الحلاج (2)

تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (11/ 79)
وكان الحلاج هذا رجلا غويا خبيثا، يتنقل في البلدان، ويموه على الجهال، ويرى قوماً أنه يدعو إلى الرضا من آل محمد، ويظهر أنه سني لمن كان من اهل السنه، وشيعي لمن كان مذهبه التشيع، ومعتزلي لمن كان مذهبه الاعتزال، وكان مع ذلك خفيف الحركات شعوذيا قد حاول الطب، وجرب الكيميا، فلم يزل يستعمل المخاريق حتى استهوى بها من لا تحصيل عنده، ثم ادعى الربوبيه، وقال بالحلول، وعظم افتراؤه على الله عز وجل ورسله، ووجدت له كتب فيها حماقات، وكلام مقلوب وكفر عظيم، وكان في بعض كتبه: انى المغرق لقوم نوح، والمهلك لعاد وثمود، وكان يقول لأصحابه: أنت نوح وأنت موسى، وأنت محمد، قد اعدت أرواحهم الى أجسادكم ويزعم بعض الجهله المتبعين له بانه كان يغيب عنهم ثم ينزل عليهم من الهواء، اغفل ما كانوا، وحرك لقوم يده فنثر منها دراهم، وكان في القوم أبو سهل بن نوبخت النوبختى فقال له: دع هذا وأعطني درهما واحدا عليه اسمك واسم أبيك، وأنا أومن بك، وخلق كثير معى، فقال له: كيف وهذا لم يصنع؟، فقال له: من أحضر ما ليس بحاضر صنع غير مصنوع.
قال محمد بن يحيى الصولي: أنا رأيت هذا الرجل مرات، وخاطبته، فرايته جاهلا يتعاقل، وعيياً يتفصح، وفاجراً يظهر التنسك، ويلبس الصوف.
فأول من ظفر به علي بن أحمد الراسبى، لما اطلع منه على هذه الحال، فقيَّده وأدخله بغداد على جملٍ قد شهره، وكتب بقصته وما ثبت عنده في أمره، فأحضره علي بن عيسى أيام وزارته في سنه إحدى وثلاثمائة، وأحضر الفقهاء، ونُوظِر فأسقط في لفظه، ولم يحسن من القرآن شيئاً، ولا من الفقه، ولا من الحديث، ولا من الشعر، ولا من اللغة، ولا من أخبار الناس فسحفه وصفعه، وأُمِرَ به فصُلِبَ حياً في الجانب الشرقى ثم في الجانب الغربي، ليراه الناس، ثم حبس في دار الخليفة، فجعل يتقرب إليهم بالسنه، فظنوا ما يقول حقا ثم انطلق، وقد كان ابن الفرات كبسه في وزارته الاولى وعنى بطلبه موسى ابن خلف فافلت هو وغلام له، ثم ظفر به في هذه السنه، فسلم الى الوزير حامد، وكان عنده يخرجه الى من حضره فيصفع وينتف لحيته.
وأُحضر يوماً صاحب له يعرف بالسمرى فقال له حامد الوزير: أما زعمت بان صاحبكم هذا كان ينزل عليكم من الهواء، اغفل ما كنتم؟ قال: بلى، فقال له: فلم لا يذهب حيث شاء، وقد تركته في دارى وحده، غير مقيد؟!!
ثم أحضر حامد الوزير القاضى والفقهاء واستفتاهم فيه، فحصلت عليه شهادات بما سُمِعَ منه أَوْجَبت قتله، فعرف المقتدر بما ثبت عليه، وما أفتى به الفقهاء فيه، فوقع إلى صاحب شرطته محمد بن عبد الصمد بان يخرجه إلى رحبه الجسر، ويضربه الف سوط، ويقطع يديه ورجليه، ففعل ذلك به، ثم احرقه بالنار وذلك في آخر سنه ثلاثمائة وتسع.
تجارب الأمم وتعاقب الهمم (5/ 86)
وفى هذه السنة قبض على الحسين بن منصور الحلّاج بالسوس، وأدخل بغداد مشهّرا على جمل، وكان حمل إلى علىّ بن أحمد الراسبي، فحمله عليّ إلى الحضرة، فصلب وهو حىّ، وصاحبه وهو خال ولده معه فى الجانبين جميعا، وحبس الحلّاج وحده فى دار السلطان وظهر عنه بالأهواز وبمدينة السلام أنّه ادّعى أنّه إله وأنّه يقول بحلول اللاهوت فى الأشراف من الناس.
تجارب الأمم وتعاقب الهمم (5/ 139)
وادّعى أصحابه أنّ المضروب كان عدوّا للحلّاج ألقى شبهه عليه. وادّعى بعضهم أنّه رآه وخاطبه فى هذا المعنى بجهالات لا يكتب مثلها. وأحضر الورّاقون وأحلفوا أن لا يبيعوا شيئا من كتب الحلّاج ولا يشتروها.
الإنباء في تاريخ الخلفاء (صـ 157)
وفي أيام حامد بن العباس صلب الحسين بن منصور الحلّاج بعد ما ظهرت منه أمور اقتضت إباحة دمه فصلبوه بفتوى قاضى القضاة أبى عمر وجماعة الفقهاء. وكان جماعة من أهل بغداد يحتفظون ببوله في القوارير وبنجاسته في البراني. وكان من جملة هؤلاء القوم نصر القشوري الحاجب وعدّة من خواص الدار. وظهرت له فضائح لا يحسن ذكرها
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (13/ 201)
– الحسين بن منصور بْن محمى الحلاج، ويكنى أبا مغيث، وقيل: أبا عبد الله :
وَكَانَ جده محمى مجوسيا من أهل بيضاء فارس، ونشأ الحسين بواسط، وقيل: بتستر، ثم تتلمذ لسهل التستري، ثم قدم بغداد وخالط الصوفية، ولقي الجنيد والنوري وغيرهما، وَكَانَ مخلطا ففي أوقات يلبس المسوح، وفي أوقات يلبس الثياب المصبغة، وفى أوقات يلبس الدراعة والعمامة، ويمشي بالقباء على زي الجند، وطاف البلاد، وقصد الهند وخراسان، وما وراء النهر، وتركستان. وَكَانَ أقوام يكاتبونه بالمغيث، وأقوام بالمقيت، وتسميه أقوام المصطلم، وأقوام المخير. وحج وجاور، ثم جاء إلى بغداد واقتنى العقار وبنى داراً، واختلف الناس فيه، فقوم يقولون: إنه ساحر، وقوم يقولون: له كرامات، وقوم يقولون: من مس.
قَالَ أَبُو بكر الصولي: قد رأيت الحلاج وجالسته ، فرأيت جاهلا يتعاقل، وغبيا يتبالغ، وفاجرا يتزهد، وَكَانَ ظاهره أنه ناسك صوفي، فإذا علم أن أهل بلدة يرون الاعتزال صار معتزليا، أو يرون الإمام صار إماميا، وأراهم أن عنده علما من إمامتهم، أو رأى أهل السنة صار سنيا وَكَانَ خفيف الحركة مشعبذا، قد عالج الطب، وجرب الكيمياء، وَكَانَ مع جهله خبيثا، وَكَانَ يتنقل في البلدان.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، قال:
قَالَ عَلي بْن أَحْمَد الحاسب: سمعت والدي، يقول: وجهني المعتضد إلى الهند وَكَانَ الحلاج معي في السفينة، وهو رجل يعرف بالحسين بْن منصور، فلما خرجنا من المركب، قلت له: في أي شيء جئت إلى هاهنا؟ قال: جئت لأتعلم السحر، وأدعو الخلق إلى الله تعالى.
فلما شاع خبره أخذ وحبس ونوظر واستغوى جماعة، فكانوا يستشفون بشرب بوله حتى إن قوماً من الجهال قالوا إنه إله، وإنه يحيي الموتى.
المختصر في أخبار البشر (2/ 70)
مقتل الحُسين بن منصور الحلاج
كان الحسين بن منصور الحلاج الصوفي، يظهر الزهد والتصوف، ويظهر الكرامات، ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمد يده إِلى الهواء، ويعيدها مملوءة دراهم، عليها مكتوب قل هو الله أحد، ويسميها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما أكلوه، وما صنعوه في بيوتهم، ويتكلم بما في ضمائرهم، فافتتن به خلق كثير، واعتقدوا فيه الحلول، واختلف الناس فيه، كاختلافهم في المسيح، فمن قائل إِنه قد حلّ فيه جزء إِلهي، ومن قائل إِنه ولي.
وفي الآخر إِن الوزير رأى له كتاباً، حكى فيه أن الإنسان إِذا أراد الحج، ولم يمكنه، فرَّد من داره بيتاً نظيفَاً من النجاسات، ولا يدخله أحد، وإذا حضرت أيام الحج، طاف حوله، وفعل ما يفعله الحجاج بمكة، ثم يجمع ثلاثين يتيماً، ويعمل أجود طعام يمكنه، ويطعمهم في ذلك البيت، ويكسوهم، ويعطي كل واحد منهم سبعة دراهم، فإِذا فعل ذلك كان كمن حج، فأمر الوزير بقراءة ذلك قدام القاضي أبي عمرو، فقال القاضي للحلاج: من أين لك هذا؟ فقال: من كتاب الإخلاص للحسن البصري فقال له القاضي: كذبت. يا حلال الدم، قد سمعناه بمكة، وليس فيه هذا.