى مليون ونصف حالة إجهاض في العام الواحد.

 أما نسبة الأطفال غير الشرعيين، فهي تبلغ اليوم 25 في المائة من العدد الإجمالي للأطفال الأميركيين ويعيش ثلث أطفال أمريكا في منازل دون أحد الأبوين (إما بدون الأب وهو الغالب وإما بدون الأم).

 ومؤشر آخر خطير …! فقد بلغ عدد حالات الانتحار بين المراهقين الأمريكيين ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1960.

 أما عدد مدمني المخدرات (المدمنين وليس المتعاطين) فقد بلغ أكثر من ستة ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها! وقد تناقص كثيرا أعداد الشبان والشابات الراغبين في الزواج.

ومن الطبيعي لمجتمع يسمح بالحرية الجنسية الكاملة ويتيح المساكنة بين الرجل والمرأة دون أيّ رابط شرعي أو قانوني في بيت واحد، وخوف الرجل من قانون الأحوال الشخصية الظالم حين تأخذ الزوجة نصف ثروته في حالة الطلاق واضطرار المرأة للقبول بالمساكنة بدون زواج بسبب حاجتها إلى رجل يقف معها ويحميها ناهيك عن الحاجة البيولوجية، أن يصل لهكذا نهاية.

 أما قضية الشذوذ الجنسي وقانون الزواج بين أبناء الجنس الواحد، فحدث ولا حرج حيث بلغت حداً لم يكن ممكنا مجرد تخيله في السابق …!

وكانت هيلاري كلينتون المتعجرفة أول سيدة أولى في البيت الأبيض تمشي في تظاهرة لـ (مثليين) لإبداء تعاطفها مع قضيتهم ومطالبهم المشروعة!

بالإضافة للتغيرات في بنية التجارة الدولية وظهور دول عديدة تحقق معدلات تنمية مرتفعة، وأصبحت

 وأخيرا، يخلص المؤلف للقول إن هذه هي إحصاءات مجتمع منحط وحضارة تحتضر وتموت، وأن بلداً مثل هذا لا يمكن أن يكون حراً.. فلا وجود للحرية دون فضيلة ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى