بحوث ودراسات

“مولانا”: صراع الإسلام والحداثة بين النص الروائي والرؤية السينمائيَّة 5 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تكوَّنت لدى المشاهد الآن صورة عن وحشيَّة أتباع المذهب السُّنِّي تجاه الشيعة والمتصوِّفين، مما أثار تعاطفهم، وبكاء بعضهم. المثير في اللقطة أدناه أنَّ الشاب يمسح دموعه بإشارة للماسونيَّة، هي ضمُّ إصبعين وإغلاق إحدى عينيه بهما، في إشارة للعين المراقبة، أو عين الدجَّال.

صورة 25 – من فيلم مولانا-إشارة عين المراقبة (عين الأعور الدجَّال) الماسونيَّة

يرد حاتم على أبيه السائل عن حقيقة الحسيني قائلًا “إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا”، مشيرًا إلى مثيري القضية، ويقصد السلطة والصحافة (ص393)، والفرصة تتاح أمام حاتم كي يدرك رأيه في نفسه بعد أن فقد العفة وأصبح مهددًا بخسارة احترام الجماهير له، فهو الآن يتصرف بدون خوف وعلى طبيعته بالكامل، والمسألة الملحة الآن هي رأيه فيما حدث للحسيني وكيفيَّة تعامله معه (ص404). يُحتجز حاتم لساعات طويلة بسبب موقفه من حبس الحسيني، عكف فيها على التأمل وقراءة سورة الكهف، وهي ثاني مرة يُحتجز فيها بعد حادثة المتنصرين، وبالطبع للأمر مدلوله، فهو يشير بمطلع السورة إلى فتية اعتكفوا في كهف من ظلم المشركين بالله فزادهم الله هدىً، وكأنَّ هذا هو حال الفتية المتنصِّرين والمحتجزين بسبب الفكر الشيعي (ص408).

صورة 26-من فيلم مولانا-إشارة قرني الشيطان الماسونيَّة

ويسخر الشيخ من رجال الأمن الذين أرادوا حاتم أن يكون إمامهم في الصلاة، في محاولة جديدة لإثبات فساد السلطة دينيًّا (ص412). وكما توضح اللقطة من الفيلم أعلاه، يرفع الشيخ يديه للتكبير بإشارة ضم الإصبعين الماسونيَّة الشهيرة، في استهزاء صريح بشعائر الدين، لو أنَّ الإيماء بتلك الحركة كان مقصودًا.

يُذكر أنَّ استهزاء الروائي برغبة رجال الأمن، المتضافرة جهودهم مع جهود المؤسسة الدينيَّة الرسميَّة في حماية النظام الحاكم وسُبُل بقائه-في الصلاة تجاوز هذا الحد؛ بأن وصف الشيخ في نفسه إيمانهم بالله بـ “الإيمان الكافر” (ص411):

أصبح الآن من الواضح أنَّ حاتم في صراع بين أهل الحق، متمثلين في الحسيني ومن على شاكلته، وأهل الباطل، وهو الأمن ورجاله وجميع المنتمين إلى الطبقة الحاكمة “الفاسدة”، وقد بدأ يستعد لمواجهة الباطل وأهله، وأصبح على يقين بأنَّه قد يفقد كل مميزاته السابقة بجرة قلم، كما يصعب عليه الصمود أمام طغيان أهل الباطل (ص430).

يعود الشيخ حاتم إلى الإرجاء، بنفيه عذاب القبر، وكأنَّ حاتم هو تجسيد لشخصية الدعاة الجدد (ص459):

وينشر مركز الفتوى التابع لموقع إسلام ويب الردَّ على هذا الادِّعاء، من خلال إجابة عن سؤال مستفسر عن الأحاديث عن عذاب القبر في الصحيحين، منها ما رواه البخاري في كتاب الجنائز “باب الجريدة على القبر”. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ. فَقَالَ: “أَمَا إِنّهُمَا لَيُعَذّبَانِ، وَمَا يُعَذّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنّمِيمَةِ، ثُمّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقّهَا نِصْفَيْنِ، ثُمّ غَرَزَ فِي كُلّ قَبْرٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَعَلّهُ يُخَفّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا”. ومنها كذلك ما رواه ي صحيحه في كتاب الكسوف “باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف”، من حديث عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال -في حديث طويل “إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ”.

ويعود الشيخ كذلك إلى إساءته للصحابة، حينما اكتشف خيانة زوجته له، واستغلال الروائي للواقعة في الإشارة إلى خيانة زوجة الصحابي هلال بن أمية وولادتها طفلًا، هو قرة بن شريك الذي عُين واليًا على مصر في العهد الأموي، في إساءة إلى ولاة بني أمية (ص484).

يتطرق الروائي إلى مسألة لم ترد في الفيلم، وهي حجاب الفنانات واعتزالهنَّ، والاستهزاء بإحداهنَّ، بالتحدث عن مفاتنها الجسدية وتطرقها إلى ذلك هي نفسها مع حاتم في حوار لها بعد توبتها لإظهار نفاقها واتخاذها من التديُّن وسيلة لستر ماضيها والتكسب في حاضرها (ص499). حفيد الفنانة التائبة هو في وصفه نموذج للسلفيين المتزمتين في زيِّه وسلوكه، والقصد هو ذم هذه الفئة بأن جعله من ذرية فنانة إغراء شهيرة لاتزال أفلامها الساخنة، والتي لم تتبرأ منها وتفتخر بفتنتها فيها، تُعرض على الشاشة (ص508). نجد بعد ذلك سخرية من قصة حجاب الممثلة، وهي أنها رأت الصحابي حذيفة بن اليمان في منامها وقال لها أنَّه يريدها زوجة بعد أن تلتزم دينيًّا، ومن هنا قررت الاعتزال وأطلقت على حفيدها اسمه. ويسأل حاتم عن سبب معرفة الممثلة بالصحابي يفتح المجال أمام سخرية جديدة، وهي أنَّ حذيفة ضمن شخصيات فيلم القادسيَّة الذي شاركت به، وهنا يسخر الشيخ من جهل صُنَّاع الفيلم بالتاريخ، ويقول “يبدو أنَّ الممثل الذي قام بدوره كان رائعًا” (ص510). يُذكر أنَّ معركة القادسيَّة (636 ميلاديًّا) هي المعركة المهِّدة لفتح العراق وفارس، وإسقاط الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، ويجعل الروائي-المتَّهم بالترويج للفكر الشيعي منذ سنوات-منها مجالًا للسخرية، يزيد من الشكوك حول انتمائه الديني الصفوي، وهو الذي لم يعلن تشيُّعه إلى الآن! أساء الروائي بذلك إلى الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، كاتم سرِّ الرسول، ومحبط محاولة قتله بعد غزوة تبوك، ومن معركة القادسيَّة، التي أسقطت الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، والإساءتان لا تصدران إلَّا من في نفسه شيء تجاه الصحابة وسقوط إمبراطوريَّة المجوس.

وتنتهي أحداث مولانا بالإشارة إلى تفجير كنيسة في مشهد مأسوي، والربط بين الحادث وحسن، خشية وجوده ضمن الضحايا، مع إفراط في تصوير الكارثة البشرية (ص505)، والتفجير تمَّ أثناء عرض مسرحية عن إرهابي يقتحم منزل مسيحيين، ثم يتنصَّر بعد أن شهد سماحة أفرادها (ص507). يُستدرج حاتم ليعلق عبر أحد البرامج على تفجير الكنيسة، ودهشته من معاودة إقحامه في المشهد الإعلامي، وحيرته إزاء محاولة إعادة إلى نفاقه السابق بعد أن شعر بالحرية في فترة ابتعاده (ص513)، ثمَّ يُدعى إلى ألقاء كلمة في إحدى الكنائس لتهدئة الناس، ولإعلان رفض الإسلام لذلك العمل الإرهابي، وإخباره بأنَّه اختيار نجل الرئيس (زوج شقيقة حسن) شخصيًّا (ص515).

صورة 27-من فيلم مولانا

يعثر حاتم بعد ذلك على فيديو للحسيني يوضح فيه له سبب ملاحقة الأمن له، وهو أنَّ لقاءًا تمَّ بينه وبين نجل الرئيس حكى له فيه كابوسًا تكررت رؤيته، وهو أنَّ شخصًا يجرده من ملابسه لكي يعتدي عليه جسديًّا، وقد لجأ إليه بسبب سمعته الطيبة وقربه من الله (ص523). ويكتشف الحسيني أنَّ هذا ليس حلمًا، إنِّما هو حقيقة، وهنا يعترف نجل الرئيس أنَّ هذا صحيح وأنَّه عبثًا حاول أن يتعالج نفسيًّا (ص524). شذوذ نجل الرئيس الجنسي ورغبته في الجماع الخلفي، أو انكشاف عورة النظام الحاكم أمامه بفضل فيض النور الربَّاني الذي يحيط بهما، هما ما أنقذا الشيخ المتصوف من قبضة السلطة لأنَّ هناك من أعطاه تسجيلًا لحوارهما، وإبعاد الشيخ المظلوم عن مصر، ليس لشيء إلا لمنع الناس عن التواصل معه والانجذاب إليه، وادعاء أنَّ إهدار السلفيين دمه هو ما دفع السلطة إلى نفيه إلى السودان (ص528). وهنا، تعرض السلطة على حاتم التعاون معها في مواجهة التحديات الراهنة على أن تجعل منه الشيخ الأول في مصر، فأومأ بالموافقة (ص529). غير أنَّ حاتم يعرف لاحقًا عدم صحة ادعاء الإفراج عن الحسيني، وفقد أمه النطق من هول الأزمة (ص544).

يصف حاتم محاولة المسلمين تعزية الأقباط من خلال إعداد خطاب في حشد كبير من علماء الأزهر بأنَّها مشهد تمثيلي فاشل ما كان ليُقنع المتضررين، وكأنَّ الرسالة هي أنَّ التطرف الذي تزرعه المؤسسة الدينية هو سبب تلك الأزمة من أساسها (ص532)، مع شعوره بالاستفزاز من سطحيَّة الخطاب الموجه، ومن وصف الأقباط بأهل الذمة ومن رفع شعار المواطنة والوحدة الوطنية، لأنَّ ذلك في رأيه ما كان ليحل المشكلة من جذورها (ص533)، ودفاع مستميت منه عن الأقباط في مواجهة خطاب الأزهر، وشعور الشيخ بأنَّ المؤسسة الدينيَّة هي المسؤول الأول عن الكارثة (ص534). يشير الروائي إلى أنَّ الإعلام التابع للسلطة هو من يوجِّه خطاب الأزهر بجلوس الإمام الأكبر بجوار وزير الإعلام الذي يهمس في أذنه ليوجه مسار الحديث (ص534).

مع اقتناع شيخ الأزهر ووزير الإعلام بكلام حاتم، يثني الوزير عليه ويطلب منه أن يعمل في وزارة الإعلام مازحًا، فيرد حاتم “أشتغل إيريال!”، ليعيد انتقاده للخطاب الإعلامي الموجه الذي تبثه أجهزة الدولة (ص535). الإيريال من مستلزمات التقاط إشارة بث التلفاز، لكنَّ المقصود هو التستُّر على أيِّ نقيصة مهما كانت؛ حيث تُستخدم الكلمة في الإشارة إلى القوَّاد. يثور الأقباط على المشايخ في زيارتهم، وتعديهم على موكبهم قائلين “يا متطرفين، تقتلون القتيل وتمشون في جنازته، لا تريد منكم عزاء يا منافقين، ربنا ينتقم منكم”، وهي كلمات بدا حاتم وكأنَّه يؤيدها (ص537)، مع تصوير سماحة الكهنة وتبجيل حاتم لهم بأرق الألفاظ في مواجهة جلافة المشايخ الآخرين، وإهانة المشايخ من خلال وصف سقوط عمائمهم ودوس الأقباط عليها في الاعتداء عليهم، الذي يبدو وكأنَّه مبرر (ص538). ويتعمَّد الروائي إظهار نفاق المشايخ الذين يكفِّرون المثلثين على الفضائيَّات في برامج يدعي الكاتب أنَّها تنال ترويجًا إعلاميًّا واسعًا، بصمتهم عند ذكر أحد قيادات الأزهر أمام الكهنة الأقباط أنَّ إلهنا واحد (ص541):

يستهزأ الشيخ مجددًا بخطاب الأزهر الذي لا يدين وحشية الحدث (ص542):

يتيقَّن حاتم من حقيقة مخاوفه تجاه علاقة حسن بالأمر، ولكن ليس باعتباره ضحية، ولكن الجاني (ص551)، واتضاح أنَّ حسن كان يتواصل مع تنظيم القاعدة من قبل، وأنَّ قصة تنصُّره كانت خداعًا، وأنَّ جماعة قبطية تبنته عن جهل بحقيقته رغم تحذيرها من أصله (ص552)، مع إظهار معاناة الأقباط في مصر من الأشخاص على شاكلة حسن، ومدى التهديدات التي تواجههم وأوصلتهم إلى درجة الغليان، مما يستدعي تحركًا سريعًا لاحتواء الأمر (ص553). ويشاهد حاتم فيديو يثبت مراقبة حسن الواقعة عن قرب وفي يده جهاز تحكُّم فجَّر سيارة أمام الكنيسة، إلى جانب التفجير الداخلي وعدم مراعاته لمنظر الممزقة أوصالهم وهم يهرولون من الفزع (ص554).

صورة 28-من فيلم مولانا

الرسالة الأخيرة: الأقباط ضحية الإرهاب الإسلامي رغم سماحتهم ووداعتهم؛ عدم قدرة الأقباط على الصبر أكثر من ذلك، فقد فاض بهم الكيل، مما يمنحهم المبرر لدهس عمم مشايخ الأزهر في دخولهم لتعزية البابا بصورة لا تليق بضخامة الحدث، وهي زيارة أطالوا فيها أكثر من اللازم؛ عجز الداعية عن التعليق على المشهد بأي كلمة، مما يعني أنَّ ما أفسده الخطاب الديني في السابق لم يعد بوسع الخطاب المجدد التعليق عليه.

حدث التفجير أثناء عرض مسرحيَّة عن مسلم إرهابي اقتحم منزل أسرة مسيحيَّة لقتلها، ثمَّ تنصُّره بعد أن “تجلَّى فيه نور المُخلِّص”، مما رآه من “قوَّة إيمان أفراد الأسرة” (ص507)، والسؤال: بانتهاء أحداث الفيلم بهذا المشهد، هل هذا تعبير عن “تجلِّي نور المُخلِّص” في الشيخ حاتم الشنَّاوي، وحان وقت انسلاخه من عباءة النفاق، واعتناقه عقيدة التعقُّل والبصيرة والتسامُح؟ والسؤال الأهم: لو فرضنا أنَّ الحملة الغربيَّة بقيادة بونابرت حدثت في عصرنا هذا، هل ستجد من مشايخ الأزهر الممانعة والتصدِّي في ظلِّ انتشار فِكر الشيخ حاتم، أمَّ أنَّ في التحرُّر الفكري والتقرُّب إلى الغرب الحداثي، كما يدعو حاتم، السبيل إلى القضاء على أيِّ تمرُّد شعبي على الاستعمار الغربي، لو أنَّ الحملة الاستعماريَّة الغربيَّة حدثت في أيامنا هذه؟

صورة 29-من فيلم مولانا-إشارة قرني الشيطان الماسونيَّة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى