تحقيقات

زيتون إدلب بين عيون الأمل والقلق

خاص ـ رسالة بوست

يتأمّل المزارعون أراضيهم الزراعية، تارة بعين الأمل، وتارة أخرى بعين الحسرة والقلق على محاصيلهم ونتاج أشجارهم، التي نالها ضرر كبير بسبب ما تشهده البلاد من حرب وغلاء ونزوح، يضاف إليها قلّة الأمطار الشتوية هذا العام، حيث تُعد الزراعة مصدر الدخل الرئيسي لأكثر من 70 بالمئة من أهالي ريف إدلب، وهي المساهمة الأولى نوعا ما، في الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية لمدينة إدلب وريفها. إلا أنّ هذا القطاع تأثر كغيره من القطاعات في سوريا عموماً وريف إدلب خصوصاً، نتيجة جملة من المعوقات تبدأ بقلّة المحروقات والأسمدة وتنتهي بهاجس التهجير والنزوح، فأسباب تضرر الزراعة مختلفة، ولكن الهم واحد.

مع اقتراب موسم قطاف الزيتون، يعمل المزارعون في الشمال السوري على تقديم الخدمات لأشجار الزيتون، للحصول على ثمار ذات نضج كامل ووفرة جيدة، فإن أبرز ما يحتاجه الزيتون في فصل الصيف هو الري والسقاية بالمياه، كي لا تتعرض الثمار للعطش، الذي يؤدي بدوره إلى سوء المحصول والتلف.

رصد مراسلو رسالة بوست حال المزارع، فقاموا بإجراء مقابلات مع المزارعين، وكان إبراهيم باكير أولهم، أحد المزارعين في إدلب، الذي بدوره أفاد مراسلينا بمعلوات عن موسم الزيتون وأحواله.

 أوضح باكير أن أشجار الزيتون تحتاج الى سقاية قبل قطافها، كي تعطي ثمرة ذات جودة جيدة، وتحافظ الشجرة على قوامها واستمرارية إنتاجها حتى الموسم الذي يليه.

وأضاف أن الفلاحين يواجهون صعوبات كثيرة في سقاية أشجارهم، بسبب غلاء المعيشة في الشمال المحرر بشكل كبير، وارتفاع أسعار الوقود الذي يعتمد عليه المزارع، وأخيرًا ارتفاع الدولار مقابل الليرة السورية الذي أثّر سلبًا على المزارعين.

توجهت رسالة بوست إلى السيد ياسين العبد الله صاحب مشروع مياه لسقاية المزروعات، ليقول: إن أهم ما يواجه أصحاب المشاريع هو ارتفاع أسعار المحروقات بشكل كبير جدًا، وعلى وجه الخصوص في الآونة الأخيرة التي بات الوقود شبه منقطع فيها، بسبب ارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة، الذي أدى إلى ارتفاع سعر المازوت المستخدم في استخراج المياه من الآبار.

وأكمل ياسين موضحا أن الصعوبات لم تقف وحدها عائقا أمام المزارعين وحسب، بل زاد عليها خطورة الوضع الأمني الذي يشهده الشمال المحرر من قصف همجي مستمر، تمارسه قوات النظام وروسيا على المدنيين، الذي حال بين المزارع وسقاية أشجاره خوفًا من النزوح أو تلاف المحصول.

وشارك إبراهيم باكير، ياسن الرأي، في أن أكبر الصعواب التي تثير مخاوفهم هي النزوح والقصف، مما تسبب بإهمال المزارع لأرضه وأشجاره، مضيفا أن أغلب المزارعين لم يسقوا أشجارهم هذا الموسم.

 وفي السياق يواجه المزارعون في مناطق المحرر، ارتفاع أجور الأيدي العاملة التي هم بحاجتها لرعاية أراضيهم، كما أن صيانة الآليات الزراعية صارت ذات تكلفة عالية، تزامنا مع الظروف التي يمر بها الشمال المحرر.

 وتابع المزارع ياسين العبدالله حديثه لرسالة بوست قائلًا: إن أصغر عطل في محرك ضخ المياه، قد يوقفني عن العمل يومًا كاملًا وقد يدفع بي إلى المناطق الحدودية، بحثا عن قطع التبديل والتي باتت أسعارها باهظة الثمن.

حول موضوع الصيانة يضيف باكير، أن صيانة الجرارات باتت مفقودة في المناطق المتعرضة للقصف دائما، مما جعل مراكز الصيانة تنتقل لمناطق بعيدة، وعطل الجرار يعني توقف الزراعة في أرضي حتى إصلاحه.

الكثير من أراضي الزيتون، هي أراضٍ ذات تربة حمراء عميقة، وبحسب ما قاله المزارعون، إنها تحتاج إلى مياه كي لا يتعرض الثمر إلى العطش والجدب، الذي يفسد زيت الثمار ويعود ذلك سلبا على أسعاره، فكل شجرة تحتاج إلى السقاية ثلاث مرات على الأقل، أي بمعدل صهريج والذي ارتفع ثمنه إلى 1500 ليرة سورية مؤخرًا.

لقد شهدت الفترة الأخيرة انخفاضًا ملحوظًا في أسعار الزيت، فلا يتجاوز سعر التنكة الواحدة البالغة 17 كيلو غرام من الزيت، الـ27 دولارًا.

يشرح لنا المزارع إبراهيم سبب انخفاض أسعار الزيوت، فيقول: إن كثرة الزيتون وقلة الطلب عليه وقلة تصديره، وارتفاع الضرائب التي تفرضها المعابر على تجار الزيوت، الذين يصدرون إلى تركيا ومناطق النظام، جميعها تسبب انخفاض أسعاره وخسارة قاطفه وعاصره.

ويلخص إبراهيم الحال فيقول: يتكلف المزارع غالبا الخسارة، بسبب تكلفه تكاليف باهظة من الفلاحة والتقليم والسقاية، وهذا كله يحتاج لأجور مرتفعة، وفي نهاية الموسم تكون الأسعار متدنية، فيبيع بخسارة.

قد نزح الكثير من أهالي ريف إدلب الجنوبي، وتركوا زيتونهم بلا رعاية، بسبب حملات الأسد والروس على المنطقة، ويبقى المزارع في المناطق الأكثر أمنًا، متأملا أن يستطيع قطاف ثماره وبيعها، ليسد رمق عيشه، ويحفظ تركة أجداه، فأشجار الزيتون بالنسبة للمزارع، بمثابة أولاده وأمل حياته، فرغم خسارة المزارع لمواسم عدة في السنوات السابقة، يبقى مخلصًا لأرضه ويثابر في إحيائها ما استطاع ذلك، رغم كل الظروف المحيطة به، فتبقى عيون أمالهم وقلقهم معلقة بأغصان زيتونهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى