أرض إذا ما جئتها متقلبًا فى محنةٍ ردتك شهمًا سيدًا..وإذا دهاك الهم قبل دخلوها فدخلتها، صافحت سعدًا سرمدًا..إنها مصر، التي تبنى أحد رجالها الدفاع عن ما يتعرض له السوريون فى مصر منذ دخولهم إليها في عام 2011م، وتميز بجرأته على الرغم ما تمر به مصر من أزمات، فكان خير منصف لقضاياهم، والمدافع عنهم في أكثر اللحظات القضائية والقانونية حرجًا وخوفًا، ظل مقدمًا نفسه باستمرار كجندي مجهول لكل سوري.
إنه المحامي المصري يوسف المطعني، الذي دعا مع ابتداء الثورة السورية، لطرد السفير السوري من القاهرة في العام 2011، ثم طالب باعتقال قائد بعثة المراقبين العرب إلى سوريا، محمد مصطفى الدابي، بعد ورود أنباء عن تزوير الأخير للتقرير الذي قُدم للجامعة العربية في العام 2012م، وفي العام 2013م يرفع المطعني دعوى ضد الحكومة المصرية من أجل قطع علاقاتها مع حكومتي الصين وروسيا وذلك للرد على استخدام حكومة البلدين قرار الفيتو لصالح النظام السوري.
ولد يوسف المطعني في قرية تدعى أصفون المطاعنة، بمحافظة الأقصر في مصر، حصل على شهادة ليسانس في الحقوق عام 1991م من جامعة أسيوط، وحصل بعدها على شهادة دبلوم في القانون الدولي، ليبدأ العمل في المحاماة عام 1993م، كما أنه عمل كأحد أعضاء الجمعية المصرية للقانون الدولي، وعضو في اتحاد المحاميين العرب، ومقدمًا لعديد من المحاضرات في المحاماة بجامعات ومؤتمرات مصرية وخارجية في تركيا والسعودية والأردن والإمارات، كما أسس شركة للمحاماة ((العدالة العربية لدعم القانوني)) ذات أفرع عديدة في مصر، وداعمة للميدان الحقوقي والقانوني للقضايا العربية في مصر.
كما افتتح المحامي المصري المهتم بالشأن السوري، في الرابع من نوفمبر عام 2016م، مركز (مصر والشام القانونية)، في مدينة السادس من أكتوبر، ليقوم من خلالها بتوسيع نشاطات المتابعة للسوريين وتولى قضاياهم بصورة أكبر، وجعلها شرفة لعرض كافة مشكلاتهم،كمركز متخصص لهم، وسط حضور مصري وسوري.
حظي مركز مصر والشام القانوني بالكثير من الدعم والثقة لدى السوريين، فكل من لديه مشكلة يمكن عرضها عن طريق وسائل الاتصال المختلفة والمباشرة، سواء من خلال الهاتف أو زيارة المقر الرئيسي أو وسائل الاتصال الاجتماعي كالفيسبوك، وكذلك تبنى كل ما يخص المواطن السوري من مشكلات قانونية، والكثير من القضايا الاستثمارية.
وبإجراء اتصال مع الأستاذ يوسف المطعني ذكر لنا أنه بدأ العمل في الملف السوري على الجانب القانوني منذ أول دخول للسوريين إلى مصر في 27 سبتمبر 2011م ، وعند سؤالنا له عن خدماته للسوريين بالمجان، أجاب أن الأمور التي تتعلق بالملف السوري كالإقامات ودخول الأراضي المصرية عن طريق السودان والاحتجاز… إلخ، من غير الممكن أن يتقاضى عليها أجرًا أو أي مرتب كان، لأن هذا حق وواجب ديني ومهني علينا، ونظرًا للتاريخ القديم المشترك بين الشعب المصري والسوري، فمن الواجب وقوف الشعب المصري مع الشعب السوري في محنته، وأنه أحد أفراد هذ الشعب.
وتابع المحامي يوسف المطعني ذاكرًا أبرز القضايا التي غطاها فيما يتعلق بالسوريين، فكان منها قضية 104 معتقل في سجن كرموز، بعد أن رست مراكبهم على إحدى الجزر المصرية، ومن ثم نقلهم إلى شواطئ الاسكندرية، وكانت تهمة اعتقالهم هجرة غير شرعية، وبجهود المحامي يوسف المطعني، الذي اطلع على ملفهم، تم تحويل القضية إلى هروب من نزاع مسلح، ومن ثم أطلق سراحهم بموجب قرار المحكمة.
وفي المساق يشرح لنا المطعني قضية استهزاء الممثل أحمد آدم بالسوريين وتهجمه عليهم، والتي قام المطعني برفع شكوى ضد الممثل أحمد آدم مقدم برنامج بني آدم شو ورئيس مجلس ادارة قناة الحياة التي يبث عليها البرنامج، قائلًا إنهم اتخذوا من الدماء التى تسيل في حلب مادة للسخرية والتسلية مستهتريين بكل المشاعر الانسانية مما يؤدى بالتبعية الى مشاحنات بين الشعبين الشقيقين السوري والمصري، حسب نص الدعوى.
ومن ثم تليها قضية مطعم عروس دمشق، التي نتجت عن شجار بين صاحب المطعم السوري وامرأة مصرية، مما أدى إلى هجموم المصريين على المطعم وتخريبه، وسبب ذلك إلى إغلاقه من قبل الحكومة المصرية، ليعود افتتاحه بعد أن ساهم المحامي المطعني بحلها.

وفي سؤال رسالة بوست عن أموال السورين المحتجزة لدى الحكومة المصرية بتهمة تمويل الإرهاب والإخوان المسلمين، أجاب المطعني بأنه تقدم بشكوى للنائب العام للاستفسار عنها والعمل على إعادتها لأصحابها.
وأما عن قضايا السوريين خارج مصر، فأوضح قالا: لقد تفاعلنا مع العديد من الإشكاليات القانونية والحقوقية المرتبطة بالسوريين خارج القطر المصري، كمجموعة محاميين دوليين على مستوى الدول العربي التي يتمركز فيها السوريين ودول اللجوء وإعادة التوطين، عبر تقديم الاستشارة القانونية لهم، وتقديم الحلول لبعض القضايا الخارجية من داخل مصر.
وتابع مؤكدًا على استمرايته في التعامل مع جميع قضايا السوريين، وأنه سيبذل كل ما بوسع للدفاع عن حقوقهم وقضاياهم.
يرفض المطعني تسمية السوري المقيم بجمهورية مصر العربية باللاجئ، وأن العلاقة بين الشعبين المصري والسوري علاقة تاريخية، ويضيف رغم أن السوريين قلة بالنسبة للشعب المصري، إلا أنهم أضافوا على الجانب الاقتصادي المصري إضافة كبيرة، وقدموا الكثير من الاستثمارات الاقتصادية بنجاح واستمرارية، وعلى الجانب الاجتماعي فالشعبين في حالة انصهار في الجوانب النفسية والاجتماعية والتاريخية مع بعضهما، وأن المصريين من أكثر الشعرب العربية محبة للسوريين.
تجدر الإشارة إلى أن أعداد اللاجئين السوريين في مصر وصل إلى أكثر من 500 ألأف لاجئ بعد اندلاع الثورة، لينخفض مع انقلاب عبد الفتاح السيسي وتوليه الحكم في البلاد، إلى ما دون الـ350 ألف بحسب أرقام صادرة عن الحكومة المصرية في العام الماضي ، 132 ألف لاجئ منهم مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فقط.
يتمتع السوريون في مصر بالحق في الالتحاق بالمدارس الحكومية والحصول على الخدمات الطبية الأولية مثل المصريين، وهو أمر يشعرهم براحة كبيرة، إلا أنه بعد أيام قليلة من انقلاب عبد الفتاح السيسي على الحكم، بدأت معضلة كبيرة، تواجه السوريين وتقض مضاجعهم، وهي تزايد صعوبة إجراءات الإقامة وشروطها، وأصبحت تشكل تهديداً لكثير من السوريين أو على الأقل مصدر قلق لهم، لبذلهم كثيرا من أوقاتهم وأموالهم للحصول عليها.
وأشار المحامي يوسف المطعني إلى هذا، قائلا أن قضية الإقامة مازالت متداولة في المحكمة نظرًا لبطء عمل القضاء في المصر، وسنبقى نعمل حتى يحكم القضاء فيها بالحكم الإيجابي، لأننا نمتلك الكثير من الحقائق والمستندات ووقائع على الأرض، تساعدنا في حل هذه القضية، مع الأخذ بالاعتبار، أن أحد الجهات السورية في مصر رفضت التعاون معنا، ولا حتى بمعلومة أو دعم معنوي أو لوجستي، ومع ذلك مازلنا مستمرين حتى النطق بالحكم، وفي الوقت ذاته تقدمنا أيضا للحكومة المصرية بعديد من المبادرات على كافة مستوياتها، لإيجاد حلول منطقية وشبه جذرية لهذه المسائلة.
تتدهور الأوضاع الاقتصادية شيئا فشيئا، لتلقي على المصريين آثارها، وتزيد من هموم السوريين همًّا، فيذكر لنا لاجئ سوري في مصر، متخفظا على ذكر اسمه، أن كل سوري في مصر يتكلف مع إشراقة شمس كل صباح 50 جنيهًا مصريًا بين جواز سفره وتكاليف إقامته فقط، عدا أجرة مسكنه وطعامه وشرابه وتنقلاته ودراسته وجامعته، إلى غير ذلك من تكاليف، وأن إجراءات استخراج جواز سفر سوري جديد من سفارة القاهرة عملية مكلفة جدا وذات صعوبة شديدة، إذ يتكلف 300 دولار والاستلام بعد شهرين، أما المستعجل فيصل ثمنه إلى 800 دولار، ناهيك عن حالات نصب كثيرة يتعرض لها السوريين من قبل بعض من موظفي الدوائر الحكومية أو من عصابات التزوير، من أجل استخراج إقامة أو جواز سفر، ويعاني السوريون صعوبات أخرى كارتفاع أجار البيوت والشقق السكنية، واستحالة لمّ الشمل للعائلات السورية، بعد فرض التأشيرة على الشعب السوري للدخول إلى مصر، واستحالة منحها.
وفي هذا الجانب، توجهنا بالسؤال للمحامي يوسف المطعني، حول قضية فرض الفيزا على السوريين، فأوضح لنا أن هنالك مساعي من الحكومة المصرية، لحل هذه القضية على الأقل بشكل جزئي، كتسهيل الدخول لبعض السوريين عبر المنافذ الرسمية لمصر، لبعض من الحالات كالدراسية والمرضية والتجارية على الأقل، ونطمع بأن يتم إزالتها بشكل كامل لجميع الشعب السوري الشقيق بالقريب العاجل، وأضاف أنه قام برفع دعوى قضائية ضد رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ووزير الداخلية، وليس وزير الخارجية فقط كما توضح الصورة، مطالبًا بفتح الحدود للسوريين ورفع التأشيرة عنهم.
ويضيف المطعني بأن السوريين أبطلوا نظرية وجود البطالة في مصر، وأثبتوا أن لدينا كسالى لا بطالة.
فقد سطّر السوريون نجاحات اقتصادية مُبهرة خلال فترة قصيرة فقط، وكان لهم أثرهم الاقتصادي الإيجابي في مصر، حيث بلغ حجم استثماراتهم 23 مليار دولار حسبما ورد في وسائل الإعلام المصرية، وبحسبب تقارير وصل عدد الشركات المؤسسة من قِبل السوريين خلال الشهور التسعة الأولى من 2018 إلى 818 شركة.
كما نفى المعطني تلقيه أي تهديدات من أي جهة رسمية أوحكومية بسبب دفاعه عن قضايا السوريين، وأضاف أن عدد من الشخصيات والمسؤولين في الحكومة يؤمنون بقضيته الدفاعية، وعلى استمرارية بالتعامل معه من أجل هذه القضايا، وأنه لا ولن يعبأ لأي تهديد مهما كان الثمن، إلا أنه بحسب ما أضاف، تعرض لعدة مضايقات ولأسباب غير معروفة من بعض الجهات السوري التي تعتقد أنها تعبر عن السوريين في مصر.
مع كل المعاناة التي يعيشها السوريون في مصر، إلا أنهم تميزوا عن غيرهم من اللاجئين، في باقي دول العالم، أنهم في أحضان أطيب شعب عرفه التاريخ، يعيش بفطرته على الود والمحبة، ويعيش بشجاعته على الثأر والحزم، وأعظم مثال لهذا المحامي المصري القدير يوسف المطعني، الذي عرفة بطيبته وتواضعه مع السوريين، فكان سندًا لقضاياهم.