أخبار عاجلة

“اللجنة الدستورية”.. المهمة المستحيلة

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

أعلن اليوم الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، عن تشكيل اللجنة الدستورية الخاصة بسورية رسميّاً،وأنّ المعارضة والحكومة السورية قد اتفقتا بشكل نهائي على تشكيل لجنة “ذات مصداقية،متوازنة، تشمل الجميع”، وبهذا الإعلان يكون قد تمّ طي مرحلة طويلة من المماطلة، التي وضعنا فيها المبعوث الأممي السابق “ديمستورا” حين ابتكر لنا (السلال الأربعة)، فكانت خدمة عظيمة للنظام وحلفائه للإلتفاف على القرار 2254، والمرحلة الانتقالية ذات الأولوية.

“غير بيدرسون” المبعوث الأممي الحالي، كان بالأمس في دمشق في زيارة وصفت بالحاسمة في موضوع اللجنة الدستورية، للبتّ بشكل نهائي فيها دون تأجيل، ولربما كانت هي المرة الأولى التي يمارس فيها الضغط على النظام لحسم مسألة اللجنة، وعدم قبول أي اعتراض جديد على قائمة الأسماء المقدمة من قبله، والتي تمثل شخصيات من المجتمع المدني والمستقلين.

أخيراً ستخرج قائمة “اللجنة الدستورية” إلى العلن،المؤلفة من 150 شخصية ( 50 من المعارضة ومثلهم من النظام والبقية تمّت تسميتهم من الأمم المتحدة)، ولا تملك من حظوظ النجاح في مهمتها سوى الإجماع الدولي من خلال الأمم المتحدة، وهذا لا يبدو كافياً لتنجز اللجنة مهمتها بالسرعة المطلوبة، خاصة وقد أثبت النظام براعته في التسويف والمماطلة وخلق المعوقات خلال الثماني سنوات الماضية، فهل نتوقع منه اليوم عكس ذلك؟.

العقبات عديدة أما “اللجنة الدستورية”:

إذا كانت الأسماء قد أخذت كلّ هذا الوقت، فكم ستأحذه بنود الدستور الجديد (إذا أنجز) ونحن نعلم مسبقاً حجم الاختلافات بين مكوّنات اللجنة ورؤيتها لسورية المستقبل، فالسنوات السابقة أفرزت العديد من تلك الخلافات والاختلافات منها:

  • اسم الدولة “الجمهورية العربية السورية” أم “الجمهورية السورية”؟
  • شكل الدولة (برلماني، رئاسي، فيدرالي، كونفيدرالي… إلخ)؟
  • علم الدولة (هل هو العلم الحالي، أم علم الثورة، أم علم جديد..)؟
  • الجيش (مهامه، تركيبته، قوامه، تعداده.. وهل يتشكل من كل القوى المتصارعة) وماذا عن الأجهزة الأمنية ومصيرها ؟

ناهيك عن السلطة القضائية ومحكمة الإرهاب والشرطة والإدارة المحليّة وغيرها من المؤسسات التي هي بحاجة إلى إعادة نظر في بنيتها وقوانينها التي صيغت لخدمة المنظومة القمعية وإعفاءها من المحاسبة .

يضاف إلى ماسبق الاختلافات التي كانت موجودة أصلاً ماقبل اندلاع الثورة في دساتير( حزب البعث)، والتي لا يزال يتمسك بها النظام ومن يمثله في اللجنة الدستورية.

إزاء كل ذلك يمكننا أن نتخيّل الزمن الذي ستستغرقه كل مادة من مواد الدستور الجديد، وبحسبة بسيطة سنكتشف بأن هذا الدستور لن يرى النور قبل مضي سنوات، هذا إذا توفرت النوايا الحسنة لإنجازه، ولكن هذه النوايا لا يمكن أن تتبدّل بين يوم وليلة، وهي ظلّت خبيثة من قبل النظام منذ خمسين عاماً، فالزمّار يموت وتبقى أصابعه “تلعب”.

العديد من المثقفين والسياسيين المحسوبون على المعارضة السورية، يرون في إعلان اليوم خطوة على الطريق الصحيح،على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل الشارع الثوري لهذه اللجنة ، الذين يرون فيها إجهاضاً لكلّ ما قامت به الثورة وما قدّمته من تضحيات ، وأن مجرّد انخراط المعارضة في لجنة تجمعهم مع النظام ، هو تبرئة للأسد من جرائمه بحقّ الوطن والمواطنين ، ولكنني اعتقد (وآمل أن أكون مخطئاً) بأن اللجنة الدستورية جاءت في الوقت الذي بدأت بوادر الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي( السودان والجزائر) ، وهذا تكتيك لامتصاص هذه الموجة من خلال الاستجابة “الخبيثة” لبعض الاستحقاقات، التي تبدو في ظاهرها خطوة نحو الحل السياسي، بينما في الحقيقة ستزيد الأمر تعقيداً، وقد تقود إلى التقسيم في نهاية المطاف، عندما تعلن الأمم المتحدة فشل اللجنة في مهمتها.. والتي أسميتها بالمستحيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

جريمة جنديرس والتهرب من المسؤولية

بلدة جنديرس في ريف مدينة عفرين كانت إحدى أكثر المناطق تضرراً من الزلزالين المدمرين اللذين …