مقالات

الحقيقة والواقع والخيال

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

بعد مدة قصيرة من الاحتلال الامريكي للعراق ترددت الى اسماعنا أقاويل تؤكد أن الخير والتغيير سيكون في تموز . ثم تبعها نيسان القادم . لكن الحقيقة والخبر الصادم أن لاحلَّ ولاتحرير وماهو إلا ضعفٌ في البصيرة وسوء تقدير . وبعدها اتفقنا وقررنا وقريبا جدا وعُقدت المُؤتمرات وتأسست الجبهات والتنظيمات وهرول الثوار وصرخ الأحرار واقتربنا من الأسوار . بل نحن داخل الدار واتضح أنها ايضا مجرد اخبار .

ودُعيت الدول العربية الى القِمَم وتعالت الهِمَم وحضرها المُلوك والقادة واصحاب السيادة والرؤساء الرمم وأخذ كلا منهم غفوة أمام عدسات الكاميرات ليرينا خيبتنا في التلفاز على الشاشات وعادوا وعدنا ومنحوا الكنيسة الغربية مليارت الدولارات . ولكن … المزيد من الذل والهوان والتراجع الديني والأخلاقي والعلمي والفقر والأمية والموت . ثم مليارات أخرى الى الكنيسة الشرقية وكذلك … الجوع والظلم والبؤس والمخدرات والضياع . وفي قصورهم وبين الحراس والخدم والحشم وعاهراتهم والرعاع . الإسلام والعروبة ضاع . والنساء تم بيعهُنَ سبايا . وشعوبنا هُجرت وهي تسكنُ الان في المُخيمات .

كنت سعيدا لأن والدي رحمه الله شارك في حرب 48 ولكن جرحه ودمه الذي نزف على ترابها الطاهر لم يكن ذا جدوى . فقد فقدنا البيت والمأوى . وشعوبنا ملَّت الأمل رغم أنه محرك الحياة . وكنا نزهوا بالمناصب والرتب في القادسية الثانية حين رأوا منا البأس والغضب وادبناهم وأسقينا الخميني كأس السم الذي أعاده لنا كواتم ومُفخخات وأحرقوا الارض وكل ما فوقها وتحتها مات .

قلنا لهم منذ أمد بعيد بأن حدودكم وصلها العبيد ولكنهم تجاهلوا صرخاتنا فهل يعقل أنهم لايخشون لدغة الافعى ام انهم معها على وفاق واتفاق وإلا لماذا لم تدركوا أنفسكم وتقضوا عليها وأنتم تعرفون الذين تخشاهم والقادرين على الفتك بها . أليس لديكم مُستشارين يفهمون ويُحذرونكم ؟ نعرف ما يجري رغم الحزن الذي يطوقنا والألم وهم في قصورهم لايرون الحقيقة ؟ ام ان الكل مشترك في اللعبة ؟

وكلما برز بصيصٌ من الأمل في دولة او شخص او تنظيم . تبين أنه الادهى من سابقيه ومليءٌ بالخلل . هذا لأننا نفشل دوما في التوقع لأنه مبني على الاوهام والمعلومات والافكار الخاطئة الغير دقيقة والاحلام والمشاعر والتصورات البعيدة عن الواقع …

إنها الاشاعات : المعلومات أو الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها أو الترويج لشيء مختلق لا أساس له من الواقع أو يحتوي جزءاً ضئيلاً من الحقيقة . كل قضية أو عبارة يجري تداولها شفهياً دون معايير أكيدة لصدقها . كلام هام انتشر بسرعة ليس له وجود . او قد يكون ضغط اجتماعي مجهول المصدر يحيطهُ الغموض والإبهام وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات وإنما من اجل التحريض والإثارة .

عرفنا الحرب النفسية والاقتصادية والخداع والاحتيال والتخفي وكيف تسرق وتتعلم أحسن الفنون والقتل والاغتصاب والتدمير بالقانون فقد طبقت علينا الإشاعات الزاحفة والسريعة الطائرة والراجعة والاتهامية الهجومية والاستطلاعية والاسقاط والإشاعات المتعلقة بالشرف والتبرير التي تطلقها علينا كل حين المرجعية وحكومة المنطقة الغبراء وإشاعـة التوقع والخوف والكراهية واكثرها التي سأمناها هي شائعة الأمل : رغم أننا نعلم ان دافعها عدم اليأس من وقوع حدث سار في المُستقبل كالنصر في زمن الحرب .

يقول مونتغمري ( يتوقف سريان الإشاعة على الشك والغموض في الحدث فحينما تعرف الحقيقة لا يبقى مجال الإشاعة) فهي محاولة لتبادل العلم بالواقع ومشكلاته في ظل نظام إعلامي يحاول الحيلولة دون هذه المعرفة لذا يعتبر بعض الباحثين أنها مجرد بديل يعوض غياب الحقيقة الرسمية . فهي تنتشر عندما تتوقف المُؤسسات التي من المفروض أن تقدم مهامها الحقيقية .

كما أن لا أحد يجرؤ أن يقول أن كل الصروح التي تسمى مراقد هي مجرد دكاكين لجمع الأموال واشباع الرغبات الجنسية والنفسية لن يجرؤ أحد أن يقول ان العراق ضاع ولن يعود أبدا في ظل هذا التخبط والتدهور والتراجع في كل شيء . بل إن الانهزام الفكري الذي أصيب به المثقفون الآن اكثر واخطر من الجهلة فهم يحاربون الاسلام الآن ظنا منهم أن مايرونه من عمائم الشياطين هو الدين ولهذا علينا تدارك هذه المصيبة لإعادة قادة المجتمع الى صوابهم فالكثير منهم لديه اضطراب في الشخصية تسبب في تغيير افكارهم التي ادت الى ارتباك السلوك حتى اصبح بائسا لايطاق تفوح منه رائحة الكذب والمهادنة والضحك على الذقون والتحليلات الساذجة الوضيعة .

قدموا المزيد من ابنائكم قرابين على مذبح الرهبر الكبير ولن تجدوا إلا الموت الذي سيتكرر حتى يتقرر فالأرض لن تتحرر الا اذا ارتوت من دماء ابنائها وعطَّر ثيابها البارود والكرامة والمجد لن يعيدهُ إلا الابطال والتاريخ لاتصنعهُ إلا البندقية وهكذا فقط سنكسب القضية وتعود الهوية …

وتشرقُ علينا مرة أخرى شَمس الحُرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى