بحوث ودراسات

“مولانا”: صراع الإسلام والحداثة بين النص الروائي والرؤية السينمائيَّة 2 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تناوُل ’’ مولانا’’ مسألة الأقباط في مصر

يتطرق إلى موضوع التنصر في مصر، وانزعاج الأسر المبالغ فيه حيال الأمر، بما في ذلك أصهار رئيس البلاد (ص144). يظهر في الأحداث نجل رئيس الجمهوريَّة، “جلال بيه”، باعتباره الحاكم الفعلي لمصر، ليطلب من الشيخ حاتم إيجاد حلِّ لمشكلة رغبة الشاب حسن، شقيق زوجته ونجل أحد كبار مستثمري مصر، في اعتناق المسيحيَّة، وتغيير اسمه إلى بطرس. ثار والد الشاب ثورة عارمة لمَّا عرف بتنصُّره؛ فحطَّم الصلبان والأيقونات التي وجدها في غرفة ابنه، في مشهد يوحي باستهزاء المسلمين بالمسيحيَّة ورموزها.

صورة 11 – من فيلم مولانا

يُقدَّم الشيخ فتحي وأمثاله على أنَّهم هم من كرَّهوا الشاب المتنصِّر حسن في الإسلام بسبب تملقهم أصحاب السلطة والمال، فقد رآه حسن يتزلف لوالده (صهر الرئيس) من أجل فيلا (ص153). يلجأ نجل الرئيس إلى حاتم تحديدًا؛ لأنَّ أسرة الشاب لاحظت متابعته حلقات الشيخ على إحدى القنوات. نلاحظ في اللقطة أنَّ الشيخ يظهر على شاشة، تعلوها أيقونة لأم يسوع، وعلى أحد جانبيها تمثال للعذراء تحمل رضيعها. ونلاحظ كذلك أنَّ ديكور البرنامج المنعكس على الخلفيَّة عبارة عن زخارف مكوَّنة من قضبان متقاطعة في وسطها تجويف، وهي نفس فكر الرباعي المقدَّس، أهم رمز للمسيحيَّة، وهو صليب يعبِّر عن الثالوث الذَكَري، وفي وسطه منفذ يشير إلى وحدة الأنثى.

صورة 12 – من فيلم مولانا

يدخل حاتم في حوار مع حسن، يبدأه الأخير بادعاء خوف القساوسة من تنصير المسلمين خشية المساءلة، حيث هرب القس من حسن بعد أن عرف هويته (ص154)، مستنكرًا سكوت الأقباط على ما يتعرضون إليه. يستفيض الشاب المتنصِّر في شرح المسألة بإرجاع كره المسلمين للمسيحيين بسبب سطوة الدول المسيحية الغنية على العالم بطريقة تنم عن وعي لا يتوافق مطلقًا مع ضحالة تفكيره ونفاقه وما أبداه من قبل من تصرفات (ص155). يصف الروائي كيفية التعامل مع الأقباط في مصر بالرياء بإظهار التودد وإخفاء البغض (ص157)، ويفسِّر تنصُّر حسن بأنَّه تمرُّد على الصبغة الدينية التي تحيط دولة الفساد نفسها بها، فهو أراد الخروج من الإسلام بسبب ضميره اليقظ (ص163). يرى حاتم أنَّ رحمة الله تشمل جميع البشر، بعض النظر عن دياناتهم، ويقول للشاب (ص169):

إلى جانب استخدام الشيخ الأزهري ألفاظًا لا تليق بمن مثله-“ولاد كلب وولاد هرمة”-يعبِّر حاتم عن عقيدة المرجئة، التي تؤمن بأنَّ رحمة الخالق تشمل جميع الخلْق، طالما شهدوا له بالألوهيَّة، ولو عبدوا الطير والجماد. ويزداد اعتناق الشيخ فِكر المرجئة وضوحًا فيما يلي (ص170-171):

يدلِّس الشيخ حاتم في سبيل الهروب من حقيقة تفسير الآية 85 في سورة آل عمران “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، رغم أنَّ الصحابي عبد الله بن عبَّاس قد رُوي أنَّ هذه الآية نزلت للتعقيب على ما جاء في الآية 62 من سورة البقرة “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ إلى قوله: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ”، والتأكيد على أنَّ اعتناق أيِّ عقيدة غير صحيح عقيدة الإسلام سيكون خاسرًا يوم القيامة بسبب إحباط عمله، ويشهد بذلك قوله تعالى في سورة الكهف “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)”. ويقول الطبري في تفسيره الآية 85 من سورة آل عمران “أَهْل كُلّ مِلَّة اِدَّعَوْا أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، فَأَمَرَهُمْ اللَّه بِالْحَجِّ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّة الْإِسْلَام الْحَج، فَامْتَنَعُوا، فَأَدْحَضَ اللَّه بِذَلِكَ حُجَّتهمْ”. إذا كان المسيحيُّون يعبدون الربَّ يسوع المسيح، تجسيد الله، بحسب عقيدتهم، فهذا لا يقبله الإسلام، كما لا يقبل ادعاء الألوهية لله، والربوبيَّة لغيره، مصداقًا لقوله تعالى في سورة الزمر “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (40)”.

صورة 13 – من فيلم مولانا

يواصل حاتم تأويل آيات القرآن بما يتناسب مع هواه في إقناع حسن بأنَّ المسيحيين ليسوا كفارًا (ص173)، مستشهدًا هذه المرَّة بالآية 55 من سورة آل عمران ” إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”. يخاطب الله تعالى عبدَه ورسوله إلى بني إسرائيل “يَا عِيسَى“، وليس يا يسوع، وشتَّان بين ما يرتبط بين كلٍّ من الاسمين؛ لأنَّ يسوع، أو يشوع، يعني الخلاص، ويعني ذلك أنَّ الإيمان بيسوع يكفل التبرير في ملكوت الربِّ، أي النجاة من العذاب يوم الدينونة، بلا حساب. أمَّا عن قول الله “الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ“، فالمقصود بهم ليس المسيحيين ممن عبدوا يسوع ابن الله، إنَّما أتباع نبي الله عيسى بن مريم، الذي عرَّف نفسه في الآية 30 من سورة مريم، قائلًا “إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا“، وهم الذي تقول عنهم الآية 83 من سورة المائدة “إِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ“.

نعرف أنَّ نبي الله عيسى رفض اعتباره المخلَّص المزعوم في العهد القديم، ونبذ كفر بني إسرائيل ممن أصرُّوا على تحريف رسالته ليتَّبع أهواءهم، وهذا ما أخبرت عنه الآية 52 من سورة آل عمران “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ“. أهل الكفر هم من أصرُّوا على العقيدة اليهوديَّة الباطنيَّة، التي تزعم أنَّ الإيمان يكفي بلا عمل لنيل رحمة الإله، وأنَّ روح الإله تتنزَّل على أحد خلقه فيصير تجسيده؛ أي أنَّ من يُقصد بهم “الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ” في الآية 55 من نفس السورة، هم من قالوا “نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” في الآية 52، فهل هذا قول المسيحيين؟ يعبِّر الروائي عن فهمه للآية كما يلي، والذي يعبِّر من جديد عن فِكر المرجئة، القائل بأنَّ الإيمان يقتصر على عبادة إله واحد، على اعتبار أنَّ التثليث يقوم على فكرة اشتراك الأقانيم الثلاثة-الآب والابن والرُّوح القُدُس-في الجوهر، والجوهر هو المعبود (ص173):

ينتقل الروائي إلى مرحلة أخرى في مسألة تنصُّر ابن النظام الحاكم، وهي اعتقاله مع متنصِّرين آخرين، بعد اصطياد أمن الدولة لهم، وضربهم ضربًا عنيفًا، والقبض عليهم. لم يُفرج سوى عن حسن؛ لأنَّه من علية القوم، فيلجأ إلى مكتب الشيخ حاتم، الذي يطلب منه أمن الدولة محاولة لإرجاع المتنصِّرين عن موقفهم، وإعادتهم إلى الإسلام.

صورة 14 – من فيلم مولانا

ما يثير الدهشة هو تعجُّب حاتم من وجود جماعات تنصيريَّة في مصر (ص180)

لا يرى الشيخ في سعي المسيحيين إلى دخول الإسلام سوى محاولة لسد نقص داخلي لدى الدعاة إلى الإسلام، ممن يعانون من الهزيمة النفسيَّة والعجز عن إثبات الذات. أمَّا بالنسبة إلى دخول المسلمين المسيحيَّة، فهو يرجع إلى رغبة الدعاة إلى المسيحيَّة إثبات وجودهم في بلد تسيطر عليه الثقافة الإسلاميَّة ويعانون فيه من الاضطهاد والتجاهُل. يعني هذا أنَّ المسلمين قوم مغرورون، يدَّعون تفوُّقهم على المسيحيين، ويرغبون في سلبهم أبناءهم لإثبات ذلك تعويض ما لديهم (المسلمين) من نقص، وهم ملومون في ذلك، على حدِّ زعم الشيخ. أمَّا المسيحيُّون، فهم مضطهدون، ويجدون منفذًا لإحباطهم من اتِّهامهم المسلمين لهم بالكُفر في وسائل الإعلام بإثبات سعي أبنائهم اعتناق عقيدة هم يرونها من الشرك بالله؛ وبالتالي فالمسيحيُّون معذورون.

يدخل الشيخ حاتم في حوار مع الشباب المتنصِّرين، يكشف عن السبب الأساسي لتركهم الإسلام، ويخبر عن اتهام الروائي، على لسانهم، له: عجزه عن مسايرة روح الحداثة والمدنيَّة، ودليل عجزه أنَّ الأمة الإسلاميَّة هي الآن أفقر الأمم (ص201-202):

يردُّ حاتم، مستخدمًا أبشع الألفاظ النابية في وصف المسلمين العرب، واعتباره إيَّاهم مصدر التخلُّف والرجعيَّة، ومُثنيًا على كلِّ أمَّة نجحت على المستوى المادِّي، حتَّى ولو لم تكن مسلمة. ومقصود الشيخ من كلامه هو أنَّ كلَّ أمَّة لا تحقَّق النجاح والوفرة الماديَّة هي “عار” على دينها، وإن اختصَّ أمَّة العرب بالذكر (ص202-203):

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى