دين ودنيا

قسم الصدقات (11)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

صدقة التطوع
فضلها ودليل مشروعيتها:
رود في فضل الصدقة والإنفاق في ذم البخل والشح والحث علي الانفاق في الطاعات ووجوه الخيرات آيات وأحاديث كثيرة نذكر طرفا منها.
فمن الآيات قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة 254] وقوله عز وجل: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد 7] وقوله تبارك وتعالى:{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون 10] وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [التغابن 16] قال الله تعالي: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر 9] وقال تعالي: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء 29] وقال عزوجل: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ 39] أما الأحاديث:
فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقا خلفاً، ويقول اللهم اعط ممسكا تلفا ” (رواه البخاري ومسلم)
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ” اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فان الشح أهلك من كان قبلكم حملهم علي أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ” (رواه مسلم)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قال الله تعالي: أنفق ينفق عليك ” (رواه البخاري ومسلم)
وعن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا توكي فيوكي عليك ” (رواه البخاري ومسلم)
وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله تعالي الا رفعه الله ” (رواه مسلم)
مستحبات في صدقة التطوع:
1- يستحب لمن فضل عن كفايته وما يلزمه شئ ان يتصدق، لقوله صلى الله عليه وسلم ” ليتصدق الرجل من ديناره وليتصدق من درهمه وليتصدق من صاع بره وليتصدق من صاع تمره ” (رواه مسلم في صحيحه بلفظه هذا من رواية جرير بن عبد الله وهو بعض حديث)
ولقوله صلة الله عليه وسلم فيما روى أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من أطعم جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله عزوجل يوم القيامة من الرحيق المختوم يوم القيامة ومن كسا مؤمنا عاريا كساه الله تعالى من خضر الجنة”(رواه أبو داود والترمذي واسناده جيد)
2- ويستحب الاكثار من صدقة التطوع في شهر رمضان لما روى ابن عباس رضى الله عنهما قال ” كان رسول الله صلي الله عليه وسلم اجود الناس بالخير وكان اجود ما كون في رمضان ” (رواه البخاري ومسلم) وهى في رمضان آكد منها في غيره للحديث ولانه أفضل الشهور ولان الناس يشتغلون فيه عن المكاسب بالصيام واكثار الطاعات فتكون الحاجة فيه أشد
3- يستحب الاكثار من الصدقة عند الامور المهمة وعند الكسوف والسفر، وبمكة والمدينة، وفى الغزو والحج، والاوقات الفاضلة كعشر ذى الحجة وايام العيد ونحو ذلك ففى كل هذه المواضع هي آكد من غيرها
4- يستحب أن يخص بالصدقة الاقارب وقد أجمعت الامة علي ان الصدقة علي الاقارب افضل من الاجانب والاحاديث في المسألة كثيرة مشهورة، منها قوله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود: “زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم” (رواه البخاري ومسلم) ومذهب الشافعي أنه لا فرق في استحباب صدقة التطوع على القريب وتقديمه علي الأجنبي بين ان يكون القريب ممن يلزمه نفقته أو غيره.
وهكذا الكفارات والنذور والوصايا والاوقاف وسائر جهات البر يستحب تقديم الاقارب فيها حيث يكونون بصفة الاستحقاق
ويستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة ليتألف قلبه ويرده إلى المحبة والألفة ولما فيه من مجانبة الرياء وحظوظ النفوس.
5- يستحب الاخفاء في صدقة التطوع، وأن يفعلها في السر، وهو أفضل لقوله عزوجل: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة 271] ولما روى ابو هريرة رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله امام عادل ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ” (رواه البخاري ومسلم) أما الزكاة فيستحب إظهارها باتفاق اصحاب الشافعي وغيرهم من العلماء كما أن صلاة الفرض يستحب إظهارها في المسجد والنافلة يندب إخفاؤها.
6- يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير وأهل المروءات والحاجات، فلو تصدق على فاسق أو على كافر من يهودى أو نصراني أو مجوسي جاز وكان فيه أجر في الجملة لقول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإِنسان 8] ومعلوم أن الأسير حربيّ.
وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” قال رجل لاتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فاصبحوا يتحدثون تصدق علي سارق فقال اللهم لك الحمد لاتصدقن بصدقة فخرج فوضعها في يد زانية فاصبح الناس يتحدثون تصدق على زانية فقال اللهم لك الحمد لاتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنى فاصبحوا يتحدثون تصدق علي غنى فقال اللهم لك الحمد على سارق وعلي زانية وعلي غنى؛ فاتي فقيل له: أما صدقتك علي سارق فلعله ان يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما الغنى فلعله يعتبر وينفق مما آتاه الله تعالى ” (رواه البخاري ومسلم)
وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذى كان قد بلغ مني فنزل البئر فملا خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتي رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يارسول الله ان لنا في البهائم أجرا فقال في كل كبد رطبة أجر ” (رواه البخاري ومسلم) وفى رواية لهما ” بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني اسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها به ” الموق= الخف
7- يستحب ان يتصدق بما تيسر ولا يستقله ولا يمتنع من الصدقة به لقلته وحقارته فان قليل الخير كثير عند الله تعالى وما قبله الله تعالى وبارك فيه فليس هو بقليل قال الله تعالي: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة 7] وفى الصحيحين عن عدى بن حاتم رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اتقوا النار ولو بشق ثمرة ”
وفى الصحيحين ايضا عن أبى هريرة قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة ” قال أهل اللغة الفرسن من البعير والشاة كالحافر من غيرهما.
8- يستحب دفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة وجه، ويحرم المن بها، فلو مَنَّ بها بَطُلَ ثوابه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة 264] 9- يستحب تعمد الصدقة بأجود ماله وأحبه إليه لقوله تعالي:{لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران 92] وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة 267] 10- يستحب لمن يصبر الإضافة التصدق بجميع الفاضل عن دينه ونفقته ونفقة عياله وسائر مؤنهم، لما روى عمر رضى الله عنه قال: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لاهلك، فقلت: مثله، وأتي أبو بكر رضى الله عنه بكل ماله، فقال له رسول صلي الله عليه وسلم: ما أبقيت لاهلك، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا اسابقك إلى شئ أبدا ” (صحيح رواه أبو داود في كتاب الزكاة والترمذي في المناقب وقال حديث صحيح)

مكروهات في صدقة التطوع:
1- يكره ان يتصدق بصدقة التطوع وهو محتاج الي ما يتصدق به لنفقته أو نفقة عياله وقال بعض أهل العلم:لا يجوز، وقال بعضهم: لا يستحب، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ” ان رجلا أتي النبي صلي الله عليه وسلم فقال يارسول الله عندي دينار، فقال انفقه على نفسك، قال: عندي آخر، قال: انفقه علي ولدك، قال: عندي آخر قال انفقه علي أهلك قال عندي آخر قال: انفقه على خادمك، قال: عندي آخر، قال أنت أعلم به ” (رواه أبو داود والنسائي في سننهما باسناد حسن)
وقال صلي الله عليه وسلم ” كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ” (رواه أبو داود باسناد صحيح) ورواه مسلم في صحيحه بمعناه ” كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته ” (وهو من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص) فيبدأ بنفسه ثم بمن يعول لأن نفقة من يعول فرض والفرض أولى به من النفل؛ ثم بقرابته ثم من شاء
2- يكره وقيل: لا يجوز لمن عليه دين وهو محتاج الي ما يتصدق به لقضاء دينه لأنه حق واجب فلم يجز تركه بصدقة التطوع كنفقة عياله. والمختار انه إن غلب علي ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى فلا بأس بالصدقة وقد تستحب وإلا فلا تحل.
3- يكره لمن تصدق بشئ صدقة تطوع أو دفعه إلي غيره زكاة أو كفارة أو عن نذر وغيرها من وجوه الطاعات أن يتملكه من ذلك المدفوع إليه بعينه بمعاوضة أو هبة.
ولا يكره ملكه منه بالارث، ولا يكره أيضا أن يتملكه من غيره إذا انتقل إليه، لحديث عمر رضى الله عنه قال ” حملت علي فرسى في سبيل الله فأضاعه الذى كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا تشتره وإن أعطا كه بدرهم فان العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ” (رواه البخاري ومسلم)
واتفق أصحاب الشافعي على أنه لو ارتكب المكروه واشتراها من المدفوع إليه صح الشراء وملكها لانها كراهة تنزيه ولا يتعلق النهي بعين المبيع (المجموع6/242)
4- يحرم المن بالصدقة، بل يستحب دفعها بطيب نفس وبشاشة وجه كما ذكرنا، ويبطل ثوابه مَنْ مَنَّ بها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة 264] وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ” ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم قال فقرأها رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يارسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ” (رواه مسلم) والمراد المسبل إزاره أو ثوبه تحت الكعبين للخيلاء.
5- يكره تعمد الصدقة بالردئ، لقول الله تعالي: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة 267] 6- تكره الصدقة بما فيه شبهة ويستحب أن يختار أجل ماله وأبعده من الحرام والشبهة لحديث أبى هريرة رضى الله عنه قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فَلُوّه حتى يكون مثل الجبل ” (رواه البخاري ومسلم) والفلو بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو ويقال بكسر الفاء وإسكان اللام هو ولد الفرس في صغره)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أيها الناس ان الله تعالي طيب لا يقبل الا طيبا وأن الله تعالي أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال عزوجل {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون 51] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الي السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه جرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فانى يستجاب لذلك ” (رواه مسلم)
7- يكره لمن لا يصبر أن يتصدق بكل ماله، لما روى جابر رضى الله عنه قال ” بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل البيضة من الذهب اضابها من بعض المعادن فأتاه من ركنه الايسر فقال يارسول الله خذها صدقة فوالله ما اصبحت املك غيرها فأعرض عنه ثم جاءه من ركنه الايمن فقال مثل ذلك فأعرض عنه ثم اتاه من بين يديه فقال مثل ذلك فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم هاتها مغضبا فحذف بها حذفة لو اصابه لاوجعه أو عقره ثم قال صلي الله عليه وسلم يأتي احدكم بماله كله يتصدق به ثم يجلس بعد ذلك يتكفف الناس انما الصدقة عن ظهر غنى ” (رواه أبو داود واسناده كله صحيح إلا أنه من رواية محمد ابن اسحق صاحب المغازى عن عاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن اسحق مدلس والمدلس إذا قال عن لا يحتج به)
فرع وتتمات:
1- يكره للانسان أن يسأل بوجه الله تعالي غير الجنة ويكره منع من سأل بالله وتشفع به لحديث جابر قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تسأل بوجه الله تعالى الا الجنة ” (رواه أبو داود) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من استعاذ بالله فاعيذوه ومن سأل بالله فاعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع اليكم معروفا فكافئوه فان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتي تروا انكم قد كافئتموهم ” (حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي باسناد الصحيحين وفى رواية البيهقى ” فاثنوا عليه ” بدل فادعوا له)
2- تحل صدقة التطوع للاغنياء ولبني هاشم وبني المطلب لما روى عن جعفر بن محمد عن ابيه ” انه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة فقال انما حرمت علينا الصدقة المفروضة ” (رواه البيهقي في الكبرى وفي معرفة السنن، والبغوي في شرح السنة، وجعفر بن محمد هو جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهم أجمعين)
3- تحل صدقة التطوع للاغنياء بلا خلاف فيجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها ولكن المحتاج افضل
4- يستحب للغنى التنزه عنها ويكره التعرض لأخذها، ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة، وعلى هذا حمل الحديث الصحيح ” ان رجلا من اهل الصفة مات فوجد له ديناران فقال النبي صلي الله عليه وسلم كيتان” يعني من نار (رواه أحمد وابن حبان)
وأما إذا سأل الغنى صدقة التطوع فقد قطع الشافعية بتحريمها عليه قال إذا كان غنيا عن المسألة بمال أو بضيعة فسؤاله حرام، وما يأخذه محرم عليه، وذكر الغزالي وغيره من الشافعية في كتاب النفقات تحريم السؤال على القادر علي الكسب وقالوا ظاهر الاخبار تدل على تحريمه، وفى الاحاديث الصحيحة تشديد أكيد في النهى عن السؤال، وظواهر كثيرة تقتضي التحريم، وأما السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرام ولا مكروه.
5- إذا عرض على أحد مال من حلال على وجه يجوز أخذه ولم يكن منه مسألة ولا تطلع إليه جاز له أخذه بلا كراهية، ولا يجب، وقال بعض أهل الظاهر يجب لحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن ابيه عن عمر رضى الله عنه قال ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فاقول: أعطه أفقر مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه وما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك قال فكان سالم لا يسأل أحدا شيئا أعطيه ” (رواه البخاري ومسلم)
ويجوز عدم الأخذ لحديث حكيم بن حزام رضى الله عنه قال ” سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعطاني ثم سألته فاعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوه فمن اخذه بسخاوة نفس بورك له فيه و من اخذه باشراف لم يبارك له فيه وكان كالذى يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلي قال حكيم فقلت يارسول الله والذى بعثك بالحق لا ارزأ احدا بعدك شيئا حتى افارق الدنيا فكان ابو بكر رضى الله عنه يدعوا حكيما ليعطيه العطاء فيأبي أن يقبل منه شيئا ثم ان عمر رضى الله عنه دعاه ليعطيه فأبى ان يقبله فقال يا معشر المسلمين اشهدكم على حكيم انى اعرض عليه حقه الذى قسم الله له في هذا الفئ فيأبى ان يأخذه فلم يرزأ حكيم احدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى ” (رواه البخاري ومسلم)
6- يجوز للمرأة ان تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره بما أذن فيه صريحا وبما لم يأذن فيه ولم ينه عنه إذا علمت رضاه به، وإن لم تعلم رضاه به فهو حرام.
7- فضل صدقة الصحيح الشحيح: عن أبى هريرة رضي الله عنه قال ” سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخاف الفقر، ولا تمهل حتي إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا ألا وقد كان لفلان ” (رواه البخاري ومسلم)
8- قال اختلف السلف في أن المحتاج هل الافضل له أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع؟ فذهب بعض أه العلم إلى أن الأخذ من الصدقة أفضل لئلا يضيق على أصناف الزكاة، ولئلا يخل بشرط من شروط الآخذ، بخلاف الصدقة فان أمرها أهون من الزكاة. وقال آخرون: الأخذ من الزكاة أفضل لأنه إعانة علي واجب، ولو ترك أهل الزكاة كلهم أخذها أثموا ولأن الزكاة لا مِنَّة فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى