مقالات

النقابية وأفول الحزبية

د. موسى الزعبي

كاتب وباحث سوري.
عرض مقالات الكاتب

استغرب ونحن بالقرن الواحد والعشرين ولا يزال البعض يصيغ مشاريع لسوريا ويكرر بالديباجة سوريا دولة تعددية حزبية ،وسن قانون للأحزاب رغم أن العالم شرقا وغربا اكتشف دور الأحزاب المدمرة للمجتمع منذ نهاية الحرب الثانية، وأن من يقود الدول والمجتمعات هو المال والإعلام أوالتغلب بالقوة وخلفهم المافيات بواجهة حزبية مافيوية ورغم غفلة المواطن الغربي عمومًا عن هذه الحقيقة فربما ذلك مبرر له لأن الدول موفرة له الرخاء الاقتصادي والاجتماعي والعدالة والحرية وليس يهمه من يحكم أين كان ولكن الغريب في عالمنا العربي وبخاصة دول الربيع العربي وهي من عاشت وذاقت كذبة الأحزاب والنكوص بالمجتمع للجاهلية والقبلية الحزبية والانقسام الأيديولوجي وتسخير الشعارات البراقة سواء الدينية أو الديمقراطية لسوق الشعوب كالقطعان ثم الاحتراب بين القبائل الحزبية مستخدمين الجماهير لنصرة كل واحد منهم وغايتهم السلطة وشعارها الشعب وما يحصل بلبنان من حزبية يشاهده الجميع بكل مكان ولكن تم تغيير المسميات لخداع الناس وما حصل بتركيا ايضا حيث انشق حزب العدالة الحالي عن أربكان بعد حظر الرفاه وهو مايعرف اليوم بحزب السعادة فأصبح الأخير يوالي خصوم الأول ايدلوجيا رغم أن الاثنين كان هدفهما واحدًا والأخير أيضا اليوم ربما يتعرض لانقسامات .
إن نجاح التجربة الحزبية بأي لحظة زمنية لا يعني صحة الفكر الحزبي فجميع الأحزاب حكمت فترة المؤسسين لها فقط وتبع ذلك انهيار عنيف للدولة كالسوفيات ودول الربيع العربي وربما ماليزيا أكبر شاهد لأن الحزب هو شركة مساهمة شخصية مهما تغلف بشعارات براقة .
فالعمل السياسي ليس هو انتزاع السلطة من الآخر بل هو كيف يمارس كل مواطن دوره بالمجتمع بناء على التنافس بالعمل والقيم وليس الصراع الأيديولوجي والفكري !
ولا بد من حامل للعمل السياسي حتى يعطي ثماره لأن العمل الفردي لا يبني دولاُ والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو البديل عن الأحزاب والتحزبات الفكرية !
الجواب ؛هو ما أفرزته تطورات المجتمعات الحديثة خلال العقود الأخيرة حيث تبلورت بنية المجتمع الحقيقية وهي البنية النقابية مع توسيع القاعدة النقابية لتشمل جميع أطياف المجتمع من عمال ومهندسين وأطباء ورجال أعمال ورجال دين وحقوقيين و كتاب ومثقفين ونقابات مجالس محلية ومعلمين وغيرها بحيث يعاد هيكلة النقابات لنقابات سياسية تقود العمل السياسي بالمجتمع المدني ، بالإضافة لخدمة كوادرها وبذلك يتحول العمل السياسي من صراع فكري لتنافس بالعمل والتكنوقراط
فأي مشروع يجب ينبثق من الواقع دون الصدام مع عقائد وثقافات الشعب عموما والتي هي من تخصص المجتمع الأهلي، وليس الدعوة لتحزبات قبلية بل يجب أن يضمن أي مشروع دستوري مستقبلا منع اي ممارسة للعمل السياسي بناء التحزبات سواء دينية او علمانية أي مبدأ واحد وليس انتقائيا ، ويكون أس العمل السياسي العمل والقيم
مع ترحيل الاختلافات الدينية والفكرية للمجتمع الأهلي وتضمن الدولة رعايتها وحمايتها وليس كما يطالب بعض من يزعم التحضر بقانون موحد للأحوال المدنية لأنه يتضاد ويتنافى مع مفهوم الدولة المدنية المعاصرة بسلب الإنسان حريته وكرامته ، بل تضمن الدولة قوانين الأحوال الشخصية لكل فئة دينية وفق مبادئها .
والخطورة اليوم هو التلاعب بالمجتمع المدني ومن يمثله حيث يحاول البعض التمييز بين النقابات والاتحادات والروابط رغم أنها جميعها تحمل نفس المسمى مع اختلاف بالاسم، ويلحق بها المنتديات الفكرية والإنسانية إضافة لمحاولة البعض جعل الجمعيات الخيرية من المجتمع المدني والتي هي من المجتمع الأهلي ،حيث أصبح تمثيل المجتمع المدني اعتباطيا وتحايلا علاوة على أن أصحاب الأحزاب ويحاولون اختزال العمل السياسي والمجتمع المدني بما يسمى أحزاب ويصورون انه لا سياسة دون تحزبات وهذه أكبر انتكاسة فكرية لمن يزعم ذلك وكأنه يعيد اختراع الدولاب من جديد وهو تشويه ومصادرة لمفهوم الدولة المدنية النقابية التعددية المعاصرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى