بحوث ودراسات

“بيت الرب” في الكتاب المقدَّس بين العقائد الوثنيَّة والمصادر الإسلاميَّة 1 من 6

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

يعرِّفنا سفر الملوك الأول أنَّ نبي الله داود (عليه وعلى سائر أنبياء الله أزكى الصلوات وأتم التسليم) -أو داود الملك-قد أراد أن يبني للرب “إله إسرائيل” بيتًا، وكانت لديه “في قلبه” تلك الأمنية، لكنَّ الرب قد شاء أن يبني ذلك البيت ابن داود، وليس هو نفس، كما جاء في “وَكَانَ فِي قَلْبِ دَاوُدَ أَبِي أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ أَبِي: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِكَ أَنْ تَبْنِيَ بَيْتًا لاسْمِي، قَدْ أَحْسَنْتَ بِكَوْنِهِ فِي قَلْبِكَ. إِلاَّ إِنَّكَ أَنْتَ لاَ تَبْنِي الْبَيْتَ، بَلِ ابْنُكَ الْخَارِجُ مِنْ صُلْبِكَ هُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ لاسْمِي” (سفر الملوك الأول: إصحاح 8: آيات 17-19). وكان البناء مهمة أنجزها نبي الله سليمان: “وَأَقَامَ الرَّبُّ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَقَدْ قُمْتُ أَنَا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي وَجَلَسْتُ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ، وَبَنَيْتُ الْبَيْتَ لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ” (سفر الملوك الأول: إصحاح 8، آية 20).

ويروي سفر أخبار الأيام الأول هذه القصة، ولكن بعد أن حدد سبب عدم اختيار الرب لداود كي يبني البيت، كما ذُكر في إصحاح 28 (آيات 2-3): “وَوَقَفَ دَاوُدُ الْمَلِكُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَ: «اِسْمَعُونِي يَا إِخْوَتِي وَشَعْبِي. كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتَ قَرَارٍ لِتَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَلِمَوْطِئِ قَدَمَيْ إِلهِنَا، وَقَدْ هَيَّأْتُ لِلْبِنَاءِ. وَلكِنَّ اللهَ قَالَ لِي: لاَ تَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي لأَنَّكَ أَنْتَ رَجُلُ حُرُوبٍ وَقَدْ سَفَكْتَ دَمًا.” ونجد في الآيات (4-6) من نفس السفر تشريف من الرب لسليمان، الذي يصفه بالابن، ويمنحه مُلكًا أبديًّا على إسرائيل: “وَقَدِ اخْتَارَنِي الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ بَيْتِ أَبِي لأَكُونَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّهُ إِنَّمَا اخْتَارَ يَهُوذَا رَئِيسًا، وَمِنْ بَيْتِ يَهُوذَا بَيْتَ أَبِي، وَمِنْ بَنِي أَبِي سُرَّ بِي لِيُمَلِّكَنِي عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَمِنْ كُلِّ بَنِيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ أَعْطَانِي بَنِينَ كَثِيرِينَ، إِنَّماَ اخْتَارَ سُلَيْمَانَ ابْنِي لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَةِ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ لِي: إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنَكَ هُوَ يَبْنِي بَيْتِي وَدِيَارِي، لأَنِّي اخْتَرْتُهُ لِي ابْنًا، وَأَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا.” أليس في هذا الوصف ما يتطابق مع ما ورد في نبوءة النبي ناثان لداود في سفر صموئيل الثاني حينما بشَّره بقدوم المسيح؟ هذا نص النبوءة في الإصحاح 7 (12-14): “متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبني بيتًا لاسمي وأنا أثبت كرسي مملكته الى الأبد. أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم.” تشير التفاسير الرسمية للكتاب المقدَّس إلى أنَّ هذا التداخل بين المسيح وسليمان إنَّما هو يرجع إلى اعتبار سليمان رمزًا للمسيح، حيث اصطفاه الرب ابنًا يقيم بيتًا باسمه، متنبِّئًا بأنَّه قد يحيد الصراط المستقيم في قوله “إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم.” ويبدو أنَّ سليمان قد خيَّب أمل الرب فيه بأن أدخل على الشريعة السماوية بعض الطقوس التي اتَّبعها عُبَّاد الشمس في الديانات الوثنية. يتَّضح ذلك في سفر الملوك الأول (إصحاح 3: آيتان 2-3): “الشعب كانوا يذبحون في المرتفعات لأنَّه لم يبن بيت لاسم الرب إلى تلك الأيام. وأحب سليمان الرب سائرًا في فرائض داود أبيه إلا أنَّه كان يذبح ويوقد في المرتفعات“. فقد ذبح سليمان الملك على المرتفعات ” وَذَهَبَ الْمَلِكُ إِلَى جِبْعُونَ لِيَذْبَحَ هُنَاكَ، لأَنَّهَا هِيَ الْمُرْتَفَعَةُ الْعُظْمَى، وَأَصْعَدَ سُلَيْمَانُ أَلْفَ مُحْرَقَةٍ عَلَى ذلِكَ الْمَذْبَحِ” (سفر الملوك الأول، إصحاح 3: آية 4).

يفتح هذا الوصف لعادة سليمان الملك بالذبح وإشعال النار فوق المرتفعات المجال لتأمُّل حقيقة رصدتها أسفار العهد القديم نفسها، وهي التشابه الكبير بين الزرادشتية والموسويَّة (أي اليهوديَّة) من حيث عدَّة جوانب في الطقوس، أبرزها الذبح فوق المرتفعات، وتقديس النار، والإبقاء على شعلة متَّقدة، وفي توارُث المناصب الدينية. وبما أنَّ الزرادشتية -وعبادة الشمس بوجه عام-قد سبقت بعثة رسول الله موسى بقرون طويلة، فمن المؤكَّد أنَّ اليهودية مع تطوُّرها على يد عزرا بن سرايا، أو عزرا الكاتب، قد أدخلت العديد من طقوس عبادة الشمس.

 لا تنص الكتب المقدَّسة الزرادشتية على العبادة في معابد، كما لا تُحدد أي أماكن للعبادة. على العكس المطلق، فمن الأفضل في عباداتها الاجتماع في الهواء الطلق مع إشعال النيران. بمرور الوقت-ربَّما بالتأثُّر بطقوس الديانات الأخرى-أدخل المؤمنون بالزرادشتية مسألة بناء معابد أطلقوا عليها “معابد النار”. لا يصمم هؤلاء صورًا ولا تماثيل للآلهة، وأهم طقس لها في تقديم القرابين هو الذبح على المرتفعات. وليس البابليُّون وحدهم الذين عبدوا بعلًا، حيث شاركتهم في عبادتهم أممٌ أخرى بأسماء أخرى، مثل زيوس في اليونان، أهورا مزدا في فارس، وآمون في مصر. وكانت من أهم طقوس العبادة الذبح على المرتفعات.

كان بناء المرتفعات من أجل العبادة-ممارسة الطقوس، ومن بينها الذبح-بمثابة الاختبار لبني إسرائيل؛ فقد هجر هؤلاء عبادة الله على النحو السليم لمَّا بنى ملوكهم تلك المرتفعات؛ لكنَّهم عادوا إلى العبادة الصحيحة بعد هدمها. يتَّضح ذلك في سفر الملوك الأول (إصحاح 3: آيتان 2 و3): “الشعب كانوا يذبحون في المرتفعات لأنَّه لم يبنِ بيت لاسم الرب الى تلك الأيام. وأحب سليمان الرب سائرا في فرائض داود أبيه إلا أنَّه كان يذبح ويوقد في المرتفعات؛” وكذلك في إصحاح 12 (آية 32): “عمل يربعام عيدا في الشهر الثامن في اليوم الخامس عشر من الشهر كالعيد الذي في يهوذا وأصعد على المذبح هكذا فعل في بيت إيل بذبحه للعجلين اللذين عملهما وأوقف في بيت إيل كهنة المرتفعات التي عمله.”

وإلى جانب الذبح، أُدخلت إلى تلك المرتفعات طقوس أُخرى، مثل وضع التماثيل، نحت الصور، إقامة أضرحة، وإضافة مذابح إلى المرتفعات. ومن أمثله هذا ما جاء في سفر الملوك الأول (إصحاح 13: آيات 1 إلى 3): “وَإِذَا بِرَجُلِ اللهِ قَدْ أَتَى مِنْ يَهُوذَا بِكَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، وَيَرُبْعَامُ وَاقِفٌ لَدَى الْمَذْبَحِ لِكَيْ يُوقِدَ. فَنَادَى نَحْوَ الْمَذْبَحِ بِكَلاَمِ الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا مَذْبَحُ، يَا مَذْبَحُ، هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هُوَ ذَا سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ابْنٌ اسْمُهُ يُوشِيَّا، وَيَذْبَحُ عَلَيْكَ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّذِينَ يُوقِدُونَ عَلَيْكَ، وَتُحْرَقُ عَلَيْكَ عِظَامُ النَّاسِ». وَأَعْطَى فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلاَمَةً قَائِلاً: «هذِهِ هِيَ الْعَلاَمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ: هُوَ ذَا الْمَذْبَحُ يَنْشَقُّ وَيُذْرَى الرَّمَادُ الَّذِي عَلَيْهِ».” وجاء في سفر الملوك الأول أيضًا: “وَعَمِلَ يَهُوذَا الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَأَغَارُوهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَا عَمِلَ آبَاؤُهُمْ بِخَطَايَاهُمُ الَّتِي أَخْطَأُوا بِهَا. وَبَنَوْا هُمْ أَيْضًا لأَنْفُسِهِمْ مُرْتَفَعَاتٍ وَأَنْصَابًا وَسَوَارِيَ عَلَى كُلِّ تَلّ مُرْتَفِعٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ” (إصحاح 14: آيتان 22 و23). والمقصود بالسواري هنا جمع سارية، وهي عشتوريث، وجمعها عشتاروث. وعشتوريث في الكتاب المقدَّس هي عشيرة-ومن أسمائها عشتار وعشتارة-إلهة القمر وأنثى البعل، وجمع بعل بعليم. وكما ذُكر البعل في العهد القديم لما يقرب من المائة مرة، ذُكرت عشيرة جمعًا 6 مرات ومفردًا 3 مرات. وقد ورد اعتراف صريح في سفر القضاة بنبذ بني إسرائيل عبادة ربِّهم وعبادة بعل وعشيرة: (إصحاح 2، آية 13) “تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروث؛” وكذلك في (إصحاح 3: آية 7) “فعمل بنو اسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسواري“.

وقد ذُكر في سفر الملوك الثاني، إصحاح 17، آية 29: “فكانت كل أمة تعمل آلهتها ووضعوها في بيوت المرتفعات التي عملها السامريون كل أمة في مدنها التي سكنت فيها.” وجاء في سفر ارميا “أَتَسْرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وَتَحْلِفُونَ كَذِبًا وَتُبَخِّرُونَ لِلْبَعْلِ، وَتَسِيرُونَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامِي فِي هذَا الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ وَتَقُولُونَ: قَدْ أُنْقِذْنَا” (إصحاح 7، آيتان 9-10)، ونرى في سفر ارميا أيضًا أنَّ تقديم القرابين قد تجاوز مسألة ذبح الأنعام، حيث امتد إلى البشر: “وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتِ تُوفَةَ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ لِيُحْرِقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّار” (إصحاح 7، آية 31). وبارك النبي صموئيل الذبائح التي قُدِّمت على المرتفعات: “الْيَوْمَ ذَبِيحَةٌ لِلشَّعْبِ عَلَى الْمُرْتَفَعَةِ” (سفر صموئيل الأول، إصحاح 9: آية 12).

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ من بين أسباب استحقاق بني إسرائيل للأرض المقدَّسة هو أنَّ سكَّانها من بني كنعان قد كفروا بملَّة التوحيد، وأشركوا بربِّهم، وعبدوا الأصنام، فقد ورد في سفر العدد: ” كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، فَتَطْرُدُونَ كُلَّ سُكَّانِ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ، وَتَمْحُونَ جَمِيعَ تَصَاوِيرِهِمْ، وَتُبِيدُونَ كُلَّ أَصْنَامِهِمِ الْمَسْبُوكَةِ وَتُخْرِبُونَ جَمِيعَ مُرْتَفَعَاتِهِمْ” (إصحاح 33: آيتان 51 و52). وقد جاء في سفر التثنية (إصحاح 12: آيتان 2-3): ” تُخْرِبُونَ جَمِيعَ الأَمَاكِنِ حَيْثُ عَبَدَتِ الأُمَمُ الَّتِي تَرِثُونَهَا آلِهَتَهَا عَلَى الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ، وَعَلَى التِّلاَلِ، وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ. وَتَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ سَوَارِيَهُمْ بِالنَّارِ، وَتُقَطِّعُونَ تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ، وَتَمْحُونَ اسْمَهُمْ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ“. وهذا بالضبط ما فعله بنو إسرائيل كي يستحقوا عقاب الرب، كما جاء في العديد من أسفار العهد القديم.

وكانت هناك بعض المحاولات الإصلاحيَّة من ملوك بني إسرائيل بعد انقسام دولتهم إلى مملكتي إسرائيل (عاصمتها السامرة حتى سلطة يربعام بن نباط) ويهوذا (عاصمتها أورشليم تحت حُكم رحبعام بن سليمان)، لكنَّها كانت دائمًا ما تفشل لاحقًا. نجد أنَّ حزقيا الملك على يهوذا “أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ»” (سفر الملوك الثاني، إصحاح 18: آية 4). مع ذلك، لم يتخلَّ بنو إسرائيل عن عادة بناء المعابد فوق المرتفعات، وبخاصة للبعل، ومن بين هؤلاء منسَّى بن حزقيا ذاته، ملك أورشليم الذي حكم 55 سنةً وهو ابن 12 سنة. يوضح الإصحاح 21 (آيات 1 إلى 7) في سفر الملوك الثاني كيف بنى منسَّى “المرتفعات التي أبادها حزقيا أبوه وأقام مذابح للبعل وعمل سارية كما عمل اخاب ملك اسرائيل وسجد لكل جند السماء وعبدها” (3)، كما “بنى مذابح في بيت الرب الذي قال الرب عنه في اورشليم اضع اسمي” (4) كما أنَّه “وضع تمثال السارية (عشتوريث) التي عمل في البيت الذي قال الرب عنه لداود وسليمان ابنه في هذا البيت وفي اورشليم التي اخترت من جميع أسباط إسرائيل أضع اسمي إلى الأبد.”

ويسترسل الإصحاح 23 من سفر الملوك الثاني في وصف كيف قضى يوشيا الصالح على الفتنة بين قومه، ومن بين ما فعله “أخرج السارية من بيت الرب خارج أورشليم” (6)، “وهدم بيوت المأبونين التي عند بيت الرب، حيث كانت النساء ينسجن بيوتا للسارية” (7)، “وجاء بجميع الكهنة من مدن يهوذا، ونجس المرتفعات حيث كان الكهنة يوقدون، من جبع إلى بئر سبع، وهدم مرتفعات الأبواب التي عند مدخل باب يشوع” (8)، “وأباد الخيل التي أعطاها ملوك يهوذا للشمس عند مدخل بيت الرب عند مخدع نثنملك الخصي الذي في الأروقة، ومركبات الشمس أحرقها بالنار” (11)، وهدم “المذابح التي على سطح علية آحاز التي عملها ملوك يهوذا، والمذابح التي عملها منسى في داري بيت الرب. والمرتفعات التي قبالة أورشليم، التي عن يمين جبل الهلاك، التي بناها سليمان ملك إسرائيل لعشتوريث رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة الموآبيين، ولملكوم كراهة بني عمون، نجسها الملك” (12-13)، “وكسر التماثيل وقطع السواري وملأ مكانها من عظام الناس” (14)، “وكذلك المذبح الذي في بيت إيل في المرتفعة التي عملها يربعام بن نباط الذي جعل إسرائيل يخطئ، فذانك المذبح والمرتفعة هدمهما وأحرق المرتفعة وسحقها حتى صارت غبارا، وأحرق السارية” (15). وفي سفر أخبار الأيام الثاني (إصحاح 34: آية 4) ما يتطابق مع ذلك عن يوشيا: “هدموا أمامه مذابح البعليم وتماثيل الشمس التي عليها من فوق قطعها وكسر السواري والتماثيل والمسبوكات ودقَّها ورشَّها على قبور الذين ذبحوا لها.” وكان من بين ملوك بني إسرائيل المصلحين ملك يُدعى آسا خلع أمَّه من المُلك بسبب عبادتها عشيرة (سفر الملوك الثاني إصحاح 15: آية 16): “حَتَّى إِنَّ مَعْكَةَ أُمَّ آسَا الْمَلِكِ خَلَعَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلِكَةً لأَنَّهَا عَمِلَتْ لِسَارِيَةٍ تِمْثَالاً، وَقَطَعَ آسَا تِمْثَالَهَا وَدَقَّهُ وَأَحْرَقَهُ فِي وَادِي قَدْرُونَ“؛ مع ذلك، فقد عجز عن القضاء على كلِّ مظاهر الشرك، كما ورد في الآية التالية في نفس الإصحاح: “وَأَمَّا الْمُرْتَفَعَاتُ فَلَمْ تُنْزَعْ مِنْ إِسْرَائِيلَ” (17).

يقول سفر الملوك الأول (إصحاح 3: آية 2) أنَّ سليمان الملك اعتاد على إيقاد النار فوق المرتفعات، وفي هذا إشارة إلى عادة تعبُّد بني إسرائيل أمام النار: “وأحب سليمان الرب سائرا في فرائض داود أبيه إلا أنَّه كان يذبح ويوقد في المرتفعات“. ولم تزل عادة الصلاة أمام الشموع الموقد من عادات اليهود إلى يومنا هذا، ولا شكَّ في أنَّ أصلها هو عبادة النار التي خُلق منها إبليس. توضح الصورة التالية نموذجًا لصلاة اليهود أمام النار (الصورة لشخصيَّة تيودور هرتزل-مؤسس الحركة الصهيونيَّة وأكبر الداعين إلى هجرة اليهود إلى فلسطين-في المسلسل التركي Payitaht Abdülhamid-عاصمة عبد الحميد-وهو يصلِّي كي يتبرأ من دم يهود أبرياء كانوا على وشك الموت بسبب سياسات كيديّة ضد دولة السلطان عبد الحميد الثاني من تدبير دول الاستعمار والماسون من اليهود، ممن اضطر هرتزل إلى التعاون معهم فقط من أجل قضية اليهود.)

1-صلاة اليهود أمام النَّار (مسلسل عاصمة عبد الحميد)

بعد إلقاء الضوء على انحراف سليمان الملك عن شريعة الرب بإدخاله على الشريعة السماوية العديد من طقوس عبادة آلهة الشمس. نعيد الإشارة إلى أنَّ داود الملك قد تمنَّى بناء ذلك البيت لحفظ تابوت العهد، وفق ما جاء على لسانه في سفر أخبار الأيام الأول، إصحاح 28 (آيات 2-6): “وَوَقَفَ دَاوُدُ الْمَلِكُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَ: «اِسْمَعُونِي يَا إِخْوَتِي وَشَعْبِي. كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتَ قَرَارٍ لِتَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَلِمَوْطِئِ قَدَمَيْ إِلهِنَا، وَقَدْ هَيَّأْتُ لِلْبِنَاءِ. وَلكِنَّ اللهَ قَالَ لِي: لاَ تَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي لأَنَّكَ أَنْتَ رَجُلُ حُرُوبٍ وَقَدْ سَفَكْتَ دَمًا… إنَّما اخْتَارَ سُلَيْمَانَ ابْنِي لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَةِ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ لِي: إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنَكَ هُوَ يَبْنِي بَيْتِي وَدِيَارِي، لأَنِّي اخْتَرْتُهُ لِي ابْنًا، وَأَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا”. حان الوقت للإشارة إلى مواصفات “بيت الرب” الذي بناه سليمان، وفق ما جاء في الإصحاح 6 من سفر الملوك الأول:

“وَعَمِلَ لِبَابِ الْمِحْرَابِ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ. السَّاكِفُ وَالْقَائِمَتَانِ مُخَمَّسَةٌ. وَالْمِصْرَاعَانِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ. وَرَسَمَ عَلَيْهِمَا نَقْشَ كَرُوبِيمَ وَنَخِيل وَبَرَاعِمِ زُهُورٍ، وَغَشَّاهُمَا بِذَهَبٍ، وَرَصَّعَ الْكَرُوبِيمَ وَالنَّخِيلَ بِذَهَبٍ. وَكَذلِكَ عَمِلَ لِمَدْخَلِ الْهَيْكَلِ قَوَائِمَ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ مُرَبَّعَةً. وَمِصْرَاعَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ. الْمِصْرَاعُ الْوَاحِدُ دَفَّتَانِ تَنْطَوِيَانِ، وَالْمِصْرَاعُ الآخَرُ دَفَّتَانِ تَنْطَوِيَانِ. وَنَحَتَ كَرُوبِيمَ وَنَخِيلًا وَبَرَاعِمَ زُهُورٍ، وَغَشَّاهَا بِذَهَبٍ مُطَرَّق عَلَى الْمَنْقُوشِ” (إصحاح 6: 31-35).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى