بحوث ودراسات

حقيقة علاقة إيران بأمريكا وإسرائيل: قراءة في كتاب “التحالف الغادر” لتيريتا بارسي 5 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

دور إيران في ‘‘الحرب الأهليَّة’’ في سوريا

منذ اندلاع الثَّورة الخمينيَّة وقيام الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة عام 1979 ميلاديًّا، اتَّخذت الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة موقفًا إيجابيًّا تجاه تلك الثَّورة، وكانت سوريا من بين الدِّول العربيَّة القليلة الدَّاعمة للخميني وزمرته، وفق ما جاء في مقال نشره موقع صحيفة النَّهار اللبنانيَّة، صدر في 30 أكتوبر 2015.

يشير مقال النهار إلى أنَّ نظام حافظ الأسد قد تمتَّع بعلاقات طيِّبة مع نظام الخميني، على حساب الدول السُّنِّيَّة المجاورة، وعلى رأسها العراق، التي اتَّخذ الأسد موقفًا معاديًا لها في حربها مع إيران.

وبعد وفاة حافظ الأسد في 10 يونيو من عام 2000، احتفظ بشَّار الأسد بنهج أبيه في التعامل المباشر مع نظام ملالي الشِّيعة، بل وزار إيران، أسوةً بأبيه في يناير من عام 2001، أشهر قليلة بعد تقلُّده منصب رئيس سوريا.

وقد بادل الرئيس الجديد وقتها، محمود أحمد نجادي، الأسدَ الزيارة، في يناير من عام 2006، أي أشهر قليلة قبل اندلاع حرب حزب الله اللبناني مع إسرائيل في صيف 2006، والتي اتَّخذ فيها الأسد موقفًا مؤيِّدًا لشيعة لبنان.

جدير بالذِّكر أنَّ بشَّار الأسد وجَّه كلمة شديدة القسوة إلى الحُكَّام العرب، وتحديدًا حُكَّام الخليج، توبيخًا شديدًا على موقفهم من حرب لبنان 2006، بأن قال أنَّ تلك الحرب عرَّت الوضع في العالم العربي كما هو، وأسقطت الأقنعة عن كثيرين، ممن وصفهم بـ “أصحاب أنصاف المواقف، أو أنصاف الرجال“. وقد أثارت هذه الكلمة غضب العاهل السَّعودي السَّابق، الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذب رفض، بحسب ما نُقل عن صحيفة السياسة الكويتيَّة، مقابلة الأسد لتبرير موقفه والاعتذار عمَّا صدر منه، وقد اعتذر نائبة رسميًّا، موضحًا أنَّه لم يكن يقصد الحُكَّام العرب بـ ‘‘أنصاف الرجال’’.

بعد استعراض أهم محطَّات التقارب الإيراني-السُّوري قبل اندلاع الثَّورة السُّوريَّة، أو الحرب الأهليَّة السُّوريَّة، في 15 مارس/آذار من عام 2011، يبدو أنَّ هذا التقارب قد تضاعف بعد أحداث سوريا الدَّامية من ذلك التَّاريخ وإلى اليوم، حيث أصبح تحالفًا استراتيجيًّا بين البلدين، قدَّمت في إيران إلى نظام الأسد “الدعم اللوجستي والتقني والمالي وتدريب الجيش السوري وإرسال بعض القوات المقاتلة الإيرانيَّة”، وفق ما تذكره موسوعة ويكبيديا الرقميَّة، في تبويب عنوانه ‘‘تدخُّل إيران في الحرب الأهليَّة السوريَّة’’، مضيفةً أنَّ عليَّ خامنئي، المرشد الأعلى للثَّورة الإيرانيَّة، قد أصدر فتوى لصالح نظام الأسد تجيز ‘‘الجهاد’’ في مواجهة الفئة المتمرِّدة على نظامه. وقد نشر ويكيبيديا هذه الإحصاءات لضحايا الأحداث.

تناول موقع الحُرَّة الأمريكي، في إصداره العربي، الدور الإيراني في سوريا منذ 2011، مع إبراز الدَّور الرُّوسي فيما حدث.

تنبَّه نظام الملالي إلى أنَّ فُرقة القوَّات السُّنِّيَّة وتشتتها بين العديد من الفرق كان له تأثير في تفوُّق نظام بشَّار الأسد، الذي أصبحت المليشيات الإيرانيَّة الشِّيعَّة ‘‘جزءً لا يتجزَّأ’’ من نظامه. ويضيف مقال الحُرَّة:

الهدف من تجنيس الشيعة واحلالهم محل السُّنَّة

تفتح الكلمات الأخيرة في مقال الحُرَّة ملفًّا هامًّا يستدعي التناول المفصَّل، وهو إحلال الشِّيعة الوافدين من دول آسيا الوُسطى مكان السُّوريِّين، واستيطان أرضهم، في خطوة شديدة القُرب من الاستيطان اليهودي لأرض فلسطين، وفق ما جاء في تقرير مصوَّر عُرض خلال إحدى حلقات برنامج ستوديو صفا، المذاع عبر قناة صفا الفضائيَّة السعوديَّة، في 8 ديسمبر 2018. قارن التقرير إعادة تشكيل الهيكل السُّكَّاني للقُدس الشَّريف وأرض فلسطين أواخر القرن الثَّامن عشر، بزرع الشِّيعة في هذه الآونة في سوريا، حيث بدأ الاستيطان اليهودي في فلسطين عام 1855 ميلاديًّا، على يد أحد الأثرياء الصهاينة، حيث نجح في شراء قطعة أرض في القُدس، أقام عليها بعدها بعامين ‘‘أوَّل حيٍّ سكنيٍّ صهيونيٍّ في فلسطين’’، الذي أُطلق عليه لاحقًا ‘‘يمين موسى’’. يعتبر التقرير أنَّ ذلك الحي كان ‘‘بذرة استيطان فلسطين’’ على يد اليهود.

وقد حلَّ الصحافي أسامة الهتيمي، المتخصِّص في الشأن الشيعي، ضيفًا في تلك الحلقة، وكان من بين موضوعات الحلقة إعادة التغيير الديموغرافي للمناطق التي يحتلَّها الشيعة من البلدان العربيَّة، ليس من خلال إزاحة المواطنين الشيعة في البلد الذي تغزوه إيران ومليشيَّات حزب الله فحسب، إلى المنطقة المستهدفة، إنَّما من خلال جلب مواطنين يعتنقون الملَّة الشيعيَّة ومنحهم جنسيَّة ذلك البلد. وعلَّق الهتيمي على الظاهرة التي تكرَّرت في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، أنَّها ظاهرة طبيعيَّة جدًّا، لمن يفهم رؤية النظام الإيراني الحالي. يعتمد نظام الخميني على بعض العقائد والاستراتيجيَّات، من بينها “تصدير الثورة”، و”ولاية الفقيه”، وكذلك ‘‘أم القرى’’.

يسعى النظام الإيراني إلى جعل مركزيَّة العالم الإسلامي في مدينة قُم، لتكون بديلًا لمكَّة المكرَّمة؛ لأنَّها مدينة الولي الفقيه، وطالما أنَّها مدينة الولي الفقيه؛ فهي أمُّ القرى. يرى الهتيمي أنَّ عقيدة “أم القرى” حيلة لاستقطاب المسلمين، بعد صعوبة تطبيق عقيدة “الولي الفقيه” في عموم ديار الإسلام؛ لأنَّ حولها خلاف عقائدي. هكذا، تصبح إيران وجهة المسلمين، وقبلتهم التي يدافعون عنها. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، لا بدَّ من “توزيع دوائر الانتماء”؛ لأنَّ نظريَّة “ولاية الفقيه” لا تؤمن بالحدود بين البقاع المؤمنة بتلك العقيدة؛ لأنَّ الولي الفقيه نائب الإمام الغائب، الآتي للعالم كلِّه. على ذلك، رأى النظام الإيراني إعادة توزيع السكَّان في المناطق التي تدخلها قوَّاته، ولو من خلال جلب مواطنين شيعة إلى تلك المناطق، التي ليس من المسموح أن تخضع لسلطانه ولا تؤمن بالعقيدة التي يقوم على أساسها. يريد نظام الملالي إحداث عمليَّة تغيير ديموغرافي، كما حدث في العراق لمَّا دخله أراضيه نصف إيراني قبل سنوات عبر معبر زرباطيَّة الحدودي، دون الحصول على تأشيرة؛ لإحداث خلل سكَّاني. وقد أشار موقع سكاي نيوز عربيَّة إلى هذه الواقع في 1 ديسمبر 2015.

عودةً إلى ما أشار إليه أسامة الهتيمي في حلقة 8 ديسمبر من برنامج ستوديو صفا، فقد ذكر أنَّ نظام الملالي يعمل على توسيع ‘‘دائرة الانتماء’’، وهو لا يؤمن بالحدود المقطَّعة بين الدول الخاضعة لولاية الفقيه؛ وبالتَّالي، فالتجنيس هو الحل لضمان ولاء سُكَّان البلاد الخاضعة لولاية الإمام القائم، ويتبع ذلك تعيين نائب للوليِّ الفقيه في كلِّ بلد يسيطر عليه. ويسعى نظام الملالي بذلك إلى نشر عناصر مواليه للولي الفقيه لتحقيق نظريَّة ‘‘أم القرى’’. في هذا السياق، فقد منح بشَّار الأسد الجنسيَّة السُّوريَّة لمليوني إيراني في مارس الماضي، كما نشر موقع صحيفة النَّهار اللبنانيَّة.

وفي السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى ما نشرته شبكة شام الإخباريَّة في 19 يناير 2019، عن انتشار الدعوات العلنيَّة إلى اعتناق المذهب الشِّيعي، في بعض المُدن السُّوريّة، التي سيطر عليها نظام الأسد بمساعدة مليشيات إيران.

وعن النشاط الإيراني في مدينة دير الزور، يقول المقال:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى