مقالات

المتاجرة بالأقليات

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا وبالتحديد بعد خروجي من سجن حافظ الأسد ومع بداية مرحلة جديدة من العمل السياسي الحقوقي في سورية، بدأت العديد من الشخصيات السياسية، من الدول الغربية، تزورني في مكتبي أو في بيتي.

كانت أحاديث معظمهم تتمحور حول الأقليات في سورية، سواء الأقليات الدينية أو الأقليات العرقية، وبين كل ذلك السؤال المتكرر: ما هو مصير الإخوان المسلمين؟

ومعلوم أننا كنا في أوائل التسعينيات، قد أجهدتنا المواجهات مع (نظام البعث العلوي) الذي كان بقيادة حافظ الأسد.

فمن أحداث حماة الأولى ١٩٦٤ التي قادها المرحوم مروان حديد، وكان رأس الدولة وقتها أمين الحافظ، وانتهت بتوجه قطعات من الجيش فقصفت جامع السلطان، ودمرته وانتهت حركة مروان حديد إلى الهزيمة المتوقعة، فبغض النظر عن صحة وجهة نظره من الناحية النظرية، إلا أنها في التنفيذ تظهر تهورها وعدم إمكان تنفيذها في مواجهة سلطة دولة تملك كل مكامن القوة والدعم، منفلتة من كل القيم، وقد أثبتت الأحداث اللاحقة ذلك.

ثم أحداث حماة التي ترافقت مع حركة النقابات العلمية، والتي كانت بحق من أهم مراحل النضال النقابي والمجتمع المدني، من أجل الحرية والكرامة، واستمرت منذ عام ١٩٧٨، وحتى مطلع ١٩٨٠ حين تم حل النقابات العلمية، محامون، أطباء مهندسون، وتم اعتقال القيادات النقابية وأودعوا في السجون، ثم وقعت أحداث حماة ١٩٨٢ والتي دفع فيها حافظ الأسد بسرايا الدفاع والوحدات الخاصة، وآليات عسكرية وتم تدمير ثلث المدينة، واستباحتها الوحدات العسكرية التي تغلغلت في مفاصل المدينة وارتكبت، من المجازر ما يندى له جبين الإنسانية، وكانت حصيلة الأحداث أكثر من سبعين ألفًا من الشهداء، منهم في حماة وحدها ثمانية وأربعون ألفًا، فضلاً عن حوادث الاغتصاب وانتهاك الحرمات، ومن استشهد في حلب وجسر الشغور، وغيرها، وكان كما في كل مرة الجيش هو الذي ارتكب هذه الموبقات .

أمام كل هذه المآسي التي حلت بشعبنا في سورية، لم أجد من كل من كان يزورني من السياسيين الأجانب من يحدثني بها أو عنها، ففضلًا عن إغداق المليارات من الدولارات من دول الخليج لدعم نظام الإجرام في دمشق، فقد كان محور حديث، هؤلاء الدبلوماسيين يدور حول، الأقليات، الدينية أو الأثنية، في الغالب، وكذلك يتحدثون بمصير الإخوان المسلمين، لا بداعي الخوف، بقدر ما هو للاستعلام !

وأما الآن ومع انطلاق الثورة السورية التي استهدف فيها، المسلمون السنة، فشرد منهم الملايين في داخل البلاد وخارجها، وطال القصف – حصريًا – مناطقهم، وتم تدمير المشافي والمدارس والمساجد، والتجمعات المدنية، وهجر سكانها، حتى تجاوز الشهداء مليونًا من البشر منهم أكثر من ثلاثين ألفًا من الأطفال ومثلهم من النساء، وتم تغييب آلاف من الفتيات الصغيرات والنساء في السجون، ويجري الاعتداء عليهن في السجون بصورة ممنهجة، وقد ماتت العديدات منهن نتيجة هذه الأعمال الهمجية، ولم ير العالم (الحر) ما يوجب التحرك لنصرة هذا الشعب، وكذلك لم نجد في إخوتنا من (العربان) نخوة لنجدة هـؤلاء اللواتي وقعن ضحية همجية طائفية تقودها إيران الملالي وأذرعها الذي ساقتهم لقتل شعبنا وانتهاك حرماته .

من العجيب أن أمريكا وفرنسا اللتين تحميان مجموعة من الأحزاب الكردية التي أتتنا من جبال قنديل ومن تركيا، و شكلت مع بعض الانتهازيين من العرب السوريين مجموعة مقاتلة تحت اسم (قسد) بهدف تقسيم سورية وإقامة ما يسمى (كردستان  سورية)، وقد سيطرت بمعونة الأمريكان والروس والصهاينة على معظم منطقة الجزيرة الغنية بالنفط والغاز والمياه، وأقامت ما يسمى إدارة ذاتية وسنّت القوانين، في تمهيد فضح نواياهم في سلخ جزء من سورية تحت اسم كردستان سورية، والغريب أن لدى الأكراد شمال العراق باسم كردستان، وهي مناطق للغالبية الكردية من العراقيين، ومع ذلك لم يعلنوها دولة لهم! وإنما استغل هؤلاء انشغال السوريين بصراعهم مع عصابة الإجرام في دمشق، وكذلك تعاطف الغرب مع الأقليات للسيطرة على المنطقة.

ومن الغريب حقًا أن نجد جامعة الدول العربية، تتحرك سريعًا، كما تحركت سابقًا حين دخل صدام حسين الكويت، فعقدت اجتماعًا خلال ٢٤ ساعة مهد للغزو الأمريكي للعراق، ما أدى لتدميره ثم سلمت أمريكا العراق لإيران، والآن تتمدد دولة الملالي في الدول العربية بتواطؤ أمريكي روسي، فهل تكرر جامعة الدول العربية خطيئتها فتمهد لعمل ضد تركيا التي احتضنت السوريين وقدمت لهم مالم تقدمه الدول العربية مجتمعة؟! وأما ما يسمى (المجلس الوطني) الكردي والذي أنشئ عنصريًا في مقابل المجلس الوطني السوري، فهو لا يمثل الإخوة الأكراد المنتشرين على كافة مساحة الجغرافية السورية. والذين هم سوريون، إخوة لنا في الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى