مقالات

الهروب من جوهر المشكلة في اللجنة الدستورية

د. محمود سليمان

أكاديمي سوري، دكتوراة في القانون الدستوري.
عرض مقالات الكاتب

كثر الحديث والنقاش في الأيام الأخيرة عن اللجنة الدستورية التي سوف تكتب أو تعدل الدستور الحالي للسوريين، والملاحظ أن هناك فريقين بين الثوار والمعارضة حول إيجابيات وسلبيات تلك اللجنة.
الأول: ويمثله أعضاء اللجنة الدستورية من (المعارضة) وبعض ممن يرددون أن الدخول بهذه اللجنة أفضل من ترك الساحة والفراغ، ويستند الذين يؤيدون المشاركة بهذه اللجنة لصياغة دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي على مجموعة من الذرائع منها على سبيل المثال:

  • أن المشاركة باللجنة الدستورية سيكون بوابة ومدخل للحل على مستوى القضية السورية ككل.
  • -يؤكد بعض أعضاء اللجنة الدستورية من المحسوبين على المعارضة أننا تلقينا وعودًا من ممثل الأمم المتحدة بأن هناك خطوات سوف تبدأ بالتزامن مع إنعقاد وبدء أعمال اللجنة الدستورية لتشكيل، هيئة الحكم الانتقالي، والبعض من تلك الخطوات تبدأ قبل انعقاد اللجنة الدستورية والبدء بأعمالها ومنها إخراج كافة المعتقلين السوريين من قبل نظام بشار أسد.
  • وهناك من يبرر المشاركة بهذه اللجنة من قبل أعضاء في المعارضة بأنه لايوجد بديل آخر وأنه لا خشية من كتابة الدستور أو تعديله لأنه بالنتيجة سوف يعرض على الشعب السوري وهو من يقرر من خلال استفتاء يعرض عليه، وأن هناك بوفد المعارضة صقورًا يستطيعون المحافظة على مطالب وحقوق الشعب السوري.

والثاني: وتمثله الغالبية العظمى من الشعب السوري الثائر والذي يرى أن هذه اللجنة هي التفاف ومشاركة بالقضاء على هيئة الحكم الانتقالي التي نص عليها بيان جنيف وأيده قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لأن هذه اللجنة وتشكليها من صلاحيات هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة (حكومة + رئيس جمهورية وأجهزة أمنية) فكيف يمكن أن تكون هذه اللجنة بوابة للحل عندما تقضي على أساس العملية السياسية والانتقال السياسي الذي أساسه وجوهره هو هيئة الحكم الانتقالي التي ينتج عنها لجنة دستورية تقوم هي بتشكيلها وبعد أن تسحب وتنتقل كامل الصلاحيات التنفيذية لها وبالذات صلاحيات رئيس الجمهورية والأجهزة الأمنية؟!
ويؤكد الرافضون لهذه اللجنة بأن نتائج هذه اللجنة معروفة سلفًا بأنها كارثية على السوريين بشكل عام وبخاصة على الذين قدموا تضحيات جسيمة للخلاص من الدولة الأمنية والبوليسية، وليس من أجل كتابة دستور أو تعديله، لأن المشكلة ليست بكتابة الدستور وإنما بسلطة قمعية لاتحترم أي دستور أو قوانين حتى للدستور الذي كتبته سلطاته الأمنية، ولأن اللائحة الإجرائية لهذه اللجنة من إقرار أي فقرة هي بصالح وفد العصابة الأسدية وإمكانية تعطيل أي اتفاق بسبب ضرورة وجود نسبة موافقة لأي فقرة تصل لثلاثة أرباع عدد اللجنة، ولأن مجرد تشكيل تلك اللجنة استمر لقرابة سنتين، فكم من الوقت يحتاج الاتفاق المستحيل على هكذا دستور؟!
إضافة إلى أنه فيما لو تم الاتفاق (المستحيل) على دستور يلبي تطلعات السوريين بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة فسيكون مجرد مسودة يتطلب عرضه على الشعب من خلال استفتاء يقدمه بشار الأسد بمرسوم وطبقًا لدستور 2012 الذي يعطيه الحق بعرضه على الشعب من خلال المادة 116 وهذا سوف يحصل بذريعة أنه لايوجد مخرج قانوني لعرضه على الشعب إلا من خلال رئيس الجمهورية وطبقًا للدستور وبهذا يتحقق مطلب العصابة الاسدية بالاعتراف بشرعيته من قبل الجميع وإعفائه من المسؤولية عن الجرائم.
أما ذريعة أن لايوجد بديل إلا الدخول باللجنة الدستورية فهو قمة الاستخفاف بعقول الشعب السوري الثائر، فالبديل واضح وصريح وهو التمسك بقرارات الشرعية الدولية والتي على عللها تعتبر مكسب للشعب السوري فيما لو تم تنفيذها بتراتبية دقيقة والبدء بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية وجوهرها بسحب صلاحيات بشار أسد وأجهزته الأمنية.
يصل الاستخفاف ذروته عندما يقال بأنه لابد من المشاركة للبدء بتطبيق باقي فقرات قرارات مجلس الأمن لأن المشاركة والقبول بالدخول بهذه اللجنة يقضي على باقي تطبيق الفقرات من هيئة الحكم الانتقالي ومن الإفراج عن المعتقلين وفك الحصار.
لا يوجد أي أمل بتحقيق أي نتائج إيجابية تعود على الشعب السوري ونضالاته من خلال المشاركة بهذه اللجنة، على العكس تماماً هي مشاركة بمحاولة تصفية الثورة وتخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته بذريعة أن هناك عملية سياسية توافق عليها السوريون، إضافة إلى تشتيت رأي السوريين وتعزيز انقساماتهم.
المطلوب، وهذه مسؤولية كل السوريين الأحرار فضح وكشف هذه الجريمة ومحاولة تصفية حلمهم بدولة المواطنة والمؤسسات وسيادة القانون من خلال نشاط إعلامي وحراك ثوري بالداخل والخارج لإظهار حجم الرفض والتفريط بتضحيات ونضالات الشعب السوري الثائر الذي خرج من أجل إسقاط الدولة الأمنية القمعية، وليس كتابة دستور لايمكن كتابته إحترامه بوجودها لأنه يتطلب بيئة هادئة ومستقرة وبعد حوار بين جميع مكونات الشعب السوري للوصول إلى العقد الاجتماعي (الدستور) فيما بينهم.
وتبقى القاعدة الدستورية الأعلى:
الشعب هو مصدر السلطات، وهذا يعني ببساطة أن الشرعية الثورية قد حولت نظام بشار إلى نظام منعدم الوجود وهو عصابة تسلطت على الحكم وكل قراراتها ومعاهداتها واتفاقياتها منعدمة الوجود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى