بحوث ودراسات

مدى تأثر صفقة إس 400 على علاقة تركيا بحلف الناتو 1 من 3

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

أصيبت منطقة الشرق الأوسط بالعديد من التناقضات والتعقيدات، لبحث أطراف دولية وإقليمية لخلق واقع جديد وفُرَص تفوّق استراتيجي حماية للمصالح وتحقيقاً لأهداف كل منهم، مما أدى لصراع يتجدد ويتحدّد بموجبه العديد من المسارات السياسية والعسكرية في المنطقة، وحال تعارض الرؤى الاستراتيجية التي تجمع الحلفاء بمنظومة دفاعية وعسكرية واحدة، مما أدى لخلافات سياسية كبيرة ممكن أن تصل إلى لحروب بآليات الأطراف الفاعلين في المنطقة، بالأشتراك مع أطراف داخلية لإجبار الآخر على تعديل طريقته فى التعامل مع الملفات والقضايا والأهداف المشتركة، والتي تحمل أيضا تضارباً في طريقة التنفيذ.

     أن المنطقة باتت تعانى من الصراعات الدائرة بها، وزاد من ذلك طبيعة الاصطفافات الجديدة التي ينتج عنها مزيدا من التوتر، نتج عن ذلك منافسة شديدة بين كلاً من الولايات المتحدة وروسيا في منطقة الشرق الأوسط، هذه المنافسة وصلت إلى خوض حروب بالوكالة إلى جانب التصعيد العسكري المرتبط بتصدير السلاح الاستراتيجي، فلا غرابة أن تنضمّ تركيا الباحِثة أصلاً عن فُرَص تفوّق استراتيجي في المنطقة، إلى دائرة التنافس تلك لبناء منظومة قوامها التفوّق النوعي وإملاء الرغبات على واشنطن وموسكو، لذلك فأن صفقة صواريخ S-400  الروسية التي أشترتها تركيا من روسيا تكشف عن رغبتها بناء سياسة جديدة، للاستفادة من التناقضات السياسية بين روسيا و الولايات المتحدة.

     ولا يخفى على أحد أن تركيا تحبث عن تفوّق نوعي وتريد امتلاك قوّة للحصول على مكاسب استراتيجية وسياسية فى المنطقة، فهذا يطرح العديد من التساؤلات المحيطة بالدوافع التركية، على اعتبار أن تركيا أحد أعمدة حلف شمال الأطلسي، فنشر هذه المنظومة الروسية المتطوّرة في تركيا، له تداعيات على علاقات أنقرة بحلف الناتو، خاصة مع معارضة واشنطن لذلك مما يحمل تحدّيات تتخطّى جوانب واشنطن الاستراتيجية، وبين روسيا والولايات المتحدة، ويصل تأثيرها لحلف الناتو، تركيا تعمل باستقلالية للدخول في نادي الكبار المؤثّرين والفاعلين في السياسات الإقليمية والدولية، لذلك فهى تصر على أتمام صفقة صواريخ  S-400 الروسية.

المواصفات الفنية لمنظومة صواريخ أس 400 الروسية الصنع:

يطلق عليها بالإنجليزية S-400 Triumf (تريومف) وبالروسيةC-400 Триумф يعرفها الناتو إس إيه-21 غراولر (SA-21 Growler) والمعروفة سابقا باسم (S-300PMU-3)، هى نظام دفاع جوي تم تطويره في التسعينيات من قبل مكتب ألماز للتصميم المركزي في روسيا ونسخة متطورة من أس – 300. ويعمل فى القوات المسلحة الروسية منذ عام 2007. و إس-400 تستخدم أربعة صواريخ مختلفة المدى لتغطية نطاق عملياته: صاروخ (40N6) بمدى (400 كم) للأهداف بعيدة المدى، وصاروخ (48N6) بمدى (250 كم) للأهداف طويلة المدى، وصاروخ(9M96E2) بمدى (120 كم) للأهداف المتوسطة المدى، وصاروخ (9M96E) بمدى (40 كم) للأهداف قصيرة المدى. وقد وصف إس-400، بأنه أفضل أنظمة الدفاع الجوي الموجودة فى العالم حاليا.

    تنطلق صواريخ أس 400 : بسرعة 15 ضعف سرعة الصوت، وتكتشف الأهداف حتى 600 كيلو متر، وتتابع 300 هدف فى وقت واحد، ومداها الفعلى لتدمير الأهداف 400 كيلو متر، وتدمر الصواريخ الباليستية فى مدى من 5 الى 60 كيلو متر، أقصى أرتفاع لإصابة الهدف 27 كيلو متر وأدناها 100 متر، وأقصى سرعة للأهداف التى يمكن تدميرها 4800 كيلو متر فى الساعة، وتدمر 36 هدف فى وقت واحد، وتوجه فى نفس الوقت 72 صاروخا، ويستغرق نشر المنظمة خمس دقائق. وتستطيع صواريخ أس 400 إسقاط جميع الأهداف الجوية بما فيها الطائرات الشبحية وطائرات الإنذار المبكر الأمريكية، وضرب الطائرات قبل إقلاعها من على متن حاملات الطائرات.

     تتصف منظومة الصواريخ الحديثة للدفاع الجوي “إس- 400” (تريومف) خلافا لسابقتها “إس 300 بي إم” بقدرتها على تدمير كافة أنواع الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة التي تحلق بمحاذاة سطح الأرض، والطائرات صغيرة الحجم من دون طيار، وحتى الرؤوس المدمرة للصواريخ ذات المسار الباليستي التي تصل سرعتها إلى 5000 متر في الثانية. وليس بمقدور أية منظومة أخرى متابعة مثل هذا المسار. ويمكن أن تزود  منظومة “إس 400” بخمس أنواع من الصواريخ مختلفة المهام والأغراض. وجاء صاروخ “40Н 6 Е” نموذجا أخيرا استكملت به تشكيلة المنظومة. ويستخدم هذا الصاروخ لتدمير أهداف هامة ومعقدة، بينها طائرات الكشف الراداري البعيد وطائرات الشبح المعادية، وذلك عن بعد 400 كيلومتر.

 تتصارع دول العالم من أجل الحصول على هذه المنظومة، وكانت الصين أول من أشترى هذه المنظومة حيث أشترت ما لا يقل عن 6 بطاريات. وكذلك الهند قامت بشراء خمس بطاريات، بقيمة 5.43 مليار دولار و 6000 صاروخ  بقيمة 6 بلايين دولار فقد وقعت تركيا عقدا فى عام2017 م بقيمة 2.5 مليار دولار لشراء أربع منظومات من إس-400. وأكدت تركيا أنها ستشارك في إنتاج S500 بعد إتمام صفقة  S400. وترددت أنباء عن عزم دول أخرى الاتفاق على شراء تلك المنظومة.

     في عام 2013م عزمت تركيا على شراء نظام دفاع جوي من الصين بقيمة 3.4 مليار دولار، لكنها صرفت النظر عن هذا الأمر بعد ذلك بعامين، لإنها ستعمل على تطوير نظام محلي. وذلك بعد أن رفض الولايات المتحدة تزويد تركيا بصواريخ باتريوت، لكنها لجأت إلى روسيا لشراء هذه المنظومة الصاروخية لأنها ليس أحدث وأقوى منظومة صاروخية بالعالم،  لم يتم التفاوض على الصفقة الروسية ـ التركية بين ليلة وضحاها بل إن عمرها أكثر من عام حيث قرر الرئيس التركي المضي بها في كانون الأول/ديسمبر 2017 للتقرب من روسيا من جهة، وكسر اعتماد أنقرة على الناتو والغرب من جهة أخرى.

     وقد تسلمت تركيا فى متصف يوليو هذا العام أول شحنة من تلك المنظومة كما نص الاتفاق، رغم تحذيرات واشنطن وحلف الناتو بعواقب تؤثر على العلاقة العسكرية والترسانة الجوية لتركيا وقد تضع أنقرة على منعطف جيوسياسي يميل شرقا ولا عودة منه في سياق طموحاتها الأوروبية. كما نصّ العقد أيضاً على التعاون التكنولوجي، أي إمكانية نقل تصنيع بعض عناصر المنظومة إلى تركيا. وحسب مصدر عسكري روسي فأن نحو 100 عسكري تركي سيبدأؤن في أواخر مايو هذا العام التدريب بأحد مراكز التدريب العسكري الروسية، على استخدام منظومات إس-400، وأوضح المصدر أن العسكريين الأتراك سيطلعون على خصوصية هذه المنظومات مع نظرائهم من الجيش الصيني، الذين بدأوا التدريب في المركز نفسه أواسط مارس الماضي. وقد أمتنعت موسكو عن تزويد طهران بهذه المنظومة، بقرار من الرئيس الروسي، لعدم زيادة التوتر بالشرق الأوسط، وفق ما ذكرته وكالة “بلومبيرغ” نهاية مايو الماضي. وتتتميز إس 400الروسية عن باتريوت الأمريكية بالآتى:

= صممت “إس 400” لإسقاط أحدث الطائرات والصواريخ في المدى المتوسط والبعيد، بينما تحمي صواريخ “باتريوت” الأمريكية المنشآت العسكرية المهمة والقواعد الجوية من الهجمات الجوية فقط .

= تتكون منظومة أس 400 من 3 أجزء، أولها 8 وحدات مضادة للطائرات مجهزة بـ12 منصة إطلاق، والثاني يضم أنظمة القيادة والتوجيه والرادارات، والثالث يضم الدعم الفني والصيانة، في المقابل يتكون الجزء الأول من منظومات “باتريوت”، من وحدة الرادار والتحكم النيراني، والثاني يضم مركز القيادة، والثالث يمثل وحدة إطلاق الصواريخ.

= تدمر “إس 400” أهدافا جوية على مدى 250 كم، والصواريخ الباليستية على مدى 60 كم،  بينما يمكن للباتريوت إصابة الأهداف الجوية في مدى 160 كم، والصواريخ على مدى 45 كم.

= يمكن لـ أس 400إسقاط أهدافها في ارتفاعات تتراوح بين 10 أمتار إلى 27 كم، بينما يتراوح مدى “باتريوت” بين 60 مترا إلى 24 كم.

= يغطى رادار “إس 400” دائرة قطرها 600 كم، ويمكن إعدادها للإطلاق خلال 5 دقائق، بينما يغطى رادار “باتريوت” مدى 150 كم، ويحتاج إعداده إلى 30 دقيقة.

= لا يحتاج “إس 400” إلا 10 ثوان لإطلاق صواريخه، بينما يحتاج “باتريوت” 15 ثانية لإطلاق أول صاروخ بعد اكتشاف التهديد.

= يمكن لـ”إس 400″ إطلاق صواريخ بزاوية مقدارها 90 درجة، بينما لا تتجاوز زاوية إطلاق صواريخ “باتريوت” 38 درجة.

= فضلا عن أن روسيا تعمل على تطوير أس 400 بتصنيع أس 500 ليكون النسخة الأكثر فتكا، وفي المقابل يوجد 4 طرازات من صواريخ “باتريوت” الأمريكية تحمل مسميات “باك 1، 2 ، 3″، وأحدثها “باك 3 إم إس إي”..

      وقد أثارت الصفقة تكهنات كثيرة وتساؤلات أكثر حول علاقة تركيا بحلف الناتو ومدى أستمراريتها بالحلف، وهناك من قال أن بعد الصفقة ستكون علاقة تركيا بحلف الناتو فى خطر، وقال البعض أنه حان الوقت لطرد تركيا من حلف الناتو، وفى المقابل هناك أصوات قالت عكس ذلك تماما منها ما ورد على لسان  أمين عام حلف الناتو: متضامنون مع تركيا … و”إس-400″ قرار وطني وهذا ما سنوضحه بعد.

     مع مرور 60 عاما على عضوية تركيا في الناتو حيث أنضمت فى 18 شباط 1952م، أصبح الدور التركي في الحلف أكبر مع التهديدات الأمنية الجديدة والتحديات الإقليمية. فسياسة الناتو توضح أهمية الدور التركي داخل الحلف بالرغم من التناقض بوجود رأي عام تركي يتعاطى مع الغرب بسلبية. ومنذ انضمامها إلى الناتو ومع تحولاتها السياسية، استمرت تركيا في لعب دور هام في التعاون الأوروبي الأطلسي، وخلال الحرب الباردة لعبت دور الجناح الجنوبي في سياسة الناتو في مواجهة الاتحاد السوفيتي. لكن منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وانضمام بلدان سوفيتية سابقة إلى الحلف أصبح وجود تركيا بالحلف موضع تساؤل من الناحية الاستراتيجية.

     إلا أنه بعد هجمات 11 أيلول وتبني الناتو لسياسة جديدة أدت إلى تدخل الناتو في أماكن بعيدة جغرافيا عن أوروبا والأطلسي استعادت تركيا مكانها بالحلف نتيجة تدخل الناتو في تلك المناطق حيث ساعدت الأوروبيين وسهلت غزو افغانستان وقامت أيضا بإرسال قوات تركية وإدارة معسكر قوات التحالف في كابول عامي 2002 و2005. وبلغ عدد الجنود الأتراك الذين شاركوا في عمليات الناتو المختلفة 3250 جندي، 1840 منهم عاملون مع قوات التحالف في أفغانستان، كما أرسلت حوالي 600 عنصر كجزء من التحالف الذي أنجز عمليات الناتو في ليبيا.

أما اليوم، ومع عملية إعادة هيكلة الناتو، سيتم تخفيض عدد مقرات قيادة قوات الناتو العاملة في الخارج من 13 إلى سبعة، ونتيجة لذلك سيتم استبدال قاعدة القيادة الجوية الواقعة في إزمير لتصبح قاعدة قيادة جديدة للقوات البرية، وبذلك ستستضيف تركيا إحدى أكبر مقرات القيادة للناتو على أراضيها. بحسب مسئول شؤون الدفاع والتخطيط  في الناتو فإن تزايد أهمية الدور التركي في الحلف ناتج عن توافق المصالح التركية الاستراتيجية مع مصالح الدول الأعضاء الأخرى.

     وقد سعت تركيا من وراء الأنضمام لحلف الناتو لتحقيق عدة أهداف هى الوقاية من القاعدة السوفيتية في منطقة مضيق البحر الأسود، التى تهدف لتحريك حدود الإتحاد في منطقة القوقاز إلى خط الحدود الروسية العثمانية لعام 1878م. والخوف من التوسع الاديولوجي الشيوعي، والانتفاع إقتصاديا بإدماجها ضمن مخطط مارشال، والدخول تحت حملية مظلة أقوى تحالف عسكرى فى المجتمع الدولى. وقد كان لحلف الناتو أهداف من قبول عضوية تركيا فيه مع أنها دولة مسلمة، وذلك لدفع الخط الحديدي الفاصل بين الناتو والإتحاد السوفيتي إلى ما بعد تركيا واليونان، وتعزيز الردع ضد القوة السوفيتية في الجناح الجنوبي للحلف بالقوة التركية التي تعد الثانية من حيث العدد بعد أمريكا، وتثبيت خط الحدود الروسية العثمانية المعين من عام 1878م. 

     منذ انضمامها للحلف وبالرغم من تحولاتها السياسية، قامت تركيا بلعب دور هام فى زيادة التعاون الأوروبي الأطلسي، لأنها الجناح الجنوبي في مواجهة الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانضمام بلدان سوفيتية سابقة إلى الحلف أصبح وجود تركيا داخل موضع تساؤل من الناحية الإستراتجية. لكن هجمات 11 سبتمبر وتبني الناتو لسياسة جديدة أدت إلى تدخل الناتو في أماكن بعيدة جغرافيا عن أوروبا والأطلسي استعادت تركيا أهميتها بالنسبة للحلف نتيجة تدخل الناتو في تلك المناطق، فقد ساعدت الأوروبيين وسهلت غزو أفغانستان وقامت أيضاً بإرسال قوة تركية وإدارة معسكر قوات  التحالف في كابول عامي 2002 و 2005م.

     ورغم ذلك، كانت هناك حالات توتر داخل الحلف بين تركيا والحلف منها إستياء تركيا من  الحلف إثر قرار أمريكا فرض حضر على بيع الأسلحة لتركيا جراء تدخلها في قبرص سنة 1974م وتعرض تركيا لحصار اقتصادي عسكري من قبل الغرب عام 1975م اتجهت تركيا فى ذات العام لتخفيف تبعية واعتماد تركيا على الدول الأخرى في مجال الصناعات الدفاعية الجوية، فقامت وزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية بخصخصة مؤسسات الدولة للتصنيع الحربي، لذلك سجلت الصناعات الدفاعية التركية تطورا ملحوظا في النصف الثاني من النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. ومنذ تلك الفترة وحتى يومنا حهد تمكن قطاع الصناعات الدفاعية العسكرية التركي من توفر الإكتفاء الذاتي ومن التصدير إلى عديد الدول.

     وعدم تطبيق المادة 5 من معاهدة واشنطن عندما تعرضت تركيا إلى تهديدات خاصة أثناء النزاع الإقليمي بين تركي واليونان حول جزيرة قبرص سنة 1974م، أثناء الصراع بين تركيا وإسرائيل سنة 2010 عقب إستيلاء إسرائيل على السفينة التركية مرمرة وقتل مواطنين اتراك، ودعم دول الناتو للأكراد في سوريا، زيادة انتقادات دول الناتو المتزايدة للنظام التركي الحالي، وزعم إمكانية تورط الناتو في محاولة انقلاب 2016 بتركيا، وعدم السماح لطائرات الناتو بتدخل في العراق إنطلاقا من القواعد التركية أثناء حرب الخليج الثالثة 2003م، ومعارضة تدخل الناتو في ليبيا ضد نظام القذافي والتقرب الأخير مع روسيا ونية الدخول في حلف جديد محتمل بصفقة أس 400.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى