دين ودنيا

قسم الصدقات (9)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

من لا يجوز دفع الزكاة إليه
بعد أن ذكرنا الأصناف التي يصرف إليهم الزكاة ، نتبع ذلك بذكر الأصناف التي لا يجوز صرف الزكاة إليهم، فهناك خمسة أصناف لا يجوز دفع الزكاة إليهم.
1- الغنيّ بمالٍ حاضرٍ عنده أو كسبٍ لائقٍ به يكفيه
فلا يجوز دفعها إلي غنيٍ من سهم الفقراء لقوله صلي الله عليه وسلم ” لا حظ فيها لغنيٍ ولا قويٍ مكتسب ” (هذا حديث صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح) فلا يجوز دفعها إلي من يقدر على كفايته بالكسب للخبر، ولأن غناه بالكسب كغناه بالمال، فلا يجوز صرف الزكاة إلي غنيٍ من سهم الفقراء أوالمساكين، ولا إلي قادر علي كسب يليق به يحصل له منه كفايته وكفاية عياله، وسبق بيان هذا في فصل سهم الفقراء وأما الصرف إليه من غير سهم الفقراء والمساكين مع الغني فيجوز كدفعها إلى العامل والغازي والغارم لذات البين والمؤلف، ولا يجوز إعطاء المكاتب مع الغنى ولا ابن السبيل ان كان غنيا هنا، ولا يضر غناه في موضع آخر كما سبق، ولا يعطي الغارم لمصلحة نفسه مع الغنى علي أصح القولين كما سبق.
و عند الحنفية الغني هو من يملك نصاباً من أي مالٍ كان، ولذا فقد صرحوا بأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا من أي مال كان. (الهداية في شرح بداية المبتدي 1/ 112، بداية المبتدي صـ 38)
وأما القدرة علي الكسب فتمنع إعطاء الفقير والمسكين كما سبق وأما باقى الأصناف فيعطون مع القدرة على الكسب بلا خلاف
2- العبد غير المكاتب إذ لا حق فيها لمن به رقّ غير المكاتب، فَلَا تدفع لعبد ليقتات مِنْهَا (الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية صـ 179)
بنو هاشم وبنو المطلب: الزكاة حرام على بنى هاشم وبنى المطلب بلا خلاف الا ما سبق فيما إذا كان أحدهم عاملا والصحيح تحريمه (المجموع6/227)
فلا يجوز دفع الزكاة إلى هاشمي لقوله صلي لله عليه وسلم ” نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة ” (متفق عليه) ولا يجوز دفعها إلى مطلبي لقوله صلى الله عليه وسلم ” إن بني هاشم وبني المطلب شئ واحد، وشبَّك بين أصابعه ” (رواه البخاري) ولأنه حكم واحد يتعلق بذوى القربي فاستوى فيه الهاشمي والمطلبى كاستحقاق الخمس
فلا تحل لهما لقوله صلى الله عليه وسلم “إِنَّ هَذِهِ الصَدَقَات إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لاَ تَحلُّ لِمُحمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ” رواه مسلم.
وقال: “لاَ أَحلُّ لَكُمْ أَهْلَ البَيْتِ مِنَ الصَدَقَاتِ شَيْئاً إِنَّ لَكُمْ فِي خُمْس الخُمْسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ” أي بل يغنيكم.
ولا تحل أيضاً لمواليهم لخبر “مَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ” (رواه النسائي والدارمي وأحمد وابن حبان)
3- من تلزم المزكي نفقته بزوجية أو بعضية: لا يدفعها إليهم من سهم الفقراء ولا من سهم المساكين لأنهم أغنياء بنفقته، ولأنه بالدفع إليهم يجلب إلى نفسه نفعاً وهو منع وجوب النفقة (المجموع6/229)
وله دفعها إليهم من سهم باقي الأصناف إذا كانوا بتلك الصفة إلا أن المرأة لا تكون عاملة ولا غازية كما صرح به بعض فقهاء الشافعية .
4- الكافر: لا تصح للكافر إذا لم يقْصد تأليف قلبه بهَا (المجموع6/228، الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية صـ 179) لخبر الصحيحين “صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلىَ فُقَرَائِهِمْ”
فلايجوز دفع شئ من الزكوات إلي كافرٍ سواء زكاة الفطر أو زكاة المال وهذا لا خلاف فيه عند الشافعية، وهوقول مالك والليث وأحمد وأبو ثور
قال ابن المنذر: أجمعت الامة أنه لا يجزئ دفع زكاة المال إلى الذمي، واختلفوا في زكاة الفطر فجوزها أبو حنيفة، وعن عمرو بن ميمون وعمر بن شرحبيل ومرة الهمذاني أنهم كانوا يعطون منها الرهبان.
نعم الكيال والحمال والحافظ ونحوهم يجوز كونهم كفاراً مستأجرين من سهم العامل لأن ذلك أجرة لا زكاة.

نقل الزكاة
مذهب أبي حنيفة: يكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، وإنما تُفَرّق صدقة كل قوم فيهم، إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته أو إلى قوم هم أحوج من أهل بلده. (مختصر القدوري صـ 60) لما روينا من حديث معاذ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وفيه رعاية حق الجوار(البناية شرح الهداية 3/ 479)
وعند المالكية: أَنَّ كُلَّ مَا دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 2/ 359)
فإذا وجد المستحقون للزكاة في البلد الذي فيه المال والمالك لم يجز نقلها إلى غيره، إلا أنه إذا نقلها ودفعها إلى فقراء غير بلده مضى ذلك وأجزاه، وكذلك لو بلغ الإمام أن ببعض البلدان حاجة شديدة وقحطًا عظيمًا، جاز له نقل شيء من الصدقة والمستحقة لغيره إليه (المعونة على مذهب عالم المدينة صـ 444)
أما الشافعية فلم يجوِّزوا نقل الزكاة وقالوا: لا يجوز لمالك نقل الزكاة عن بلد المال ولو إلى مسافة قريبة ولا تجزئ، ولا دفع القيمة في غير مال التجارة ولا دفع عينه فيه. (فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين صـ 252)
وفي المنهاج: والأظهر منع نقل الزكاة، ولو عدم الأصناف في البلد وجب النقل، أو بعضهم وجوزنا النقل وجب، وإلا فيرد على الباقين، وقيل: ينقل (منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه صـ 203)
وقال االرافعي: إذا عدم في بلد جميعُ الاصنافِ، فلا بد من نقل الزكاة، وليكنِ النقلُ إلى أقرب البلاد إليهَ، وإلاَّ فهو على الخلاف في نقل الصدقات، وإن عدم بعضهم، نُظِرَ إنْ عدم العامل، سقط سهمه، وإن عدم غيره، فإن جوزنا نقل الصدقات، نقل نصيب الباقين، وإن لم نجوزه، فوجهان:
أحدُهما: ينقل أيضاً، ولا يرد إلى الباقين؛ لأن استحقاق الأصناف منصوصٌ عليه، فيقدم على رعاية المكان الذي يثبت بالاجتهاد.
وأصحُّهما: الردُّ على الباقين؛ لأن عدم الشيء في موْضعه كالعدم المُطلَق؛ أَلاَّ ترَى أن عدم الماء في الموضع يرخِّص في التيمم، وإن وجد في سائر المواضع (العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية 7/ 410)
(والأظهر: منع نقل الزكاة) أي: إذا كانت في البلد وأمكن الصرف إليهم .. فيحرم نقلها، ولا يسقط به الفرض؛ لخبر معاذ المتقدم، ولأن طمع الفقراء في كل بلد يمتد إلى ما فيها من المال والنقل يوحشهم، وبهذا قال مالك وأحمد. (النجم الوهاج في شرح المنهاج 6/ 469)
ولا فرق في التحريم: بين أن ينقل إلى مسافة القصر أو دونها،(النجم الوهاج في شرح المنهاج 6/ 469)
فإن نقل الزكاة عن بلد المال إلى غيره كان في الأجزاء قولان. (بحر المذهب للروياني 8/ 79، الحاوي الكبير 8/ 271)
أما الحنابلة فقالوا بتحريم نقل الزكاة، فقالوا: يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ لِسَاعٍ وَغَيْرِهِ (الفروع وتصحيح الفروع 4/ 262)
وفي المبدع: (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ إلى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (المبدع في شرح المقنع 2/ 396)
ولا يَجُوز نَقْلُها إلى بَلَدٍ تُقْصَرُ إليه الصلاةُ، فإن فَعَل، فهل تُجْزِئُه؟ على رِوايَتَيْن. (الشرح الكبير على المقنع ت التركي 7/ 171)
فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ أَيْ نَقَلَ الزَّكَاةَ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَجْزَأَهُ الْمَنْقُولُ لِلْعُمُومَاتِ وَلِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَبَرِئَ كَالدَّيْنِ وَالْفِطْرَةُ كَزَكَاةِ الْمَالِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (كشاف القناع عن متن الإقناع 2/ 264)
أما الزكاة المعجلة فقد صرح الحنفية بجواز نقلها، فقالوا: لَا يُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ مُطْلَقًا(البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري 2/ 269)
تنبـــيه: الخلاف في نقل الزكاة من بلد وجوبها إلى بلد آخر إنما مع وجود المستحقين في بلده، فإن عدمت الأصناف في بلد وجوبها، أو فضل عنهم شيء وجب نقلها أو الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إليه، ولو امتنع المستحقون من أخذها قوتلوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى