بحوث ودراسات

مدى تأثر صفقة إس 400 على علاقة تركيا بحلف الناتو 2 من 3

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

ومن الأمور التى أدت لخلافات بين تركيا والحلف اعتبار الدول الأوربية الأعضاء فى حلف الناتو لأن منطقة الشرق الأوسط خارج نطاق الحلف ومجال أهتمامه، فقد عارض عدد من دول أوربا الغربية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا انضمام تركيا واليونان إلى الحلف في إطار سياسية احتواء الاتحاد السوفياتي السابق التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية. لخوفهم من احتمال نقل تركيا مشكلات دول الجوار في منطقة الشرق الأوسط إلى الحلف، مما قد تؤدي إلى مجابهةٍ حقيقيةٍ بين حلف الناتو وحلف وارسو.

     بموجب المادة الخامسة التي تعرّف التضامن داخل حلف الناتو توصّلت دول حلف الناتو  إلى قرار مشترك ينصّ على أن: “كلَّ هجومٍ مسلَّحٍ على واحدةٍ أو أكثر من دول أوربا وأمريكا الشمالية هو هجومٌ مسلحٌ عليها جميعًا…، ويجب عليها الإسراع في مساعدة الطرف أو الأطراف التي تعرضت للهجوم عبر القيام بما يلزم، بما في ذلك استعمال القوات المسلحة بصورةٍ فرديةٍ، أو بالتعاون مع الأطراف الأخرى”، وبموجب المادة السادسة من حلف الناتو اتفقت الأطراف على اعتبار “أي هجومٍ على أراضيها في أوربا أو أمريكا الشمالية أو منطقة الجزائر التابعة لفرنسا أو على الأراضي التركية… ويجب على الطائرات أو السفن أو القوات المتواجدة في أجواء هذه الأراضي الرد”- هجومًا على  جميع دول الأعضاء في الناتو. ولكن عندما يكون الأمر متعلقًا بأمن تركيا رأينا أن دول أوربا الغربية الحليفة تبلغ الطرف التركي بعباراتٍ واضحةٍ وصريحةٍ وفي أوساطٍ غير رسميةٍ أنها غير مستعدة لأداء المسئوليات الملقاة على عاتقها تجاه تركيا إلا في حال تعرضها لهجومٍ من الاتحاد السوفياتي وبلغاريا جارتها الشمالية الغربية العضوة في حلف وارسو، مع إخراج دول الجوار، مثل سوريا والعراق وإيران من نطاق المادة الخامسة سالفة الذكر([1]).

     ولكن الولايات المتحدة طيلة فترة الحرب الباردة، قدمت مقترحات للتعاون الأمني الثنائي مع تركيا بشأن منطقة الشرق الأوسط ، مع التأكيد على أن لا تستعمل تركيا الأسلحة التي وصلتها على شكل مساعدات أمريكية خارج مهامّ الناتو، وقد جاء ذلك فى رسالة الرئيس الأمريكى عام 1964م بشأن أزمة قبرص عام 1963م([2]).  مع أن الدور المرسوم لتركيا كان حمل الاتحاد السوفياتي على الاحتفاظ بقوةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ في بلاد القفقاس بشكلٍ يصعب معه التخطيط لعمليةٍ عسكريةٍ تقليديةٍ يتم إطلاقها من قبل حلف وارسو والقيام بها، وقد أدى ذلك في نشر الاتحاد السوفياتي السابق طيلة فترة الحرب الباردة ما يزيد عن 25 فرقةً في منطقة القفقاس إلى معرفته بالقدرات العسكرية التي تتمتع بها القوات المسلحة التركية التي تملك عتاد الناتو، وبأدائها العالي في الاستعدادات الحربية، ولو لم تكن تركيا عضوًا في حلف الناتو لقام الاتحاد السوفياتي بنقل جزءٍ كبيرٍ من جنوده الذين نشرهم في منطقة القفقاس بأعداد تزيد على 300 ألف عسكري؛ إلى أوربا الوسطى، ولزادت التهديدات القادمة من حلف وارسو بشن هجومٍ تقليديٍ قوي على أوربا الغربية([3]) فأسهمت تركيا بذلك إسهامًا كبيرًا في تخفيف التهديدات الموجّهة إلى الدول الأوربية في حلف الناتو من خلال سحب تهديدات الاتحاد السوفياتي إليها. فظلت تركيا تخصص من ميزانيتها قسمًا كبيرًا للنفقات العسكرية، في حين قلّلت الدول الأوربية الغربية نفقاتها العسكرية كونها تعيش في أوساطٍ أكثر أمنًا، ووجدت فرصةً لإضافة مزيدٍ من الموارد لاقتصاداتها، ومع ذلك استمر تردّي علاقات التحالف بين تركيا والدول الأوربية الأعضاء في حلف الناتو.

     مع العلم أن دول الاتحاد الأوربي تعلم أنها لن تستطيع استعمال قدرات حلف الناتو وإمكاناته في إطار السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوربي من دون موافقة الجانب التركي، فرجّحت أن تضغط على تركيا بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تخاف أن يؤدي الخلاف إلى انهيار حلف الناتو؛ على أن تلبي مطالب تركيا المحقة في الانخراط على الأقل في مرحلة التخطيط في آليات اتخاذ القرار، فكان ذلك سببًا في وصول العملية إلى طريق مسدود، ولا يمكن القول هنا إن المشكلة قد حُلَّت نهائيًّا في وقتنا الحالي رغم أن الأطراف وقعت على معاهدة أنقرة التي تسمى بالصيغة البينية في كانون الأول 2000، نظرًا لإصرار الأطراف على مواقفها الأولية أن التباين العميق في وجهات النظر بين تركيا ودول حلف الناتو الأوربية المتعلقة بالتهديدات القادمة من منطقة الشرق الأوسط لم يتغير كثيرًا على مدار ربع قرن من تاريخ انتهاء الحرب الباردة. وأستمرت حتى احتلال الكويت من قبل العراق في آب 1990م، وأيضا فى حرب الخليج الثانية في آذار 2003.

     كما ثار الجدل حول (الدرع الصاروخي) في نظام الدفاع الجوي لحلف الناتو هي امتدادٌ لمشروع الدفاع الصاروخي الوطني الأمريكي الذي أطلقته إدارة كلينتون في التسعينيات، ويعود جذوره إلى مبادرة الدفاع الإستراتيجي أو المشروع المعروف بـ(حرب النجوم) الذي أطلقته إدارة ريغان في الثمانينيات، وكان هذا الدرع الصاروخي سببًا في حصول مشكلات بين تركيا والدول الحليفة في الناتو([4]).

     وبعد أن أحرزت الولايات المتحدة الأمريكية نجاحاتٍ كبيرة في تطوير أنظمة الدفاع الجوي في النصف الثاني من التسعينيات قررت أن تتشارك مع حلفائها وحداتها العسكرية الموجودة في العالم كله وقدراتها من أجل حماية كامل أراضي الدول الأعضاء في حلف الناتو، وقد عارضها بعض الدول الأعضاء فى الحلف منها فرنسا وبريطانيا وألمانيا من حيث المبدأ والخوف من عودة الحرب الباردة وفي قمة الناتو التي عُقِدت في براغ عاصمة جمهورية التشيك في تشرين الثاني 2002 تم تبني مبدأ تطوير نظام الدفاع الصاروخي الوطني الأمريكي (American National Missile Defense)  بشكل يشمل جميع دول الحلف لكن إدارة أوباما التي بدأت تحكم البلاد إثر فوزه في انتخابات 2008 أعادت النظر في تقييم تهديد الصاروخ، وألغت هذا القرار الذي اتخذته إدارة بوش([5]).

     فتصدر القرار النهائي بتطوير الدرع الصاروخي وتموضعه جدول أعمال قمة الناتو التي عقدت في ليسبون في تشرين الثاني 2010. لكن انعكاس اجتماع وزارء الخارجية ووزراء الدفاع الذي عُقِد في بروكسيل في 14 تشرين الأول 2010 على وسائل الإعلام أعطى صورةً بأن تركيا والدول الأخرى الأعضاء في الناتو تتصارع حول تطوير مشروع الدفاع الصاروخي الباليستي من أجل الحلف، وأحتلفت تركيا مع الدول البارزة في حلف الناتو حول مشروع الدفاع الصاروخي الخاص بالناتو في ثلاث قضايا أساسية، أولاها أن تركيا أرادت أن تعتبر المشروع مشروعًا يخص الناتو أكثر من كونه مشروعًا أمريكيًّا. وثانيها أن تركيا رفضت أن يشير الحلف بالاسم إلى إيران التي تربطها بها علاقات الصداقة بأنها مصدر التهديد، أما الموضوع الثالث الذي تحفظت عليه تركيا في قمة ليسبون فهو أن يغدو كل شبر من أراضيها محمية بنظام الدفاع الصاروخي([6])

     ففي خضم الجدل في قمة الناتو التي جرت في ليسبون في تشرين الثاني 2010 تم تبني مشروع الدرع الصاروخي الذي يهدف إلى حماية أراضي جميع الدول الأعضاء في الحلف ووحداتها العسكرية وشعوبها من تهديدات الصواريخ الباليستية. وفي قمة شيكاغو في أيار 2012 دخل نظام الدرع الصاروخي موضع التنفيذ، ووحداته التي بُنِيَت في تركيا هي نظام الرادار في قراجيك بملطية.


[1]مصطفى كِبار أوغلو، “إستراتيجيات الناتو النووية والسلاح النووي الأمريكي في تركيا”، جمع وإعداد سيفي طاشان، ستون عامًا على وجود تركيا في حلف الناتو: شراكة تبعث الأمن، (معهد السياسات الخارجية، أنقرة)، ص55-72.

[2] –  مصطفى كِبار أوغلو، “موقع قبرص الإستراتيجي على محور إيجة-الشرق وخطة عنان”، مجلة المُلْكِيَّة، المجلد 28، العدد 242، (شتاء 2004) ص85-94.

[3]مصطفى كِبار أوغلو، “تأسيس حلف الناتو ومهمته ومستقبله ودور تركيا”، مجلة 2023، (أيار 2004)، ص6-15.

[4]– أنظر أحمد داود أوغلو، العمق الأستراتيجى موقع تركيا ودورها فى الساحة الدولية، ترجمة محمد جابر ثلجى وطارق عبد الجليل، مراجعة بشير نافع وبرهان كوروغلو، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الثانية 2011م، ص: 252 وما بعدها.

[5] – كريغ ويتلوك، “خطة الدرع الصاروخي الأوربي يُتوقَّع أن ينال الدعم”، واشنطن بوست، 14 تشرين الأول 2010.

[6]سرحد غُوَنْج، “عصر الناتو وإسهامات تركيا في الأمن عبر الأطلنطي”، العلاقات الدولية، المجلد 12، العدد 45، (ربيع 2015)، ص101-119.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى