أخبار عاجلة

نزعة التطرّف العربي

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

هي نزعة توجد في طينة بشرية خاصة بهذا الجنس العربي، وتتمثل في الذهاب دائما الى أقصى الأمور، وأطراف الخيارات والمواقف، فالعرب عُرفوا ولا يزالون بذلك، إذا أحبوا فإلى أبعد الحدود، وإذا أبغضوا فكذلك، إذا ساندوا فمساندة مطلقة، وإذا عارضوا فمعارضة مفرطة، اذا والَوا فولاء أعمى، وإذا عادوا فعداء أصمّ، وقلّ منهم من يتوسط ويتّزن في هذه المسائل، ولولا الاسلام ما أدري ماذا نكون؟
يقول الله تعالى (  وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ ) ويقول سبحانه (  وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ ) أي لا تدفعنكم عدواة وبغضاء قوم أن لا تعدلوا في حكمهكم عليهم ، بل يجب أن تعدلوا حتى مع الأعداء والمخالفين ، و هذا هو المنهج الشرعي الذي يحبه الله، وعلمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كان يقول الحق والعدل حتى مع مخالفيه ، بل مع ابليس ، قال فيه في قصة زكاة الفطر ، لأبي هريرة رضي الله عنه ( أما انه صدقك وهو كذوب ) !!
وكان سلفنا الصالح رحمة الله عليهم على هذا الخُلق ، فمثلا شيخ الإسلام ابن تيمية في ردوده على المخالفين ، كان ينصفهم فيقول وهذا الذي يقوله فلان حق !! كما فعل في رده على ابن سينا والفارابي و غيرهما..
إنه الميزان الذي أمرنا الله به في المحسوسات والمعنويات المعقولات ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) ) .
فقد نساند شخصا أو جهة أو حزبا، لكن لا يعني أننا لا ننتقد بنقد موضوعي وبنّاء، بعيدا عن شخصنة المواقف !! وتصفية الحسابات !!
ولكن قليل العلم ، و قصير الفهم ، تتجاوزه هذه الطريقة، حيث يراها تناقضا صريحا !! لماذا لأنه متطرف في نزعته، اذا انحاز انحاز بكله، واذا جانب جانب بطُمّه وطميمه ، لا يعرف التوسط ولا التوازن !!
إنه لا يرى إلا سوادا أو بياضا، وتمييز الألوان عنده مختل ،
ويعتبر النسبية في الخيار نوعا من التذبذب !! وهذا من أفحش الأخطاء، فقد تقول في شخص إنه محسن، ولا يعني أنه لا يمكن أن يسىء فيتوجب عليك نقده و أن تقول له ( أسأت ) !! كثير من الناس لا يفهمون هذا النوع من التفريق!!

وما من إنسان بعد الرسل و الانبياء عليهم السلام، الا ويجتمع فيه الحسن والقبيح ، والخطأ والصواب ، والخير والشر ، ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) )
وهاهو موقف من النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، الذي يعتبر مبشرا بالجنة ، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ( رحم الله أبا ذر يموت وحده ويدفن وحده ويبعث يوم القيامة وحده )، ومع ذلك لما قال أبو ذر لبلال رضي الله عنه، ( يا بن السوداء!! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انك امرئ فيك جاهلية ) !!
فهذا هو الميزان الصحيح ، أن نمدح في وقت المدح ، ونقدح في وقت القدح ، بعيدا عن التطرف والفكرة المضادة !!
بل حتى في المشاعر والأحاسيس يجب التوسط فيها وعدم التطرف ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) وهذا من الفقه !!
بل حتى سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، حذرنا من مدحه فوق ما يستحق، فقال ( لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري.
أي لا تبالغوا في مدحي، وإنني أرى أناسا يبالغون في مدح بعض الساسة أو المشايخ فوق ما يستحقون، ولربما يتسببون لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الإصابة بمرض جنون العظمة !! و هذا نوع من أنواع صناعة الدكتاتوريين، فإن الشعوب والجماهير قد تصنعهم بسبب هذه المبالغة والتطرف في الولاء والمساندة، ولذا قال تعالى عن فرعون ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ) .
فالوسطية الوسطية في المواقف والحكم على الأشخاص والأشياء ، والميزان الميزان في التقييم .

والله ولي التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

جريمة جنديرس والتهرب من المسؤولية

بلدة جنديرس في ريف مدينة عفرين كانت إحدى أكثر المناطق تضرراً من الزلزالين المدمرين اللذين …