مقالات

الجولان السوري المحتل بين الحقيقة والتزييف

حسين الهاروني

باحث سوري من الجولان المحتل.
عرض مقالات الكاتب

الجولان السوري المحتل، القضية التي تم تزييف كل تفاصيلها بشكل متعمد من قبل إسرائيل والنظام السوري والأمم المتحدة، فبعد احتلال الجزء الأكبر منه عام 1967، قامت إسرائيل بطرد السكان البالغ عددهم حينها حوالي 147 ألفاً وفق الاحصاء الحكومي الرسمي المشكوك بنزاهته اصلا، وذلك باستثناء اربع قرى للدروز في جبل الشيخ وقرية الغجر التي يسكنها النصيرية و عدد سكانها مجتمعه الخمس قرى اليوم يوازي عشرين ألفاً، وقد تم هدم القرى السورية في الجولان المحتل وتسويتها بالأرض وإزالة أنقاضها لاستخدامها في تحصين المعسكرات وإزالة معالمها لإنكار وجودها، والقرى والمدن والبلدات التي تم تدميرها تزيد عن ستمائة، وكان هذا التزوير الأول لإقناع العالم أن هذه الأرض بلا سكان.

وكذلك عمدت إسرائيل إلى تغيير متعمد في خريطة الحدود السورية – الفلسطينية التي خلفها الانتداب تحسباً لحالة اضطرارها للانسحاب من الجولان، فضمت جزءاً كبيراً من الجولان شمال وجنوب بحيرة الحولة وكذلك في كتف الجليل حتى الحدود اللبنانية لخريطة فلسطين المحتلة، وكذلك جزء كبير من سهل البطيحة شمال بحيرة طبريا، وكذلك جنوبها حتى مدينة سمخ، حيث إن هذه الحدود هي امتداد نهر الأردن جنوباً الى مابعد وادي الدلهمية.

وفي عام 1974 جرى عقد اتفاقية الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، والتي أقامت منطقة منزوعة السلاح (محرمة) بين الخطين الوهميين للهدنة، وهي منطقة حكمها المزاج الإسرائيلي، فهي عميقة في مناطق وقليلة العمق في أخرى حسب حاجة أمن الاحتلال، وهنا أيضاً جرى تزوير آخر، فلقد تعاملت الأمم المتحدة بنكران كل حقوق السوريين في أرضهم وعملت على تثبيت الواقع الذي صنعته إسرائيل بالقوة، فلم يسمح لأي سوري بالدخول إلى أرضه أو زيارتها، وهو الدور الحقيقي للمنظمة في الجولان منذ اتفاقية الفصل عام 73 التي تلتها اتفاقية الهدنة عام 74 وحتى قيام الثورة السورية عام 2011.

أما التزوير الثالث -وهو الأخطر- فهو الذي قام به النظام السوري وعزّزه بإجراءاته الدائمة، فعمل على تجهيل أبناء الجولان بوطنهم وحجب المعرفة عن الجولان بشكل ممنهج، وصوَّر للشعب السوري من خلال وسائل إعلامه أن الجولان هي قرى الدروز الأربع (مسعدة وبقعاتا وعين قنية وبانياس) ودأبت وسائل إعلامه وتلفزيونه على إقناع السوريين من خلال التضليل الإعلامي الممنهج أن كل أبناء الجولان من الدروز فلا صوت ولا ذكر لغيرهم في الإعلام الرسمي، ووقتها لم يكن هناك إعلام سواه، حتى ترسخت الفكرة لدى السوريين خاصة والعرب عامة أن الجولان ليس فيه سوى طائفة الموحدين الدروز، (وهنا أتحدث عن تحقيق الحقائق بعيداً عن الطائفية فبالنهاية الجميع سوريون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات).

هذا علما أن تعداد سكان الجولان اليوم في تجمعات النزوح والمهجر يزيد عن مليونين،وكانت آخر احصائية للنظام السوري قبل الثورة قد تحدثت عن مليون وهي لم تتطرق للفرادى من العائلات الموجودين في قرى ومدن وارياف سورية بل تطرقت للتجمعات فقط ، منهم نسبة ضئيلة من الشركس تتركز في عدة قرى ونسبة من التركمان أيضاً في عدة قرى ونسبة من المسيحيين في مدينة خسفين ونسبة من الدروز، وجميع هذه الطوائف لا تشكل أكثر من واحد ونصف إلى حد أقصى لا يتجاوز إثنان 2% في المائة من مجموع سكان الجولان و98% بالمائة هم من العرب السنة من العشائر ومن الحضر.

وكذلك منع النظام السوري أبناء الجولان حتى من زيارة أهلهم في المناطق والقرى الأمامية على خط الجبهة حماية للاحتلال إلا بتصريح رسمي من المخابرات يحصل عليه من لديه صلة بالسلطة أو حجة قوية ويحتاج ربما شهراً للصدور وللتحقق من نوايا صاحبه وصلاحيته لا تتعدى ثلاثة أيام، وتم إخفاء كل حقائق الجولان وأولها الموارد والمساحة البالغة أكثر من ألفي كيلومتر مربع المحتل منها حوالي 1700 كيلومتر مربع قبل تزوير الحدود الذي قامت به إسرائيل.

ويحد الجولان من الشمال لبنان ومن الغرب نهر الأردن (الشريعة) وكتف الجليل بين الجولان وفلسطين المحتلة، وبحيرتا الحولة التي جففها الاحتلال وطبريا، ثم امتداداً إلى ما بعد سمخ ووادي الدلهمية جنوباً، وهو امتداد نهر الأردن حتى البحر الميت، وخريطة الجولان موضحة بشكل مفصل في كتاب الجولان للباحث والمهندس الألماني غوتليب شوماخر. في العام 1884 أي قبل قيام إسرائيل بحوالي ستين عاماً، ويحد الجولان جنوباً الأردن، وشرقاً محافظتا درعا ودمشق.

أما تاريخياً فيحوي الجولان كمًّا هائلاً من الأوابد والكنوز الأثرية، فهناك عدد من القلاع التاريخية منها قلعة الحصن سوسيا (سوسيتا) وقلعة الصبيبة التي بناها الأيوبيون، وكذلك قلعة وادي دير قروح وقلعة بانياس وقلعة ، واثار الحمة الرومانية بمنتجعها وحمامها الروماني، وهي المنطقة ذات الينابيع الحارة العلاجية الغنية بعنصر الراديوم المشع ذي الخواص العلاجية، وينابيع أخرى غنية بالمياه الكبريتية الحارة، حيث هناك عدة ينابيع كل نبع يمتاز بعلاج أمراض مختلفة عن الآخر بحسب خواصه الكيميائية.

وكذلك مواقع أثرية كثيرة مثل بلدة بيت صيدا شمال طبريا ومعبد أم القناطر الأثري والمجمع الكنسي لكرسي السيد المسيح في بلدة الكرسي الجولانية، وكذلك موقع تل القاضي (دان) الذي سعت إسرائيل لإدارجه على قائمة التراث العالمي باسمها، ورفض طلبها لكونها أرضاً محتلة، كما عمدت لتزوير الكثير من حقائق آثار الجولان كذلك مجموعات من القرى الاثرية الغنية بكنوز التاريخ مثل الفرج ودير قروح وتنورية والجرنية والرفيد وفيق والعال ودبوره وغيرها العشرات .

أما عن المياه، فإن الجولان يحتوي على 17 بالمائة من مياه سورية التي تستفيد منها إسرائيل حيث يحتوي الجولان على عشرات الأنهار الصغيرة والكبيرة، ومنها الوزاني والشريعة ونهر القاضي ونهر بانياس والحاصباني، الذي ينبع من الأراضي اللبنانية، وأكثر من مائة وخمسين ينبوعاً كبيراً، مثل ينابيع جليبينة والسلوقية والجوخدار وبانياس وطواحينها القديمة كما في جليبينة والدرباشية وعين التينة ، وأكثر من مائة وادٍ غني بالأدغال والمحميات الطبيعية التي تحتوي جميع أنواع الحيوانات البرية والطيور، وكذلك حوالي مائتين من التلال، منها عشرات التلال الشهيرة كتل الفرس والجابية والقاضي والجوخدار.

ومن البحيرات هناك عشرات البحيرات الصغيرة، أما البحيرات المتوسطة فهي بحيرة خسفين وبحيرة واسط وبحيرة الشعبانية وبحيرة البطمية وبحيرة شنير وبحيرة تل العرام وبحيرة سد الخشنية وبحيرة تنورية وبحيرة الياقوصة وبحيرة سمخ وبحيرة الرفاعية وكذلك البحيرات الكبرى مثل بحيرة الحولة وبحيرة طبريا بين الجولان وفلسطين المحتلة وبحيرة رام في وسط شمال الجولان .
.
والجولان ذو طبيعة خضراء في معظمه تكسوه الغابات والأشجار من شماله إلى جنوبه، وفيه عدد كبير جداً من المتنزهات مثل منتجع جبل الشيخ للتزلج على الجليد ومنتجع قرحتا للتخييم والرحلات وفنادق مثل كفر عاقب، ومنتزهات لركوب الخيل والسيارات والسياحة والسباحة وأعلى منتزه في الشرق الأوسط مقهى الغيوم على ارتفاع1164 متراً عن سطح البحر فوق تل العرام وسط الجولان، وأعلى قمة في الشرق الأوسط على ارتفاع 2814 متراً عن سطح البحر قمة جبل الشيخ، وكذلك النقطة صفر عن مستوى سطح البحر هي في الجولان وفلسطين بحيرة طبريا حيث يستمر الانحدار جنوبا حتى البحر الميت حيث اخفض نقطة على سطح الكوكب ولذلك خلال ساعة واحدة تنتقل في جميع الفصول في الجولان.

والجولان أرض غنية بالزراعة ويزرع فيها جميع انواع الاشجار المثمرة كالتفاح والكرز والعنب بكميات هائلة يتم تصديرها ، وكذلك سهل البطيحة ينتج الموز والتمور والمانجو بكميات ضخمة تصدرها إسرائيل وجميع أنواع الفواكه، وكذلك الحبوب في الجنوب والأشجار الحراجية في المرتفعات.

وجنوب الجولان غني بالبترول بكميات تجارية ضخمة وقد بدأت الشركات الإسرائيلية إنتاجه فعلاً، وكذلك المعادن، حيث يوجد في الجولان أماكن ذات طبيعة معدنية لا تعمل فيها البوصلة وهناك تقارير تتحدث عن استخراج اليورانيوم الطبيعي من تل الفرس في الجولان، وهو التل الذي أزال الاحتلال نصفه الجنوبي تقريباً منذ عام 70 وحتى اليوم ولا تزال عمليات الحفر فيه ونقل تربته جارية حتى الآن.

كل هذا التزوير تشاركت به إسرائيل والأمم المتحدة ونظام الاستبداد السوري، على مدى عقود، حتى تم تجهيل جيل كامل من الجولانيين والسوريين والعرب بحقيقة بلادهم ومدى أهمية الجولان لمستقبل سورية والعرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى