مقالات

لماذا فضلت أمريكا الأتراك على الأكراد؟

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

العنوان ذاته مثير للتساؤلات قبل أي مناقشة وبيانات ومعلومات. فهل فعلاً فضَّلت أمريكا الأتراك على الأكراد؟ وما سر هذا التناقض مع السياسات الأمريكية السابقة في دعم الأكراد ضد تركيا؟

إن الاتفاق التركي الأمريكي على وقف أو تعليق عملية نبع السلام أعطى انطباعات قطعية أو شبه قطعية للجميع بأن أمريكا تخلت عن الأكراد وفضلت تركيا على الأكراد على الرغم من كل الدعم الهائل الذي قدمته أمريكا للأكراد عبر السنوات القليلة المنصرمة على أقل تقدير. بما يؤكد القاعدة المتفق عليها على أمريكا وهي سهولة تخليها عن الحليف أو العميل في أي لحظة حرجة.

هل هذه هي حقيقة ما حدث أم ثمة أسرار ومداخلات ومخارجات في الأمر؟

لأبدأ بأنَّ أمريكا فضلت تركيا على الأكراد. ولنبدأ بالحقيقة التاريخية المعاصرة من دون إيغال في الماضي:

ما عدا أقل من العشرين سنة الأخيرة فإنَّ نحو مئة سنة مضت من سيطرة العلمانية على الحكم في تركيا، وكانت  تركيا في الوقت ذاته شريكة للغرب في كل المجالات والتفاصيل على الصعد السياسية والعسكرية على أقل تقدير. وربما الأكثر لما سترى بعد قليل، ومع ذلك:

لم تحظ تركيا يوماً بالرضى الغربي ومنه الأمريكي!!!

ولم تنل تركيا يوماً ثقة العالم الغربي مع مختلف الظروف والممارسات العلمانية التركية بما فيها إعدام مندريس لأنه كان يصلي مروراً بإغلاق المساجد ومنع الأذان ومحاربة المظاهر الإسلامية بدءاً من اللغة العربية إلى اللباس وهلم جرًّا في سلسلة طويلة…

فعلت تركيا ذلك كله ولم تستطع على مجال ثلاثة أرباع القرن أن تحظى برضى الغرب ولا بثقته. فلم تفتح أوروبا حدودها لها بأي حال من الأحوال لا للسياحة ولا للتجارة في الوقت الذي كانت وما زالت هذه الحدود مفتوحة مع الدول الأوروبية الشرقية على الرغم من الصراع الأيديولوجي والعسكري بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة.

وتأسَّس الاتحاد الأوروبي عام 1990م بحلته الجديدة وعملته الموحدة وإلغاء الحدود رسميًّا اعتبار دول الاتحاد الأوروبي دولة واحدة… ومنذ ذلك الوقت لم تقبل دول أوروبا أن تكون تركيا ضمن هذا الاتحاد في الوقت الذي كلما استقلت فيه دولة عن الاتحاد السوفيتي يتم ضمها خلال ساعات للاتحاد الأوروبي علماً أن تركيا عضو مؤسس في اتفاقيات التجارة الأوروبية الحرة واتفاقية الاتحاد الأوروبي في الأربعينيات من القرن العشرين.

ووصل الأمر بجاك شيراك إلى أن قال يوماً في بدايات الاتحاد الأوروبي: «إذا انضمت أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي فإني لا أستبعد ضم بنغلادش إلى الاتحاد الأوروبي»، وبعد ذلك بعشرين سنة تقريباً قال ديفيد كاميرون رئيس الوزارء البريطاني: «من الصعب تحيل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قبل عام 2500م».

فكيف يمكن الاقتناع بأن الغرب يمكن أن يفضل تركيا؟

كررت مراراً إن حملة الهيجان الاحتجاجي على تركيا ليس بسبب عملية نبع السلام في سوريا ولا بحال من الأحوال… وإنما كانت عملية نبع السلام فرصة لتفريغ الحقد الكامن وتبرير الحرب على تركيا على الأقل اقتصاديًّا.

نعم، الحرب على تركيا اليوم بسبب لبسها الثوب الإسلامي النظيف. ولكن قبل ذلك أيام العلمانية لماذا كان عدم قبول تركيا؟

الجواب ببساطة لأنها مسلمة وسيظهر إسلامها في أي وقت. والدليل على ذلك إلى جانب ما سبق أيضاً أن السيناتورين الأمريكيين غراهام وفان هولن فور إعلان على الاتفاق الأمريكي التركي خرجا في مؤتمر صحافي يوم الخميس 17 /10 / 2019م وأعلنا أنهما وأمريكا ماضون في استمرار فرض العقوبات على تركيا على رغم قبول تركيا الطلب الأمريكي بوقف إطلاق النار. وتبعهما في ذلك السيناتور ميت رومني بطريقة مشابه. وكذلك دول الاتحاد الأوروبي جمعاً وفرادى أعلنت ما يشبه رفضها الاتفاق وما يعني أن إجراءاتها العقابية ضد تركيا لن تتغير.

إذن المنطق يقول إنَّ أمريكا والغرب يفضلون الأكراد على الأتراك.

إذا قرأت أول سطر من الفقرة السابقة على هذا السطر يجب أن تدرك الحقيقة من دون تعقيب ولا تعليق.

إذا كانت تركيا بكل ما قدمته من محاربة الإسلام في  الحقبة السابقة، وما قدمته من تنازلات للغرب، وما تقربت به من الغرب، وقلدت به الغرب… لم تستطع على مدار أكثر من سبعين سنة أن تنال رضاء الغرب أو ثقته فهل سيكون الأكراد العلمانيون أكثر حظوة من تركيا العلمانية؟

من البلاهة بمكان الظن أن هذا الفريق العلماني الكردي القليل سيكون أفضل عند  الغرب من تركيا الدولة الكبرى القوية العلمانية.

لا يمكن ذلك بحال من الأحوال؟

الأحزاب الكردية العلمانية ليست أكثر من ورقة ضغط وابتزاز لتركيا وسوريا والعراق وكان ما كان في العراق مما نراه من القضاء على الدولة بهذه الورقة. وهذا ما يريدون لسوريا وتركيا، يستخدمون الحركة الكردية العلمانية أداة للتفتيت والتقسيم والخلافات والحروب… ومن ظن خلاف ذلك فعليه أن يغسل عقله بمبيد حشري لعله يتطهر من جراثيم بلاهة التفكير.

أصلا وقبل أي مناقشة يجب أن نتساءل:

ما  السر الذي يدفع بأوروبا وأمريكا إلى دعم الحركات العلمانية الشيوعية الكردية على سبيل  المثال، وثمة غيرها، في حين أن أساس الصراع مع الاتحاد السوفييتي سبعين سنة هو أن الاتحاد السوفييتي علماني، شيوعي، ملحد؟

أي منطق يمكن أن يحكم هذا التناقض الصارخ؟

أي منطق يمكن أن يفسر لنا هذا التناقض؟

حسناً، للنظر في الذرائع الغربية؛ الأوروبية والأمريكية وسلوكاتها في تفضيل الأكراد ومدى حقيقتها. بداية يجب أن ندرك أن العملية التركية لم تتم بضوء أخضر أمريكي ولا برضى أمريكا، والذي حدث هو أنه مجرد اتصال أردوغان بترامب وإبلاغه أن العملية ستبدأ غداً أعلن ترامب سحب جيشه عشوائياً من مناطق العملية وترك الأكراد يواجهون مصيرهم بمفردهم من دون أي تخطيط أو تنسيق، الأمر الذي اضطر الطيران الأمريكي بعد ثلاثة أيام إلى القيام بعملية عسكرية شمال سوريا استهدفت مركبات وذخيرة أمريكية تركها الجيش الأمريكي لدى هروبه العشوائي من الشمال السوري كما ذكرت رويتر في 17/ 10/ 2019م.

وقبل ذلك بيوم قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر على تلفزيون فوكس نيوز: «تركيا لم تأخذ الضوء الأخضر من أمريكا لتنفيذ عملياتها، كل ما في الأمر أن الرئيس أردوغان اتصل بنا ليقول لنا :إنه سيبدأ العملية غدا»… وبالتأكيد سيليها: «لملموا أشياءكم واذهبوا»، وهذا ما كان بالفعل. هربوا سريعاً وتركوا الأكراد وحدهم في المعركة… وهذه هي العادة الأمريكية منذ نشأتها وليست حديثة.

ولولا الضغط الشعبي والسياسي الأمريكي على ترامب وكذلك الضغط الأوروبي على أمريكا دفاعاً عن الأكراد لما اضطر ترامب إلى الإلحاح على أردغان والإصرار على الوصول إلى أي حل يظهر به ترامب منتصراً ولو كذباً، وهذا ما كان.

حسناً، لماذ كان كل هذا الضغط الأوروبي والأمريكي على ترامب والاحتجاجات الشديدة للدفاع عن الأكراد؟

قلت من قبل وأكرر: هذا الهيجان الهستيري ليس حباً بالأكراد ولا للفاع عنهم، لأنَّ الأكراد لا يشكلون أي ذرة في ميزان الاهتمام الغربي ولا بحال من الأحوال، وإنما هذا الهيجان هو صب أحقاد على تركيا، فرصة لا تتكرر كثيراً للغرب ليفرغ جام حقده على تركيا المسلمة، واستغلال هذه الفرصة لاتخاذ إجراءات محرجة لأردوغان وتركيا. فقط وفقط هذه هي الحقيقة.

ولننظر في مشهدين فقط من مشاهد الأمس المدافعة عن الأكراد. ولنفكر في ذلك مليًّا؟

المشهد الأول محلل سياسي فرنسي، للأسف فاتني تسجيل اسمه، قال:إن تعاطف فرنسا مع الأكراد له أسباب تاريخية، وهي أنَّ زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران ليست كردية ولكن لها صديقة كردية، وكذلك الأمر فإن زوجة الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون صديقتها لها صديقة كردية!!!

إذا بحثت في كتب البشرية كلها منذ أول كتاب إلى هذه الساعة لا يمكن أن تجد هزلية تفوق هذه الهزلية… سخافة عجيبة سريالية على هستيرية على شيزوفرينية على عصابية…

وما بال حيرانكم الألمان والإنجليز والطليان والإسبان والبلغار والرومان؟؟؟

أيعقل مثلا أن تكون صديقة زوج أنجيلا ميركل كردية أيضاً؟ ويجب أن نرجع إلى الوراء ليكون التعاكف تاريخيًّا فسنجد أن المستشار هلموت كول كان سيتزوج واحدة كردية أو أن زوجته كانت تدرس اللغة الهندية مع صديقة كردية!!!

تفسير تافه سخيف يستحق دخول موسوعة جينيس.

في اليوم ذاته أي أمس الجمعة 18/ 10/ 2019م خرج علينا ألكسندر سيفرين رئيس المجلس الأوروبي شخصيًّا ليعلن احتجاجه واحتجاج الاتحاد الأوروبي على اتفاق وقف إطلاق النار الذي وصل إليه الأمريكا والأتراك ويقول مضيفاً: «هذا ليس اتفاق وقف إطلاق نار، هذا فرض إذعان على الأكراد»!!!

كل اتفاقيات الإذعان التي فرضت على السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين لم تثر حفيظة الأوروبيين ولا الاتحاد الأوروبي، أمام اتفاق وقف إطلاق النار الذي رخبت به الفصائل الكردية المستهدفة ذاتها فهو غير مقبول أوروبيًّا ويعد اتفاق إذعان للأكراد… الأكراد فرحوا به ولم يروه اتفاق إذعان بينما أوروبا تراه اتفاق إذعان!!

دعك من أي شيء، وانظر في الموضوع من جديد؟

بأي صفة يحق لهذه الميليشيات الكردية أن تحمل السلاح في ظل الدول التي ينتمون إليها؟

هم لا يدافعون عن الأكراد وإنكا يدافعون عن الفوضى في المنطقة العربية والمسلمة.

المسألة ليست مسألة تخلي عن الأكراد.

الخطاب الأمريكي في التخلي عن الأكراد استهلاكي للتمويه.

والخطاب الأوروبي في الدفاع عن الأكراد أيضاً استهلاكي وللتمويه؟

المسألة هي مسألة الحرب على تركيا وعلى بلاد المسلمين.

أي دولة مسلمة ترفع رأسها إسلاميًّا يجب أن يحطموها.

فهل فهمنا أم سيفوتنا القطار قبل الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى