مشهد من مشاهد معاناة السوريين، التي لطالما فضحت خداع منظمات حقوق الإنسان وكذب الإنسانية، فالأطفال المشردون يتخذون من الشوارع والأزقة بيوتا، عمادها جدران الطرقات أو سياج الحدائق، وسقفها سماء ظلماء، بعدما أجبروا على هجر بيوتهم التي دمرها النظام خلال حملات قصف ممنهجة طالت العديد من المدن السورية وأريافها، حيث صار فراشهم أرصفة الطرقات وتراب الحدائق، عتبات المتاجر وسادتهم، وجرائد الأخبار والصحف ملاحفهم، وبقايا الطعام طعامهم إن وجد، وسط إهمال الحكومة وانشغالها في تشريد المزيد من الأطفال.
تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عامًا، تتعدد قصصهم بين القصف والتهجير، وفقدان العائلة والضياع، بينما أجبروا على هجر بيوتهم التي دمرها النظام خلال حملات قصف ممنهجة طالت العديد من المدن السورية وأريافها، أو فقدوا عائلاتهم ضحايا قصف واعتقال أو نزوح وتهجير، منهم اليتيم ومنهم اللطيم ومنهم الفاقد المفقود.

تتنامى ظاهرة تشرد الفتيان في شوارع دمشق، وتمضي بهم الأيام دون دراسة أو عمل أو حتى دفئ حضن أم أو رعاية عائلة، فيما يدفع هؤلاء الفتيان فاتورة حرب مستعرة لا تبدو ملامح خمودها قريبة، في ظل توافد المزيد من الدول الكبرى إلى حلبة الصراع السورية، وفي ظل سلطة الأسد ونظامه الذي فشل في إيجاد حل لهذه الظاهرة، تحت شعار باقين مستبدين لزيادة الدمار والمشردين.
لا تجد مكانًا محددًا لإقامة الأطفال المشردين، فهم يتنقلون من مكان إلى آخر بشكل يومي، بعدًا عن استفزاز المارة لهم بشكل متكرر بنظرات تكون إما شفقة أو نظرات قرف واشمئزاز، وهربًا من شبيحة النظام واللجان الشعبية، الذين لطالما اعتقلوهم لسرقة ما يجنون من نقود قليلة بعمل بسيط كبيع المناديل الورقية أو العلكة أو صدقة قليلة من عطف أهل الخير عليهم.

ومع عجز النظام والمنظمات الأممية عن معالجة ظاهرة التشرد في دمشق، تزداد المخاطر التي تواجه الأطفال المشردين، من استغلال واغتصاب أو استعباد، ناهيك عن انخراط بعضهم في مجتمعات خطيرة، مثل تجارة المخدرات أو الدعارة وغيرها الكثير.
حيث نشأت في الآونة الأخيرة شبكات تسول منظمة في دمشق، يقودها بعض من المسؤولين والشبيحة، الذين يعملون على استغلال الأطفال المشردين، حيث يرسلونهم بشكل يومي إلى الأسواق وإشارات المرور والمساجد، وغيرها من الأماكن الحيوية، مقابل تأمين السكن والطعام لهم وعدم تركهم في الشارع.
ومن أحد وجوه المخاطر الأخرى، إدمان رائحة الشعلة والبنزين ومواد كيماوية أخرى، فبحذر شديد وهربًا من عيون الرقابة يواظب الأطفال المشردون إدمانهم على استنشاق مادة الشعلة في ملاذهم الأخير بين أشجار الحدائق أو الأماكن المظلمة على قارعة الطرقات، يطلبون المزيد من روائح تخدّر أجسادهم الصغيرة النحيلة المتعبة، لعله هروب من واقعهم، أو بمثابة مصيدة ممن يستغلون براءتهم بأعمال التسوّل.
ومما يزيد الأمر بؤسًا وتعقيدًا، أن غالبية هؤلاء الأطفال لا يوجد لديه أية أوراق ثبوتية، حيث بقيت في منازلهم المهدمة أو أنه لا يوجد لديهم بالأصل لأسباب عدة، خصوصًا أنهم مازالوا تحت السن القانوني ولا يملكون بطاقات شخصية حتى، وهذه مشكلة كبيرة فهم غير معترف بهم من أي جهة، لا من الجمعيات الخيرية ولا حتى من الحكومة ودوائرها.
لقد تفاقمت في الأشهر الأخيرة ظاهرة التشرد في مدينة دمشق، خصوصا بين الأطفال الذين فقدوا ذويهم، والذين ينتشرون بشكل كبير في الساحات وتحت الجسور الرئيسة وبين الأسواق، ومع قدوم الشتاء، تزداد المعاناة بما يفوق الواقع، ففي كل عام تسجل حالات وفاة عديدة للأطفال المشردين بسبب البرد وانعدام الغذاء الكافي والمرض، كما أن هذا حال مئات العائلات المشردين في دمشق، فبعد مرور تسع سنوات عجاف على الحرب، ما زالت مئات العائلات يقطنون في الحدائق و يقتاتون على بقايا الطعام و على صدقات المارة، كما اتخذ البعض منهم من التسول مهنة لكسب بعض المال، ما يعينه على البقاء على قيد الحياة في الوقت الذي يتبجح فيه كبار المسؤولين ورموز النظام في تبذير الأموال على ملذاتهم الشخصية من أموال الشعب، الذي يعانق الموت كل يوم، وعلى حساب دمائه، تحت مظلة الأسد وحلفائه، الذي يبذخ بسخاء لقتل وتشريد المزيد من الأطفال والعوائل، فلا هم له إلا إسقاط الشعب وإبقاء النظام.