أخبار عاجلة

مكر .. أم ذكاء؟

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

لا ريب أن العقل البشري قد تطور وطور معظم وسائل الحياة من صناعة وتجارة ومواصلات وزراعة واتصالات وتسليح.. لكن بالمقابل فقد تراجع مستوى الاستقرار النفسي للناس وارتفعت لديهم مستويات التوتر والقلق والاضطراب وعبادة المال ما أدى إلى تراجع مؤشر القيم والأخلاق لديهم.

● العوز الأخلاقي:

إنها فعلا مفارقة عجيبة بين التطوّر الكمي والنوعي لحياة الإنسان وبين ما نتج عن ذلك من تأثيرات سلبية لعل أبرزها أمراض العصر كالضغوط النفسية والانهيار العصبي والكآبة وغيرها من مظاهر التوتر النفسي، وهو ما يُحدث خللا نفسيا يرتدّ على حياة البشر في إطارها الفردي والعائلي والاجتماعي عموماً.

ناهيك عن العوز الأخلاقي الذي ابتليت به المجتمعات، وكل ذلك يعتبر من ضمن الضريبة التي دفعتها وتدفعها البشرية نتيجة لذلك التطور المادي البحت.

● سقوط الأمم:

إن السلوكيات الأخلاقية الإيجابية وآدابها هي التي تُميز الإنسان عن البهائم في تحقيق حاجاته الطبيعية، أو في علاقاته مع الغير فالآداب الأخلاقية في جميع المعاملات وقضاء الحاجات الإنسانية زينة الإنسان الحقيقية.

والمتتبع لأحداث التاريخ ومجرياته يعي بأنَّ سقوط الكثير من الأمم والحضارات كان بسبب انهيار الأخلاق .

وبحسب “ويل ديورانت” فالحضارة تقوم بالضرورة على مقومات محددة وﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﻭﺍﺣﺪ من تلك المقومات ﻳﻤﻜﻦ أﻥ ﻳﺪﻣﺮ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻭﻳﻘﻮﺩ إﻟﻰ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ

وهذه المقومات هي:

– وﺟﻮﺩ ﻧﻈﺎﻡ ﺳﻴﺎﺳﻲ.

– ﻭﺟﻮﺩ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻛﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﺗﺼﺎﻝ ﻭﺗﻔﺎﻋﻞ ﻋﻘﻠﻲ ﻭﺛﻘﺎﻓﻲ.

– ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻗﻴﻤﻴﺔ ﻭأﺧﻼﻗﻴﺔ ﻣﺘﻌﺎﺭﻑ ﻭﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺟﻬًﺎ ﻭﻫﺎﺩﻳًﺎ ﻭﺣﺎﻓﺰًا

– ﻭﺟﻮﺩ ﺩﻳﻦ أﻭ ﻋﻘﻴﺪﺓ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺣﺎﻛﻤﺔ.

– ﻭﺟﻮﺩ ﻧﻈﺎﻡ ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ ﻳﻨﻘﻞ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺍلأﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ.

والملاحظ بأن العالم اليوم يشهد عوز الكثيرين أخلاقياً بسبب الأنانية التي فرضتها الحياة المادّية الصرفة ، وهذا لا ينطبق على الأفراد فحسب ، بل بات ينطبق على سياسات الدول “العظمى” في تعاملها مع شعوب ((العالم الثالث)) كما يصنفونهم ، وقد شهدت الأعوام الأخيرة قمة الانحطاط الأخلاقي لتلك الدول العظمى إلى درجة تدمير البيئة غير آبهين بالنتائج ، واستباحة حياة البشر ودمائهم بل وحرق وتدمير مدن على رؤوس قاطنيها بحجج واهيةٍ إما بشكلٍ مباشر أو بأدواتهم الوظيفية المحلية تمهيداً لتنفيذ مشاريعهم القذرة والعابرة للقارات ودون أي اعتراض من شعوبهم “المتمدنة” التي أوصلتهم بديمقراطيتها الانتخابية إلى مراكز القرار حيث خولتهم تلك المراكز أن يعبثوا بمصائر غيرهم ، تلك الشعوب التي ما فتئت تدعي حرصها الدائم على حقوق الإنسان وحقوق الحيوان !

● تطور أم تخلف:

نعم.. لقد تطور العالم في معظم مجالات الحياة وميادينها، لكن المؤسف أنه قد تخلف كثيراً في السلوكيات الاجتماعية والأخلاقية.

والتخلف هنا ليس كما يعتقد البعض بأنه مرتبط بالغباء والتخلف العقلي أو الجنون، بل ربما يحمله أكثر الناس مكراً.. ولا أقول ذكاءً، فشتان بين المكر والذكاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

قراءة متأنية في الربيع السعودي الإيراني (ج2)

نزار فاضل السامرائي بعد توقيع اتفاق التفاهم السعودي الإيراني بوساطة صينية، وصفها …