مختارات

البنزين الذي أشعل النيران في إيران

ضياء قدور – تلفزيون سوريا

المدن الإيرانية منتفضة، والساسة الإيرانيون متخبطون لإيجاد طريق للحل. القرار المفاجئ للحكومة الإيرانية برفع سعر البنزين، بدون التمهيد للرأي العام الإيراني، حول إيران لساحة من الانتفاضات  والاحتجاجات الشعبية.
وعلى ما يبدو أن تزامن الإعلان عن خبر رفع البنزين في منتصف ليلة الخميس الماضية، مع الظروف المعيشية السيئة التي يعيشها الشعب الإيراني نتيجة العقوبات الدولية، رفع على الفور سقف هذه الاحتجاجات، لتنادي بشعارات سياسية تطالب بإسقاط روحاني والمرشد الإيراني.
لكن السؤال المطروح هنا:
لماذا أدى قرار رفع البنزين لاشتعال هذا الكم الكبير من الغضب الشعبي الذي انتشر في أكثر من ٦٠ مدينة في ١٧ محافظة إيرانية منها طهران وأصفهان وشيراز وتبريز وكرج وغيرها؟
ولماذا تحولت هذه الاحتجاجات لمطالب سياسية بهذه السرعة الفائقة؟


البنزين كمادة قابلة للانفجار الشعبي:
أن تقوم الحكومات التي تعاني من عقوبات قاسية ونقص شديد في التمويل والإيرادات برفع بعض أسعار بعض المواد والسلع كالبنزين مثلاً، من أجل الحصول على إيرادات أكبر، أمر طبيعي، خاصة أن المسؤولين الإيرانيين كانوا يسعون في الأسابيع الماضية لإيجاد طرق مختلفة لتعويض النقص الحاد الذي أصاب الميزانية الإيرانية نتيجة العقوبات الدولية والأمريكية الهادفة لتصفير النفط الإيراني، الذي تعتمد عليه الميزانية الإيرانية بشكل كبير.
مع ذلك، أصر الرئيس الإيراني روحاني على أن عائدات رفع قيمة مادة البنزين سوف تستخدم فقط لمساعدة “الفقراء”، حيث قدر عدد هؤلاء الأشخاص المحتاجين إلى مثل هذه المساعدة ب ٦٠ مليون شخص، وهو ما يمثل رقماً صادماً في الحقيقة (٨٠% من الشعب الإيراني).
صحيح أن زيادة أسعار المحروقات ستزيد من تكلفة استخدام السيارة الشخصية بالنسبة للإيرانيين من ذوي الدخل المرتفع، لكنها في نفس الوقت تزيد من تكلفة استخدام وسائل النقل العام، بما في ذلك أجرة السيارات الشخصية المستخدمة لنقل الركاب والبضائع.

(لمن لا يعلم، السيارات الشخصية في إيران تعمل في بعض الأحيان كوسائل نقل عامة داخل المحافظات نفسها إلى جانب وسائل النقل العامة وسيارات الأجرة).
وبالتالي، فإن تكلفة المواصلات العامة التي تستخدمها الفئات ذات الدخل المنخفض (٨٠% من الشعب الإيراني كما قال روحاني) سوف ترتفع أيضاً، الأمر الذي سيفرض المزيد من الضغوطات على هذه الطبقة الغارقة في بحر التضخم والغلاء المعيشي.
النقطة المهمة هنا هي أن الضغوطات المعيشية بالنسبة لهذه الطبقات المسحوقة لا تقتصر على غلاء تكلفة التنقل فحسب، ففي ظل الظروف غير الصحية للاقتصاد الإيراني، فإن أي صدمة اقتصادية جديدة ستكون بمثابة “عامل متسارع” يشكل ضغطاً تضخمياً جديداً على الظروف المعيشية لجميع الطبقات، وخاصة الطبقات ذات الدخل المنخفض.
في إيران، تأثيرات رفع سعر البنزين لن يقتصر على ارتفاع تكلفة التنقل الشخصي والعام، بل سيؤدي لارتفاع أسعار البضائع الأخرى، فما يحدث عادة في جميع الدول التي يتم فيها رفع أسعار المحروقات، هو أن موردي جميع أنواع السلع يضعون ذلك حجة ومبرراً لرفع أسعار بقية السلع الأخرى. أي أن ارتفاع أسعار البنزين سيؤدي لسلسلة من ارتفاع أسعار المواد الأخرى.

لماذا تحولت المظاهرات لمطالب سياسية؟
في إيران اليوم، الأشخاص المحتاجون إلى الدعم الحكومي هم عموماً أشخاص من الطبقة العاملة كالمزارعين والعمال والموظفين، وبالطبع العاطلين عن العمل، الذين يكافح الكثير منهم لكسب عيشهم على هامش اقتصاد البلاد.
هؤلاء يشكلون أكثر من ٨٠% من سكان البلاد، لذلك تجد أن مظاهراتهم، بمحيطها الجغرافي وشعاراتها، تعكس حالاً أعمق من الذي يريد النظام الاعتراف به.
جميع الاحتجاجات والانتفاضات الإيرانية التي اشتعلت في نهاية عام ٢٠١٧ وبدايات عام ٢٠١٨، والتي تشتعل الآن في العديد من نقاط إيران بدأت لأسباب اقتصادية واجتماعية من دون قيادة أو هدف سياسي محدد، ولكنها سرعان ما رفعت شعارات تندد بالنظام، وتطالب بتغيير شامل.
هذه المرة لم تندلع شرارة التظاهرات في العاصمة طهران فحسب، ولم تقدها فئة الطبقة المتوسطة، بل الطبقة المسحوقة والمهمشة، التي فرغ صبرها وانتظارها من وعود الرئيس روحاني، في أعقاب توقيع الاتفاق النووي وحصول إيران على مليارات الدولارات، التي وُزِّعت على ميزانية الحرس الثوري والمرافق المرتبطة بالمرشد الإيراني علي خامنئي.
هذه ليست المرة الأولى التي يطالب فيها المتظاهرون بتنحي المرشد الأعلى الإيراني، كما أنها ليست المرة الأولى، التي يرى فيها المسؤولون الإيرانيون هؤلاء المتظاهرين ينادون برحيلهم، ويدوسون صورهم وشعاراتهم بهذا الغضب.
قد تكون العناوين الإخبارية حول ما يجري في إيران بسبب رفع سعر البنزين أمراً غير لافتٍ للانتباه بالنسبة للعديد من المتابعين، لكن الشيء المؤكد أن هذه الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية تحمل طابعاً ثورياً كالذي كان موجوداً في انتفاضة العام الماضي.

وخلاصة القول:
إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني شبّه ذات مرة المجتمع الإيراني كغرفة مليئة بالغاز تنتظر شرارة واحدة حتى تنفجر.
هذا التشبيه قد يكون أفضل توضيح لما يجري في إيران بعد قرار رفع سعر مادة البنزين، الذي قد يكون الشرارة التي ستفجر المجتمع الإيراني.
اقتصادياً يمكن الحديث مطولاً عن تأثيرات رفع سعر مادة البنزين على الاقتصاد الإيراني وعلى التضخم والغلاء في إيران، لكن اجتماعياً وسياسياً، قد يذكر التاريخ أن هذا البنزين ذاته هو من أشعل النيران في إيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى