مقالات

“اللوبي الكردي”.. وحلم “إسرائيل الكبرى”

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918  ، بدأت ملامح المسألة الكردية بالظهور تباعاً، على شكل تمرّد في كلّ من تركيا وإيران والعراق، وفي فترات زمنية متباعدة، كانت تنتهي معظمها بالفشل، مثل تمرّد (ديرسيم) في تركيا الذي استطاع أتاتورك القضاء عليه 1937 ، وجمهورية “مهاباد” 1946 ،التي أعلنها قاضي محمد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، مدعوماً من الإتحاد السوفييتي يومها، لكنها لم تحظ بإعتراف دولي، وانتهت في أقل من عام. في العراق ظهرت المسألة الكردية متأخرة، عند قيام الملّا مصطفى البرزاني بأول تمرّد على حكومة بغداد عام 1961 ، أمّا في سوريا فلم تظهر المسألة الكردية بشكل واضح إلّا بعد أحداث القامشلي 2004 ، نظراً لعدم وجود مناطق لها طابع كردي بحت، أو تجمع بشري بغالبية كردية، كما هو الحال في كلّ من تركيا وإيران والعراق.

ماهي المسألة الكردية : شعور الأكراد بانتقاص حقوقهم القومية والثقافية في الدول الأربعة ، وأنّ الهويّة القومية لتلك الدول تعبّر عن الأكثرية فيها على حساب قوميتهم ، ولا بد من حلّ لهذه المسألة ينصفهم، وقد طرحوا حلولاً عديدة، منها الحكم الذاتي، أو الفيدرالية ، أو الأمّة الديمقراطية .. وصولاً إلى الإنفصال وتشكيل مايشبه الدولة الإتحادية تجمع المناطق التي فيها أكثرية كردية من الدول الأربعة .

ولكنّ تطلعات الأكراد إلى إنشاء كيان خاص بهم لم يلق أي دعم غربي، واقتصر الدعم على القضايا الانسانية، وخاصة في العراق، من خلال السماح للمنظمات الانسانية ـ من بينها منظمتان إسرائيليتان ـ بالتواجد في مناطق ” كردستان العراق”، بعد فرض منطقة حظر جوي على تلك المناطق 1992 ، وعدم السماح لسلاح الجو العراقي من الطيران فوق شمال العراق الذي انتفض ضدّ الحكومة المركزية ، بعد إنسحاب الجيش العراقي من الكويت .

 بعد غزو العراق 2003 والإطاحة بنظام صدام حسين ، تم ترسيخ الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق الذي أقرّه دستور “بريمر” 2005 ، الأمر الذي دفع بالكرد للمضي في ، دعم اللوبي الكردي الذي كان قد بدأ يتشكّل في واشنطن،  

يقول أستاذ العلوم السياسية (عبد الحكيم خسرو):” لقد نجح اللوبي الكردي في إبراز القضية الكردية، وأنّ هذا اللوبي موجود فعلاً في أوروبا وأمريكا”. وهناك مؤشرات تؤكّد وجود دعم إسرائيلي كبير لهذا اللوبي، كما تحدثت مصادر دبلوماسية في بغداد وأربيل صراحة عن هذا الدعم .

اللوبي (Lobby ):

كلمة إنجليزية تعني ” الرواق” ، وتطلق على الردهة الكبرى في مجلس العموم البريطاني، وعلى الردهة الكبرى في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو المكان الذي  يستطيع فيه الأعضاء أن يلتقوا بالناس حيث تعقد الصفقات. وقد أصبحت الكلمة تطلق على جماعات الضغط، التي يجلس ممثلوها في الردهة الكبرى، ويحاولون التأثير على أعضاء المجلس.

وقد أصبحت جماعات الضغط على درجة كبيرة من الأهمية ، جعلت النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية يُسمى ” ديمقراطية جماعات الضغط”، وأنّه لم يعد يمثّل النظام الديمقراطي التقليدي، بقدر ما بات يعبّر عن مقادير الضغوط التي تمارسها جماعات الضغط ” اللوبيات” على المشّرعين الأمريكيين لإتخاذ قرارهم بشأن قضية ما، والأمريكيون أصبحوا يمارسون حقوقهم الديمقراطية من خلال هذه الجماعات، ومن أهم هذه الجماعات على سبيل الذكر لا الحصر (( لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية (إيباك)، اللجنة اليهودية الأمريكية، المؤتمر اليهودي العالمي..)).

أول من سلّط الضوء على محاولة الأكراد لتشكيل لوبي كردي هي صحيفة الواشنطن بوست فقد ذكرت في عددها الصادر في 20 /4/2007 : أن نجل الرئيس العراقي جلال طالباني يقود حملة لحشد التأييد لتأسيس لوبي كردي في واشنطن، وأنّ ( قُباد طالباني) يقول أن الأكراد لديهم رغبة قوية لإقامة صلات وثيقة مع الإدارة الأمريكية على غرار ما فعلته تايوان وإسرائيل… وقد قدّرت الصحيفة عدد الجالية الكردية الموجودة في الولايات المتحدة بـ 40 ألف شخص.

كما نشرت صحيفة الفورين بوليسي 27/10/2015 مقالاً للكاتب بيل أليسون بعنوان ” لوبي كردي في واشنطن”، جاء فيها :”ان ممثل إقليم كردستان في واشنطن يوسف عبد الرحمن، قدّم عرضاً لتشجيع السياحة في الإقليم، وأن الأكراد يستخدمون مراكز البحث واللوبيات بواشنطن، لدعم القضية الكردية والتأثير على أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتأتي الأموال على رأس الوسائل المستخدمة، لتمتين العلاقة وبناء جسور الثقة مع النواب.ويعتبر نجم الدين كريم (محافظ كركوك السابق)، عضو المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني، يعتبر المؤسس للوبي الكردي في واشنطن، لما له من نفوذ واسع في الأوساط الكردية، ويحظى باهتمام كبير من قبل إدارة ترامب، بالإضافة إلى شخصيات كردية بارزة مثل ( مسرور بارزاني ـ عضو مجلس الأمن القومي في إقليم كردستان)، و( بيان عبد الرحمن ـ ممثل الإقليم في واشنطن).

وعلى صعيد القوى المؤثرة في السياسة العالمية، اتجه الأكراد إلى صندوق النقد الدولي، كما ورد على لسان الخبيرة الاقتصادية العراقية ( د.سلام سميسم):” اللوبي الكردي استطاع أن يوثّق علاقته مع صندوق النقد والبنك الدولي، فقد عرفوا أين يذهبون، وعرفوا كيف تصنع اللوبيات، فاتجهوا إلى الرؤوس الاقتصادية صانعة القرارعالمياً، والتي تؤثر وترسم السياسات “.

يرى العديد من الباحثين والمفكرين ثمة ترابط وثيق مابين المسألة اليهودية والمسألة الكردية، من حيث البناء على المظلومية والتعاون ،على الرغم من أنّ الأولى ذات بعد ديني والثانية ذات طابع قومي، ومع ذلك استطاع الأكراد أن يسوّقوا قضيّتهم باتباع ذات الأساليب التي اتبعها اليهود في المحافل الدولية، مستفيدين من الإسرائيليين الذين قدّموا للأكراد النصائح والدعم في شتى الميادين، فقد كشف ( ناحيك نافوت) نائب رئيس جهاز الموساد الأسبق، في مذكّراته الصادرة عام 2015 ، بأن الموساد كان يقوم بتدريب وتسليح المقاتلين الأكراد منذ أيام مصطفى البرزاني، وأن الأكراد قدّموا مساعدة كبيرة لإسرائيل في عملية تهجير يهود العراق عام 1969 . كما كشفت صحيفة الفايننشال تايمز اللندنية في آب/أغسطس 2015 ، أن 75% من واردات إسرائيل من النفط كانت تأتيها من كردستان العراق، الأمر الذي يوضح مدى التعاون بين إسرائيل وحكومة إقليم كردستان، ناهيك عن إعلان رئيس وزراء إسرائيل (نتنياهو) تأييده لقيام دولة كردية في أكثر من مناسبة .

وتبقى فكرة ” اللوبي الكردي” المستنسخة من ” اللوبي الصهيوني”، هي الشاهد الأكثر وضوحاً، على مدى التقارب بين المسألتين، والتي توحي بخطورة المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط، واحتمال قيام دولة شبيهة بدولة إسرائيل، تقتطع أجزاء مهمة من دول المنطقة، فتخلق بؤرة صراع جديدة قد تمتدّ لعشرات السنين، تستنزف فيها موارد الدول المعنية وتمنعها من اللحاق بركب الدول المتقدمة، تمهيداً لتقسيمها إلى دويلات إثنية أو طائفية، ليسهل على الغرب وإسرائيل الهيمنة المطلقة على شعوب المنطقة، ونهب ثرواتهم والتحكم بمصيرهم ، بل والأنكى من ذلك ربما العودة بهم إلى حياة البداوة ومجاهيل القرون الوسطى، من أجل أن ينعم الغرب بحياة رغيدة وتحقق إسرائيل حلمها من الفرات إلى النيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى