بين نبش القبر ومآسي السوريين في لبنان…رجالٌ عِظام

أمر لا يقبله العقل ولا المنطق، لا يجرؤ كافر على فعله، محظور أخلاقي حرّمته الأديان، واستنكرته فطرة الإنسان، حرمة الموت فيه لا تحترم، نابش قبر حقير لا جرم.
لقد باتت العنصرية تطارد الأموات بعد الأحياء في لبنان، فنارها لم تشفع للبعد الانساني والاخلاقي لطفل متوفى فارقته روحه، حتى قام حارس مقبرة بلدة عاصون بنبش قبره وإخراجه ليدفن في مقابر تسمح للغرباء أن يدفنوا فيها.
فبحسب ما ذكرت مواقع لبنانية، أن حارس مقبر عاصون أجبر عائلة سورية على نبش قبر طفلها البالغ من العمر 4 سنوات، وإخراجه مِن مقبرة البلدة في قضاء الضنية، بحجة أنها لا تتسع لغير أهالي البلدة فقط، وليست للغرباء، بناًء على قرار حصر الدفن من قائم مقام قضاء الضنية، رولا البايع، باللبنانيين لضيق مساحة المقبرة.
استوقف هذا الخبر، وقباحة ماجاء فيه العديد من اللبنانيين والسوريين، الذي أثار موجة غضب واستنكار كبيرة لهذا الفعل العنصري، ومع اقتراب فصل الشتاء، وتزايد المخاوف من الآتي، زاد الهم همًّا بنبش هذا القبر الذي نبش العديد من المآسي والمواقف العنصرية، التي واجهت اللاجئ السوري في لبنان.
يعاني اللاجئون السوريون في لبنان من تضييق وممارسات عنصرية كبيرة بحقّهم، حيث شهدت الفترة الماضية حوادث عدّة كان أبرزها، قبل أشهر، حين رفض أحد المشافي استقبال شاب سوري سقط أثناء عمله ليفارق الحياة أمام باب المشفى.
يشار إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان، يتعرضون أيضاً إلى اعتقال مِن السلطات اللبنانية بتهم مختلفة، كما يعانون من ظروف إنسانية صعبة، حيث تقدر أعدادهم في لبنان بنحو مليون لاجئ سوري، في ظل مواصلة السلطات اللبنانية أعمالها بإعادة السوريين إلى بلادهم وفق ما تقول بأنها عودة طوعية، ولكن الواقع العكس.
إلا أن لبنان لا تخلو من رجالٍ عِظام وأصحاب شرف ومروءة، كأمثال الدكتور خالد عبد القادر، أحد أهالي بلدة عاصون، ونصير السوريين في لبنان، حيث قدّم الدكتور خالد ولبنانيون آخرون أرضًا مخصصة لدفن اللاجئين السوريين في بلدة عاصون، شمالي لبنان، على خلفية نبش قبر طفل سوري وإخراج جثمانه من مقبرة البلدة.
وصرّح الدكتور في الشريعة الإسلامية خالد عبد القادر، عبر حسابه في الفيس بوك ، أنه قدم أرضًا يملكها في بلدة عاصون، على أن تكون وقفًا لكل ميت من أشقائنا السوريين فقط دون غيرهم.
وقال أيضًا: إن هذه الارض كنت قد نويتُ تقديمها من العام الماضي، ولكن إجراءات التسجيل في السجل العقاري تحتاج الى وقت، ولما حدثت الفاجعة قمتُ وأعلنتها صراحة.
وعلق الدكتور في الشريعة الإسلامية مستنكرًا على الحادثة بقوله: إن ما حدث في بلدتنا من إخراج جُثة طفل سوري من قبره بعد وضعه فيه،هو عمل مرفوض بالإجماع شرعًا وقانونًا وإنسانية.. عمل ضجّت به وسائل الإعلام المحلية والعالمية..شجبًا واستنكارًا واستغرابًا.
وأشار الدكتور خالد إلى أن بعض أهالي بلدة عاصون(وهم من آل مريم)، أسرعوا وقدموا قطعة أرض أكبر، وقد ذهبتُ بنفسي واطّلعت عليها، وفعلًا وجدتها أكبر ولكنها تحتاج الى إصلاح وتسوية، إذ إننا في منطقة جبلية، وأخذتُ على عاتقي إصلاحها وتسويتها.
كما أعلن عن تأسيس مدرسة خاصة ومرخّصة ـ روضة- ابتدائي- متوسط حتى التاسع ـ ، قائلًا: أستقبل فيها أبناءنا من الإخوة السوريين واللبنانيين، ويدفع السوري نصف قسط اللبناني، مراعاة لظروفهم.
وأضاف عبد القادر أنه أسس متجرًا تجاريًا بإدارة ولده لدعم المدرسة من خلال أرباحه ومساعدة السوريين..في أجرة منزل، أو ثمن دواء، أو شراء أثاث.
وأتبع قائلًا: إننا نحن نعمل لله وحده..ولا نتلقى الدعم من اي جهة داخلية او خارجية لأننا أحرار لا نرتهن لقرار أحد، ونحن نتاجر مع الله فقط، لا نريد من أحدٍ جزاًء ولا شكورًا من ثناءٍ أو مدحٍ أو دعوة.
تعتبر الحكومة اللبنانية اللاجئين السوريين الذين هجروا من ويلات الحرب في بلادهم، عبئًا على الحكومة وعلى الداخل اللبناني بحسب تعبيرهم، ويستمر مسؤولون في الحكومة اللبنانية بتوجيه رسائل عنصرية للمكوّن السوري المقيم في لبنان، وسط مخاوف تعترض مصيرهم وتضعهم على حافة الخطر المتمثل في إعادتهم إلى سوريا، وجعلهم عرضةً للاعتقال والتجنيد الإجباري في صفوف قوات الأسد، في حين بدأت السلطات اللبنانية اتخاذ إجراءات تضيق على السوريين في لبنان.
ويذكر أن الحكومة اللبنانية قامت بترحيل 16 سوريًا، بمن فيهم من كانوا مسجلين كلاجئين، بعد وصولهم إلى مطار بيروت، حيث أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى أن بعض المرحلين أعربوا عن خوفهم من الاضطهاد في سوريا، وأجبروا على توقيع استمارات طوعية للعودة، على الرغم من التزام بيروت بعدم إعادة أي سوريين قسرًا.
مؤخرًا شهدت لبنان حوادث عدة، تضاف إلى حوادث سابقة استهدفت لاجئين سوريين، حيث أشعل حراس محليون النار في ثلاث خيام في مخيم للاجئين في بلدة دير الأحمر شرق البلاد، وكذلك أخرجت بلدية بيروت نحو 60 لاجئًا سوريًا يقيمون في مبنى سكني، كما عمل عناصر البلدية على إخراج فرشهم إلى الشارع، وذلك بناًء على شكوى قدّمها السكان ضد المقيمين، دون توضيح سبب إخراجهم من البناء.
وفي سياق أفادت مصادر محلية أن المؤسسات الرسمية مازالت تواصل إغلاق محلات السوريين، كما هدمت خلال الأشهر الماضية مئات الخيام في مخيمات عرسال لمخالفتها للمواصفات المنصوص عليها.
تزداد حالات التضييق على اللاجئين السوريين من بعض اللبنانيين، منذ مطلع العام الحالي، وتزداد حدة القيود التي تفرضها الحكومة اللبنانية على اللاجئين السوريين، متخذين من سياسة التطفيش وسيلة لطرد اللاجئين من أرضهم، متناسين رابطة الدين والعرق، إلا أن أرض لبنان لا تخلو من شرفائها وعظماء حاضرها، كالجندي المجهول الدكتور خالد عبد القادر، مظللًا السوريين تحت عبائته، لا يبتغي في ذلك غير وجه الله.
فما الذي تخبئه الأيام القادمة للسوريين في لبنان؟ وإلى متى سيبقى الضمير العربي نائمًا؟