مقالات

اللجنة الدستورية السورية بين النظرية والتطبيق

الباحث المحامي ياسر العمر

محامٍ وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

اعلن أنطونيو غوتيروس الأمين العام للأمم المتحدة في الأسبوع الماضي التوصل الى تسمية جميع أعضاء اللجنة الدستورية مهمتها وضع دستور جديد يعتمد على قرارات مجلس الامن  ولا سيما القرار 2254 .الصادر بتاريخ 18/12/2015 والذي نص على {{ بدء محادثات سلام سورية في كانون الثاني عام 2016 وضرورة إنجاح المفاوضات بين السوريين تحت الاشراف الاممي وان تنتج هيئة حكم ذات مصداقية تشمل الجميع غير طائفية وصياغة دستور جديد لسورية خلال ستة شهور وإجراء انتخابات في غضون ثمانية عشر شهرا باشراف اممي  ،كما اكد على القرارات والبيانات الرئاسية الصادره عن مجلس الأمن ذوات الأرقام 2042 (لعام 2012)، و2043 (لعام 2012)، و 2118 (2013عام )، و 2139 (عام 2014)، و 2165 (2014عام )، و 2170 (2014عام )، و 2175 (2014عام )، و 2178 (2014عام )، و 2191 (عام 2014)، و 2199 (عام 2015)، و 2235 (عام 2015)، و 2249 (عام 2015)، والبيانات الرئاسية المؤرخة 3 آب/أغسطس 2011  و 21 آذار 2012  و 5 نيسان 2012 و 2 تشرين الأول 2013 و 24 نيسان 2015و 17 آب 2015  }}

ولنرجع للاحداث قليلا الى الوراء وما جرى من محادثات في القضية السورية ولنتعرف على العراقيل التي كانت توضع بوجه الانتقال الى سورية الديمقراطية .

عقد مؤتمر جنيف واحد في 30 حزيران عام 2012 واتفقت المجموعة الدولية المؤلفه من أمريكا (والصين وروسيا وفرنسا وانكلترا وألمانيا وتركيا وجامعة الدول العربية )على مبادئ مرحلة انتقالية ، الا ان اطراف القضية السورية المعارضة والنظام اختلفوا على تفسير المبادئ المتفق عليها . وكأن المجتمع الدولي ويتصدرهم الجانب الروسي إضافة لامريكا التي لم تتخذ موقفا واضحا اتجاه القضية السورية يريدون ان يبقى مسلسل اعمال القتل والتدمير والتهجير للشعب السوري . وانصب الخلاف على المرحلة الانتفالية وماهو مصير الأسد في هذه المرحلة ، فكان الائتلاف يطالب بأن القرار واضح وهو يعني ان لاوجود للاسد في هذه المرحلة ، الا ان النظام وروسيا كانوا متمسكين بوجوده وهو الذي يقود المرحلة الانتقالية ، وامريكا وعلى لسان المتحدثين باسمها كانت تقول ان مصيره يحدده الشعب السوري . وهذا الخلاف والاخذ والرد الغير مجدي بين الأطراف الدولية والمحلية اجبر المبعوث الاممي والعربي كوفي عنان الى تقديم استقالته بعد ان وجد تعنت الحكومة السورية باستمرارها في استخدام القوة وسفك الدماء  وفشل المجتمع الدولي في استصدار قرار يوقف نزيف الدم السوري بسب الفيتو الروسي الصيني . وكان قد وضع خطة من نقاط ستة لحل القضية السورية وتضمنت : التعاون مع مبعوث الأمم المتحدة ووقف القتال تحت اشراف الأمم المتحدة وحماية المدنيين وضمان تقديم المساعدات للمدنيين والافراج عن المعتقلين تعسفيا وضمان حرية الصحفيين واحترام حرية التظاهر السلمي

كما انه وبعد يوم من استقالته اكد على ان من الواضح أن الرئيس بشار الأسد يجب أن يترك منصبه، ويتمحور التركيز على اتخاذ تدابير وبناء هياكل لتأمين حل سلمي طويل الأجل يمر بمرحلة انتقالية لتجنب حدوث انهيار فوضوي .

وجاءت الجولة الثانية من جنيف بعد ان عين الأخضر الابراهيمي مبعوثا خاصا للأمم المتحدة خليفة لعنان وفشل في مهمته وجاء بعده ستيفان دي مستورا وعقدت الجولة الثالثة والرابعه من مؤتمر جنيف وتمكن المشاركون بقيادة المبعوث الاممي دي مستورا للتوصل الى اتفاق على جدول اعمال يتكون من سلال اربعه  .تضمنت السلة الأولى: القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، وذلك خلال ستة أشهر.والسلة الثانية: القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، خلال ستة أشهر والسلة الثالثة: كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، وخلال 18 شهرا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل السوريين خارج بلادهم والسلة الرابعة: إستراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية وبناء إجراءات للثقة المتوسطة الأمد.

وبذل المبعوث الاممي ستيفان دي مستور جهودا للتوصل الى تنفيذ السلال المتفق عليها  الا انه اصطدم برفض وفد النظام السوري تطبيق بيان جنيف 1 الذي اكد على قيام المرحلة الانتقالية والتي اختلف على تفسيرها الأطراف المعنية بالقضية السورية باعتبار ان المبادئ لم تشر بوضوح الى مصير الأسد مثلما بينا سابقا . كما كان الخلاف قائما على ترتيب الأولويات  فكان وفد النظام يصر على ان مكافحة الارهاب هوالأولوية الأولى بينما وفد المعارضه يرى ان الأولوية للمرحلة الانتقالية  . كما برزت الخلافات على البندين 12و13 من القرار الاممي 2254 والذي اعتبرتهما المعارضة غير قابلين للمفاوضات وانما للتنفيذ المباشر بوقف القتال واطلاق سراح المعتقلين . وصدرت القرارات اللاحقة عن مجلس الامن ولا سيما القرار رقم 2268 تاريخ 26شباط 2016 والذي اكد على وقف الاعمال القتالية والتنفيذ الكامل لتسيير عملية انتقال سياسي بقيادة سورية  .والقرار رقم 2336 والذي اكد على ان الحل المستدام الوحيد للوضع الراهن في سورية انما يكون بإجراء عملية سياسية جامعه بقيادة سورية استنادا الى بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 والذي ايده القرار 2118 لعام 2013 والى قراريه 2254 لعام 2015 والقرار 2268 لعام 2016 والبيانات ذات الصلة الصادره عن الفريق الدولي لدعم سورية .وجاء القرار رقم 2401 تاريخ 24/شباط 2018 والذي اكد على وقف الاعمال القتالية 

وامام  هذه القرارات والجولات ، والقرارات التي تعرضت للفيتو الروسي الشريك الرئيسي  إضافة للشريك الإيراني والميليشيات الشيعية من ايران والعراق وأفغانستان ولبنان وصراع القوى الكبرى وتعنت النظام ووضعه العراقيل امام كل الحلول أجبرت دي مستورا للالتفاف على السلال المتفق عليها والقفزالى السلة الثالثة المتضمنه وضع دستور جديد لسورية .لكي لايكلل جهده بالفشل على حساب تطلعات الشعب السوري  وهنا بدأت التجاذبات السياسية والشعب السوري كل يوم يدفع الفاتورة من قتل وسفك للدماء والتدمير والتهجير ، وتوصلت جميع الأطراف على تشكيل لجنة دستورية مؤلفة من 150 عضوا ، خمسون للنظام السوري وخمسون للمعارضة والتي دجنت خلال الفترات الماضية بكيانات مصطنعه وبأشخاص لاينتمون للثورة السورية بحجة انه يتوجب ان تمثل كافة اطراف المعارضة السورية ، والخمسون الاخرون يسميهم مبعوث الأمم المتحدة استيفان دي مستور من المجتمع المدني . وبعد الاخذ والرد اجبر النظام من قبل حليفه الروسي على تسمية قائمته . وقدمت المعارضة لائحة بأسماء ممثليها  وبقي الخلاف على القائمة التي يختارها المبعوث الاممي . ومرت الأشهر وانتهت مهمة ستيفان دي مستور وكلف بدلا عنه غير بيدرسون والذي استمر بنهج سلفه لتشكيل اللجنة الدستورية وبعد جولات مكوكية وعدم موافقة النظام على تسمية بعض الشخصيات ضمن قائمة الأمم المتحدة  استطاع ان ينهي الامر بعد زيارته الأخيرة الى دمشق واجبارها من الجانب الروسي على القبول بالقائمة لغايات فسرها البعض هو سيل لعابها لما تجنيه من إعادة الاعمار فيما لو استقر الوضع في سورية وبالرغم من أن هذه القائمة تتضمن أسماء موالين للنظام أمثال مستشاري القصر الجمهوري إبراهيم الدراجي وعبود السراج وميس كريدي التي تركت صف المعارضه وانضمت الى صف النظام . وباعلان الأمين العام للأمم المتحدة عن الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستور حتى بدأت الأصوات تتعالى من غالبية أطياف المعارضة والشعب السوري وكل له وجهة نظره والكل يرى فشل عمل هذه اللجنة . وعند دراسة آلية عمل هذه اللجنة فإننا سنجد فشل عملها وقبل ان تباشر حيز التطبيق لما اتفق عليه . كان احد الشروط لاعتماد أي مادة دستورية ان يكون هناك التصويت بنسبة 75%من عدد أعضاء اللجنة بالموافقه عليها ، واذا حسبنا هذه النسبة من عدد أعضاء اللجنة فينتج لدينا رقم بعد جبر الكسر هو 113 عضوا . واذا رجعنا الى واقع الأعضاء واعتبرنا ان تلك المادة هي لمصلحة المعارضة واذا صوت عليها جميع أعضاء المعارضة وجميع أعضاء المجتمع المدني (قائمة الأمم المتحدة ) فيكون لدينا عدد مائة عضوأي بقي لدينا 13 عضوا آخرين من قائمة النظام ليتم الموافقة على هذه المادة ، واذا رجعنا الى واقع النظام والسياسة التي اتبعها مع الشعب السوري فنجد ان ممثلي النظام الخمسين لايملك أي واحد منهم الادلاء بصوته خارج سرب النظام أي ان السرب كتلة واحدة لايستطيع أي واحد منهم يغرد وفق قناعته الشخصية وتطلعات غالبية الشعب السوري وبالتالي ستسقط هذه المادة في التصويت . واذا قلبنا المعادلة بالعكس فإننا سنصطدم بعدم الموافقة من غالبية أعضاء المعارضه نظرا لان هناك بعض الشخصيات زجت ضمن صفوف المعارضة وهي بحقيقتها موالية للنظام وقد يصل عددهم 13 وهناك يتوجب ان يوافق أعضاء المجتمع المدني الخمسين بشكل كامل حتى يتم الموافقة  على المادة ، الا ان هناك عدد من أعضاء المجتمع المدني لايمكن ان يصوتوا على أي مادة لمصلحة النظام السوري ،كما ان حضور جميع الأعضاء للمناقشة والتصويت يعطي الفرصة للنظام بالمماطلة والتسويف عندما يعطي أوامره للبعض من ممثليه بعدم الحضور وتقديم الحجج الواهية ولا سيما ان النظام ومنذ بداية الثورة يلعب على عامل الوقت والذي حقق له نجاحات على حساب المعارضه نتيجة الخلافات التي ظهرت بين قطر والسعودية وتركيا واجبار القسم الأكبر من المعارضه المسلحة على اجراء التسويات مع النظام . وهنا يظهر استحالة تحقيق أي تقدم في عمل اللجنة الدستورية ، ويظهر الخلاف بين الامنيات النظرية لمن يريد الحل في سورية والتطبيق على ارض الواقع ، ويظهر هنا سذاجة قسم من أعضاء المعارضة والمجتمع المدني في الخوض بتفاصيل تكلم عنها وليد المعلم منذ السنوات الأولى للثورة السورية والنتيجة المعروفه سلفا بعدم تحقيق أي تقدم بالقضية السورية . واذا كانت هناك نوايا جادة من الدول المعنية بانهاء مأساة الشعب السوري لكان اتجهوا الى ابسط الحلول لعمل اللجنة وهو التصويت ضمن كل قائمة لتخرج بصوت واحد ومن ثم يتم التصويت بين هذه الأصوات الثلاثة ( صوت المعارضة وصوت المجتمع المدني وصوت النظام ) ورأي الأكثرية من هذه الأصوات الثلاثة هو الذي يعتمد . وهذا لم ينتهجه كل الأطراف ولم تنادي به المعارضة التي ارتضت لنفسها بخوض هذه المعركة الخاسرة واطالة امد مآساة الشعب السوري كما ارتضت لنفسها بالتنازل عن تنفيذ البندين 12و13 المتعلقة بالحياة اليومية للمنكوبين من الشعب السوري وللمعتقلين الذين يلاقون كل لحظة اشد أنواع التعذيب ،وتنازلها عن المرحلة الانتقالية التي تسبق تشكيل اللجنة الدستورية والانتخابات الرئاسية  والتي نص عليهم القرار 2254 الصادر عن مجلس الامن الدولي . وبالرغم من أن بنود هذا القرار هو السلاح الأقوى بيد المعارضه الا انها رهنت نفسها للدول والتي كانت تنظر الى مصلحتها أولا ولم تعد تملك هذه المعارضة حريتها وتدافع عن حقوق الشعب السوري على قدر التضحيات التي قدمها ولا زال يقدمها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى