مقالات

هل انتهت قضية أرامكو عند هذا الحد؟

خالد محفوظ

كاتب وإعلامي عراقي
عرض مقالات الكاتب

لو كان الاعتداء الإيراني على أرامكو قد حصل قبل عشر سنوات من الأن، هل كانت أمريكا ستتعامل معه بنفس البرود الحالي؟

بل هل كان المجتمع الدولي برمته سيقف متفرجاً كما يحصل الأن؟

كيف يسمح العالم لإيران بتهديد ثلاثين بالمائة من أمدادات الطاقة ومشاغباتها في مضيق هرمز؟

هل الحديث عن الحكمة وضبط النفس وعدم الرغبة في الدخول بحرب فورية تسعى لها إيران من أجل الهروب من أزماتها الداخلية المستفحلة هو حديث واقعي في ظل هذه المعطيات؟

الإجابات ليست صعبة ، إذ أن ردود الفعل قبل عقد لا اكثر من الزمن كانت ستكون دون أدنى شك عسكرية وبحجم وزخم وقوة نارية غير تقليدية ، لأن الاعتداء في الواقع لم يستهدف المملكة العربية السعودية وحدها وإنما أمدادات الطاقة العالمية برمتها وهو ما يجعل الرد يكون شاملاً وغير محدود ودون تأخير حفاظاً على توازنات القوى الدولية أولاً وهيبة الولايات المتحدة ثانياً ، لكن لماذا لم يحدث شيء من هذا القبيل هذه المرة ولمصلحة من يتم تمويع وتذويب ومن ثم تناسي الرد شيئاً فشيئاً وصولاً لتجاوز الحادث بمرور الوقت أو التعامل معه فيما بعد بالحد الأدنى أو بالأصح بطريقة شكلية لا تتناسب مع حجم الجريمة .

المثير للخيبة فيما حصل هو غياب وتلاشي الموقف العربي من الاعتداء الإيراني الخطير سواء مصر أو الأردن أو غيرهما من منظومة جامعة عربية ضعيفة واهنة أظهرت عدم قدرتها في الدفاع عن نفسها بوجه تمدد إيراني يضرب الأمن القومي في الصميم ويزداد يومياً وأول من حذر منه قبل سنوات عدة ه

رتها في الدفاع عن نفسها بوجه تمدد إيراني يضرب الأمن القومي في الصميم ويزداد يومياً وأول من حذر منه قبل سنوات عدة هو عبدالله ملك الأردن عندما وصفه بالهلال آنذاك، لكن عمان نفسها تلتزم الصمت اليوم وهي ترى الهلال يتحول قمر مكتمل النمو وهنا نسوق الأردن كمثال فقط.

إيران تتعرض لضغوط اقتصادية  تشكل خطراً على الاستمرار في توسعة نفوذها وإحداث المزيد من التغييرات الديموغرافية والجيوسياسية في المنطقة وهو هدفها الأساسي في سياستها الخارجية خلال السنوات العشر المنصرمة ، لكنها اليوم أصيبت بسبب العقوبات الأمريكية بتباطء يزداد مع مرور الوقت وتنعكس تأثيراتها على الداخل الإيراني الذي يعاني من العقم والتردي الاقتصادي أصلا وسط انهيار تام للعملة وعدم القدرة على تصدير نسبة كبيرة من النفط وقطع أليات التبادل والمعاملات المصرفية مع الخارج مما يشكل حالة من اليأس لدى الداخل ، وهو ما يدفع عشرات الآلاف من الإيرانيين للفرار سنوياً من بلادهم طالبين اللجوء في دول أوربا الغنية أو حتى في أمريكا وكندا وأستراليا ، وهو ما يدق جرس الإنذار بقوة لدى صانع القرار وراسم السياسات في طهران ويجعله يفكر في إيجاد مخرج سريع من الضغوط الاقتصادية التي تزيد الطين بلة ، لكن ماهي افضل الحلول في هذه الظروف ، انها الحرب .

دون أدنى شك فأن نظام الملالي ليس عدو للولايات المتحدة وإحداث الأربعة عقود الماضية والمحطات الإستراتيجية والوقائع الكبيرة في المنطقة وما جرى في العراق ثم سوريا واليمن ولبنان خلال السنوات الستة عشر الفائتة يثبت والدليل القاطع حجم التعاون بين واشنطن وطهران وقدرتهما التامة على التعايش تحت الطاولة بعيداً عن معاركهما الإعلامية وحربهما الكلامية التي صدعت رؤوس العالم ، لكن الأرض ومجريات الأمور كانت دائماً هي التي تقول الحقيقة وليس التصريحات ، غير أن إيران في النهاية تسعى خلف مصالحها وديمومة مشروعها عبر الهروب من مشاكلها للأمام ، لذلك فهي على استعداد للمغامرة عبر تغيير مسيطر عليه في طبيعة علاقتها مع أمريكا ، حتى لو وصل هذا التبدل في الموقف إلى حد المواجهة العسكرية المحدودة .

الحرب تبدو اليوم خياراً استراتيجياً إيرانيا، لكن أي نوع من الحروب!!

ببساطة طهران تريد حرب الوكالة لا سيما وأنها تمتلك أذرع مسلحة أصبحت أشبه بالجيوش النظامية من ناحية العدة والعدد في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة وتمتلك هذه الفصائل الولائية الإيرانية غطاء سياسي واقتصادي وإعلامي لا يستهان به إطلاقا في هذه الدول مما يجعلها لاعباً محلياً مؤثراً وسلاحاً خطيراً بيد نظام الملالي، قادراً على الضرب والتأثير في المناطق الرمادية التي تختارها إيران وهو الأسلوب الذي تتبعه طهران حتى الآن بعيداً عن الحرب المباشرة التي تجعلها تدفع ثمناً باهظاً جداً قد لا تقوى عليه.

خطورة حرب الوكالة الإيرانية إنها تجعل من أغلب دول المنطقة باستثناء إسرائيل ساحة لها، والخطورة الأكبر إن طهران البراغماتية حد النخاع مستعدة لإبادة شعوب هذه الدول، والخطورة الأكبر أن طهران البراغماتية حد النخاع مستعدة لأبادة شعوب هذه الدول والتضحية بأخر مُغرر به من اتباعها في الفصائل المسلحة الولائية وصولاً لتحقيق أهدافها وغاياتها ولا يهمها أن يلتهم الحريق الأخضر واليابس مادامت هي بمنأى عن النار المباشرة ، لكنها تحصد مكتسبات ما يطبخ على هذه النار فيما بعد .

التغول الإيراني وضرب الأمن الداخلي للدول التي تنتشر فيها ميلشياتها وتهديدها في وحدتها المجتمعية والجغرافية وقرصنة سيادتها الوطنية ودفعها في متاهات ليس لها مخرج ، إضافة لاعتداءات طهران المتكررة على السفن المدنية وتحرشاتها المستمرة بالسعودية وغيرها من دول الخليج العربي ، هذا كله يحتاج إلى رد حقيقي من المجتمع الدولي عامة ومن أمريكا خاصة ويجب أن يكون رداً يكسر ظهر إيران ولا يجعلها قادرة على الوقوف مجدداً والحديث عن حرب سبرانية وهجوم إلكتروني لا ينفع مطلقاً مع دولة مارقة تعيش جنون العظمة وتعتمد على أيدلوجيا إعلامية معينة في تعاطيها مع جمهورها وأتباعها تنطلق من مبدأ ( غوبلز ) اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصدق نفسك .

وهذه افضل فرصة لواشنطن من أجل أن تثبت لحلفائها التقليديين في المنطقة أنها ليست مجرد تاجر يتفق مع عدوهم في الخفاء ليبيعهم السلاح في العلن ، بل مساند حقيقي وقت الخطر ، كما أنها فرصة للولايات المتحدة نفسها لتنفي وقوفها البراغماتي وتحالفها السري مع إيران .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى