بحوث ودراسات

“مولانا”: صراع الإسلام والحداثة بين النص الروائي والرؤية السينمائيَّة 4 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

يأتي بعد ذلك استعراض صعود بعض المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين في عالم المال، وتحقيق بعضهم نجاحات برؤوس أموال خليجية في الأصل، في محاولة لإثبات المد الوهَّابي إلى مصر في صورة أموال تدفقت لتأسيس أعمال تجارية (ص326). وهنا يتبلور سبب حظر السلطة الرسميَّة الحديث عن فِكر المعتزلة، الذي لا يتفق مع الفكر الوهَّابي المتشدد المستمد من “أفكار محفوظة ومعلبة في سوبر ماركت الرياض” (ص328). يتناول الروائي من جديد، على لسان حاتم، أصل الإرجاء والاعتزال في الإسلام، بطريقة تتعمَّد إظهار تكالُب الأمويين على السلطة واستغلالهم الدين لخدمة مصالحهم، السبب في تكوُّن ذلك الفِكر. يشرح حاتم فِكر المعتزلة بالتفصيل (ص374-375):

يدَّعي الشيخ كره السفليين للعقل، وإخراجهم فتاوى التكفير الجاهزة لديهم حالما ذُكر العقل، كما يتأسَّف على مطاردة السلطات الرسميَّة المعتزلة في كلِّ زمان بسبب اعتمادهم على العقل في الإفتاء، إلى جانب تأييدهم المعارضة الشيعيَّة ضدَّ الحُكمين الأموي والعبَّاسي. يقول حاتم عن فِكر المعتزلة (ص375-376):

يشير حاتم إلى أنَّ فكر المعتزلة لا يعني ترك الفرصة لأي شخص ليفتي بما في عقله، إنما عقل البحاثة الفقهاء الدارسين هو ما يؤخذ عنه (ص377). وتوحي معرفة حاتم القوية بكافة تفاصيل فكر المعتزلة وطريقة تحدثه عنهم باقتناعه بفكر، وتتناقض كليًّا مع طريقته في الحوار في السابق، والتي تتسم بالضيق من الكثير من الشؤون الدينية، وكأنه وجد متنفسًا الآن لكي يخبر عمَّا في صدره (ص380).

ننتقل إلى اهتمام الشيخ حاتم بالفكر الصوفي، الذي يجسِّده الشيخ مختار الحسيني، آنف الذِّكر. ويبدأ التغزُّل في وصف الشيخ مختار الحسيني، المنحدر من نسل الرسول، وشيخ إحدى الطرق الصوفيَّة، مع بداية أحداث الرواية والفيلم معًا، وتحديدًا بعد استعراض نفاق المشايخ المحسوبين على النظام، والذين يكره حاتم مجالستهم، ويترفَّع عن جدالهم، وإن ثبتت براعته في دحضهم، كما تشهد قصَّته مع الشيخ فتحي آنفة الذكر. يحدِّثنا الروائي عن شيخ يتمتَّع بالبساطة والهدوء، ولا يعرف الغرور طريقًا لنفسه؛ فهو يجالس البسطاء في تراتيلهم الدينيَّة، التي يرتاح لها حاتم، ويشاركهم فيها بمنتهى “التواضع”، معطيًا ظهره لضريح أحد الأولياء.

صورة 17-من فيلم مولانا

وما يثير التساؤل هو ما يقصده الكاتب بقوله عن الحسيني أنَّه “يعلو فوق بشريَّته الطبيعيَّة”، هل يقصد أنَّه متلبِّس به روحٌ أنقى من أرواح البشر، رفعته إلى منزلة أعلى من سواه؟ أم يقصد فقط أنَّه ارتقى إلى درجة من الزهد والورع أكسبته “هذا الإحساس المتعاظم من الحصانة؟” (ص79-80):

يصف الروائي الحسيني بأنَّ “في داخله تكمن طاقة روحيَّة مذهلة، وقدرة متبصِّرة كاشفة، وفطرة جينات بدت أنقى من أن تؤثِّر فيها عوامل مرور الزمن والانتقال من عِرق إلى عِرق، ومن ظهر إلى ظهر في نسل الأشراف” (ص84). يتبلور دور مختار الحسيني في حياة الشيخ حاتم عند إصابة ابن الشيخ في حادث استدعى سفره إلى الخارج.

صورة 18-من فيلم مولانا

حينها اسودَّت الدنيا في عيني الشيخ، ولم يجد إلا الاختلاء بنفسه في مسجد عتيق، يأتيه الضوء من مصدر علوي؛ فجلس حاتم في خلوة للذِّكر، وتلاوة الأوراد، وهو يجلس متربِّعًا، دون صلاة أو قراءة في كتاب الله، تمامًا مثل جلسات التأمُّل الروحانيَّة المتِّبعة للطقوس الغنوصيَّة، كما جاء في الفيلم.

صورة 19-من فيلم مولانا

من اللافت أنَّ الحسيني يعرف مكان حاتم، دون أن يتواصل الأخير معه، فيأتيه وينادي “يا سامع النداء، رد على عمِّك”؛ فيهرع إليه حاتم باكيًا، وحينها يغسل الحسيني رأس حاتم بالماء، وكأنَّما يعمِّده.

صورة 20-من فيلم مولانا

في حين تشير الرواية إلى أنَّ حاتم لم يكن مختليًا بنفسه، كما لم تذكر تعمُّد الحسيني غسل رأسه بالماء (ص89):

يضطر الحسيني إلى السفر إلى خارج مصر، بسبب التضييق الذي يعاني منه، كما أخبر حاتم، معلنًا أنَّ وجهته هي المدينة المنوَّرة. بعدها، يعرف حاتم بعد ذلك أنَّ الحسيني لم يسافر إلى المدينة المنوَّرة، بل قُبض عليه بتهمة تكوين “تنظيم شيعي” وموالاة إيران، وسبِّ الصحابة وأمهات المؤمنين (ص391-392):

يُستدرج حاتم في إحدى حلقات برنامجه إلى الحديث عن التشيُّع في مصر، فيجيب بأنَّ الإسلام لا يعرف “سنَّة وشيعة”، وأنَّ الصراع السياسي هو الذي يختلق التأزُّم بين الفرقتين. يُجر حاتم، المعروف بتأييده فِكر المعتزلة إلى تكفير الشيعة. يدافع حاتم في المقابل عن الشيعة، لافتًا إلى أنَّ سب الصحابة ليس كفرًا، إنَّما هو فسق؛ وكذلك إيقاف عمر بن عبد العزيز سب الإمام علي في المساجد في زمن الدولة الأمويَّة، أي أنَّ السنَّة هم من سبقوا الشيعة إلى سب الصحابة، وعادوا إلى السب بعد وفاة (اغتيال) عمر بن عبد العزيز، مضيفًا أنَّ أول دولة شيعية الطابع ظهرت بعد ألف عام وأكثر على ظهور الإسلام (ص453)، مع وصفه بعض الشيعة الذين يسبون الصحابة على الفضائيات بأنَّهم “غلاة ومهاويس”، ورفض تعميم فعلتهم، مع الإشارة إلى اتهام مشايخ السنَّة الشيعة بالكفر على الفضائيَّات، وهذه نفس حُجج المدافعين عن الشيعة-على شاكلة ياسر الحبيب-هذه الآونة (ص454)، إلى جانب تصوير الصراع بين السنَّة والشيعة بأنَّه ناتج عن الصراع بين السعودية وإيران، وقد تسبب في سجن الكثيرين بتهمة التشيع أو التعاطف مع الشيعة (ص455). يدَّعي حاتم بعد ذلك أنَّ الإسلام بلا مذاهب، وأنَّ النبي لم يكن سنيًّا (ص456)، وكأنَّه لم يكن يعمل بالأحاديث التي تركها للصحابة، وقرنها بالقرآن الكريم، بأن قال في حديث صحيح ثابت عنه، رواه أحمد في المسند (28 / 410) (17173) وأبو داود في سننه (4 / 200) (4604) “أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ”.

ينتقل المحاول إلى مسألة في غاية الأهميَّة لم يتضمَّنها الفيلم، وهي ادِّعاء الشيعة وراثة السيِّدة فاطمة الزهراء “مصحفًا سريًّا”، يحتوي على علم باطني اختُصَّت به (ص456):

 وبدلًا من أن ينفي الأمر، ردَّد حاتم ادعاءات الشيعة بشأن السيدة فاطمة، ونزول جبريل عليها بعد وفاة أبيها يخبرها عن فضائله، وإمكانيَّة جمع ذلك في كتاب أُطلق عليه المصحف، وهذا لا يعني أنَّ ما به قرآن يُتلى (ص457):

نعيد التذكير بما سبقت الإشارة إليه، من أنَّ عليٍّ بن أبي طالب-إمام العلم الباطني ورائد أهل العرفان لدى الصوفيَّة-نفي أنَّ النبيَّ اختصَّه بعلم باطني، أو أسرَّ إليه بأسماء سريانيَّة لـ “ملائكة” يُستعان بها في تنزُّل العلم الإلهي على البشر. 

 ولإحراج الشيخ، يطلب المحاور عرض مادَّة مصوَّرة تستعرض “جرائم الشيعة حول العالم”؛ غير أنَّ مخرج البرنامج المنصف يعرض مقطعًا يعرض الانتهاكات التي يتعرَّض لها أهل البيت وشيعتهم، من المريدين معتنقي الفكر الصوفي.

صورة 21-من فيلم مولانا

يظهر الشيخ مختار الحسيني، حفيد النبي، وهو يُضرب مع نساء بيته، ويُحرق داره، في إحدى هجمات المتعصِّبين، ممن تحرِّضهم المساجد السُّنيَّة.

صورة 22-من فيلم مولانا

ويتعرَّض بعض مريدي الشيخ الحسيني، وأتباع طريقته، إلى الحرق بالنار.

صورة 23-من فيلم مولانا
صورة 24-من فيلم مولانا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى