مقالات

هل خاب أمل السوريين من “نبع السلام”؟

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

لا يحتاج المرء إلى كثير من التعمّق، في قراءة ردود أفعال السوريين، حيال نتائج القمّة، التي جمعت الرئيسين الروسي والتركي، في سوتشي الثلاثاء الفائت 22/10/2019 ، والإتفاق الذي توصّل إليه الطرفان، بخصوص عملية “نبع السلام” التي مهّدت لهذه القمّة، فلقد كانت مشاعرالخيبة والاحباط تكاد تطفر من بين الكلمات، بعد أن كانت في أوج تفاؤلها لما يحدث على الأرض وأنّه قد قلب المعادلة لصالح الشعب السوري المهجّر، فأطلق اللاجئون لمخيّلتهم العنان، مع إنطلاق عملية نبع السلام 9/10/2019  ، التي جاءت نتيجة الإتفاق التركي ـ الأمريكي ، حول ما يعرف بالمنطقة الآمنة التي طالب بها الرئيس التركي (أردوغان) في الشمال الشرقي من سوريا.

يعتقد الكثيرون من السوريين في بلاد اللجوء، بأن العملية العسكرية المشتركة ما بين الجيش الوطني السوري و الجيش التركي، ما كان لها أن تتوقف لولا الضغط الدولي الهائل على تركيا، و تراجع (ترامب) عن الإتفاق بذريعة احتمال عودة داعش إلى نشاطها من جديد في المنطقة، الأمر الذي سمح لموسكو أن تأخذ مكان واشنطن في التفاهم مع أنقرة، ولكن بشروط جديدة، قد تبدو أنها غير مرضية للجانب التركي و المعارضة السورية، و ربما يكون السبب في ذلك هو تغيّر خارطة المنطقة الآمنة من جهة وتصريحات الرئيس التركي النارية من جهة ثانية، التي رفعت سقف التوقعات بالنسبة للمعارضة و الجيش الوطني و السوريين بشكل عام.

في السياسة ليس هناك ما يناقض الذي حصل، فعلى الدوام يلجأ السياسيون إلى رفع سقف مطالبهم لتحقيق ما هو ممكن، و الممكن هنا هو حصول (أردوغان) على تواجد ميداني في المنطقة الواقعة بين رأس العين و تل أبيض، يحظى بموافقة روسيا و عدم اعتراض النظام الذي تم إبلاغه من قبل بوتين بشروط الإتفاق الجديد، و بذلك يكون (أردوغان) قد استطاع انتزاع شرعية تواجد قواته على الأراضي السورية، وضمان انسحاب قسد حتى مساحة 32 كم بعيداً عن الحدود التركية، بعد مفاوضات مضنية مع نظيره الروسي دامت خمس ساعات وعشرين دقيقة، وهي الأطول على الإطلاق بينهما، ما يوحي بمدى الصعوبات التي رافقت تلك المباحثات، وإصرار الطرفين على ضرورة الخروج باتفاق، وإصرار أكثرمن قبل (أردوغان) على شروطه، وأن لايبتعد الاتفاق عن روح وجوهر عملية “نبع السلام”وغاياتها .

السوريون المتواجدون في تركيا، و خاصة من أهالي المحافظات الشرقية (الحسكة ـ الرقة ـ دير الزور)، كانوا يأملون أن تستمر عملية “نبع السلام”، لتصل إلى نهاياتها، و دوافعهم بأن يكون لهم موطئ قدم في الوطن يستطيعون من خلاله العمل من أجل العودة إلى بيوتهم و تحرير مدنهم و بلداتهم من سطوة “قسد” و النظام، و لكن الذي خيب آمالهم هو تحول الإتفاق (التركي ـ الأمريكي) إلى إتفاق (تركي ـ روسي)، و هم ينظرون إلى الطرف الروسي على أنه محتل و هو الداعم للنظام و المتسبب بهجرتهم، وأنّ مجرّد تسيير دوريات مشتركة (تركية ـ روسية)، يجعلهم يشعرون بوجود النظام، و أن المنطقة الآمنة أصبحت آمنة لجميع الأطراف عداهم.

و لكن ما يبعث على الأمل، هو هبوب رياح الثورة من جديد في المشرق العربي ومغربه (من السودان إلى العراق ومن الجزائر إلى لبنان) شعوب تصدح للحرية وتحيّي صمود الشعب السوري، ووجود إرادة دولية ـ هكذا يبدوـ لإنهاء الصراع المسلح في سوريا، و إيجاد حلّ سياسي يستند إلى قرارت الأمم المتحدة في المقام الأول، هذه الإرادة التي كانت غائبة طوال السنوات الماضية، والتي كانت واضحة من خلال تعنّت النظام ومن وراءه إيران، و عدم اعترافه بوجود معارضة له، و عدم قبوله الجلوس معها، نجده اليوم قد وافق على اللجنة الدستورية، و ها هو يوافق على الوجود التركي في شمال البلاد، و هذا وحده كافٍ لإستشراف طبيعة المرحلة المقبلة، والتي سيكون عنوانها إنهاء الدور الإيراني في القضيّة السورية ورضوخ الأسد لإملاءات ( بوتين) الذي يمثّل حاليّاً الإرادة الدولية والموكل عنها بتنفيذها على الأرض .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى