مقالات

خنساء العراق نطقت واوفت وافهمت

د. محمود المسافر

سياسي وأكاديمي عراقي.
عرض مقالات الكاتب

اليوم الثالث في منتصفه والانتفاضة مستمرة متوهجة متقدة.
نحن في الثالث من أكتوبر ٢٠١٩ وحرّ الصيف في العراق لم ينسحب ولكن الشباب لا يشعرون به ولا يخافونه، ولكن الذي يشعرهم بالحرارة دماء العشرات من الشهداء تلك الطفلة ذات الثلاث سنوات، والمئات من الجرحى في كل المحافظات المنتفضة التي اتهمها بعضنا يوما بالخمول والجمود والانصياع. كنا نعلم أن (بطونهم كبيرة) أي أنهم يتحملون أكثر منا لكن انتفاضتهم ونهضتهم وثورتهم توازي دائمًا حجم تحملهم. ليست تجربتهم الأولى فثورة العشرين لم يمر بعد قرنها الأول.
أغلقت الفوضى الحاكمة الشوارع، واستخدمت الرصاص والغازات المسيلة للدموع واوقفت خدمات الاتصالات، تآمروا وشيطنوا وزوروا إذ يعتقدون خطأ أن هذا سيوقف الشباب. لأنهم لا يعرفونهم جيدا.
فالشباب ومعهم الشيب والماجدات منتفضون حتى تحقيق النصر على الحثالى التي تقود الفوضى الحاكمة في بغداد.
استوقفتني وقفة الماجدات، واي ماجدات العراقيات!!
عزنا وفخرنا ومجدنا وقيمنا. رأيت كما رأى غيري في التسجيلات التي عرضت في شبكات التواصل الاجتماعي العراقية صاحبة الشهادة العليا ومياه الإخساء تجرفها بعيدًا وهي تقاوم. رأيت ماجدة أخرى توزع الاكل على المنتفضين وتوصيهم أن لا يتراجعوا. لكن هالني ما رأيت من ماجدة أصيلة تجري خلف الرجال والشباب تعطيهم المناديل الورقية التي كانت تبيعها على قارعة الطريق قبل أن ينتفض الناس، تبحث بها عن دراهم معدودة تسدّ بها رمقًا وتستر بها جسمًا أتعبه فساد الفاسدين وظلم الظالمين. تركض وراء المنتفضين تعطيهم المناديل لكي يحتموا بها من غازات الخسيس المسيلة للدموع، نظرت في عيونها وأعدت التسجيل مرات ومرات، سمعتها فقلت في نفسي: لماذا يقولون أنها خرساء ؟
لقد سمعتها توصي إخوتها وأبناءها المنتفضين:
إلكم الله يا عيوني
أحلفكم بالله وبالعزيز لا ترجعون إلا وأنتم منصورين
ديروا بالكم على أنفسكم ما النه غيركم
هالله هالله بالعراق تراه منهوب
هالله هالله بالدين تراه مسروق
هالله هالله بالأطفال تراهم ايتام
هالله هالله بالنساء تراهن أرامل
هالله هالله بالأمهات تراهن ثكالى
لا ترجعون وليداتي واخوتي إلا وادأنتم منصورين
نطقت الخنساء فنطق العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى