تحقيقات

الانتخابات التونسية.. الشعب يعاقب المنظومة السياسية ويعلّق الآمال بالمجهول

TRT عربي

أصيب المشهد السياسي في تونس بحالة ذهول، عقب الإعلان عن فوز المرشحين قيس سعيد ونبيل القروي بالانتخابات وانتقالهما إلى الجولة الثانية، بخاصة أن المرشحَين جاءا من خارج النظام السياسي في البلاد.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الثلاثاء، أن المرشحين سعيّد والقروي سيتنافسان في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

وأشار رئيس الهيئة نبيل بفون في مؤتمر صحفي إلى أن سعيّد حصل على 18.4% من الأصوات، في حين حصل القروي على 15.58%.وبهذه النتائج يعلن رسمياً عن تقدم أستاذ القانون المحافظ قيس سعيّد وقطب الإعلام المحتجز نبيل القروي على 24 مرشحاً آخرين من بينهم رئيس الوزراء ورئيسا وزراء سابقان ورئيس سابق ووزير دفاع.

وحسب بفون، حل مرشح حركة النّهضة عبد الفتاح مورو، ثالثاً بنسبة 12.88% من الأصوات، يليه المرشح المستقل ووزير الدفاع، عبد الكريم الزبيدي، بـ10.7% من الأصوات.

وبلغ عدد الناخبين المسجلين ممن أدلوا بأصواتهم بالاقتراع، يوم الأحد، 3 ملايين و460 ألفاً و480 ناخباً من بين أكثر من 7 ملايين ناخب بسجلات الهيئة.

ووفق بفون، فإن “عدم حصول أي مرشح على أكثر من 50% من مجموع الأصوات، يحيلنا إلى تنظيم جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية سيتحدد موعدها لاحقاً”.

ولفت إلى أنه سيتم فتح باب الطعون باليومين التاليين (الأربعاء والخميس) بالنتائج المعلنة.برلسكوني تونس إلى الجولة الثانية

يُعرف نبيل القروي (56 عاماً) بأنه رجل إعلام يمتلك مجموعة “قروي أند قروي” للإعلام والإعلان، وأطلق قناة “نسمة” في 2007، وهو من أهم مؤسسي حزب “نداء تونس”، وظل فيه ثلاث سنوات قبل أن يغادره، إذ كان من أهم الرجال الذين وقفوا وراء الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في رحلته إلى قرطاج.

نشط القروي في العمل الخيري عبر جمعية “خليل تونس”، ثم غادرها وترشح للانتخابات ممثلاً لحزبه الجديد “قلب تونس”، الذي تأسس في يونيو/حزيران الماضي.

وترشح القروي للانتخابات الرئاسية من داخل السجن الذي أحيل إليه بتهمة غسيل الأموال والتهرب الضريبي في 23 أغسطس/آب الماضي، فيما ينفي هو اتهامات التهرب الضريبي وغسل الأموال الموجهة إليه ويقول إنه يتعرض لحملة ممنهجة وسياسية يشنها خصمه الرئيسي رئيس الوزراء يوسف الشاهد بهدف إقصائه من السباق الرئاسي.

وظل القروي، الذي يوصف بأنه برلسكوني تونس، يستخدم لسنوات قناة نسمة التلفزيونية التي يملكها والمؤسسة الخيرية التي أسسها بعد وفاة ابنه، لتقديم نفسه بطلاً للفقراء ومعوضاً لغياب الحكومة وتقصيرها، ويصفه منتقدوه بأنه طموح شعبوي يسعى للمتاجرة بآلام المهمشين والفقراء للوصول إلى كرسي الحكم، حسب وكالة رويترز.ومثّلت 2016 سنة فاصلة في حياة القروي، حيث فقد خلالها نجله “خليل”، في حدث أليم حوّل أنظاره نحو العمل الخيري، ليغير من صبغة قناة “نسمة” إلى “قناة خيرية”، عبر بث برامج يقول إنها تهدف إلى مساعدة الفقراء.

عبر الحملات الإعلامية لقناته، برز اسم القروي في محافظات تونس، وبات معروفاً بين الطبقات الهشة، التي تلقى العديد من أفرادها مساعدات من جمعيته.

ويبدو أن هذا كان الوتر الحساس الذي يقول مراقبون إنه استثمره لتشكيل قاعدة شعبية واسعة، وربما انتابه هاجس العمل السياسي عقب خوضه ذلك المسار، أو أن العمل الخيري كان “حملة انتخابية مبكرة”.

مهما يكن، أدرك القروي أن الطريق إلى قرطاج لن تؤمنه غير القواعد الشعبية من الطبقات المتوسطة والفقيرة، وهو ما تجلى بوضوح لاحقاً بإعلانه أن مشروعه الانتخابي سيرتكز على “محاربة الفقر والاستثمار في الإنسان لتحقيق حياة كريمة للتونسيين”.

قدّم نفسه على أنه “نصير الفقراء”، و”صوت تونس المنسية”، فكسب تأييداً جعله يتأهل إلى الجولة الثانية.

أما قيس سعيد، فهو صاحب النهج الاجتماعي المحافظ، الذي يدعم تطبيق عقوبة الإعدام ويرفض المساواة في الميراث بين الرجال والنساء ويركز على اللامركزية في الحكم في بلد العاصمة فيه قوة مهيمنة على نحو تقليدي.

وسعيد هو أستاذ جامعي في القانون الدستوري، ويلقى احتراماً واسعاً لدى التونسيين، وهو مرشح مستقل لا يملك دعماً حزبياً واختار في حملته الانتخابية طريقة التواصل المباشر مع الناخبين رافضاً عقد تجمعات شعبية على غرار البقية.

سطع نجمه بعد ثورة 2011 فقد كان دائم الحضور في الإعلام والنقاشات السياسية يقدم شروحاً مفصلة للقانون والدستور.

والأستاذ سعيّد حاصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 1985، ودبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري بتونس 1986.

في أوّل تصريح له، وقبيل إعلان النتائج النهائية من قبل الهيئة العليا للانتخابات، وصف سعيد نتائج استطلاعات خروج الناخبين من مراكز الاقتراع التي أظهرت حصوله على معظم الأصوات، بأنها مثل “ثورة ثانية” قائلاً “ما حصل يُحمّلني مسؤولية كبرى لتحويل الإحباط الى أمل”.

فيما قال، في مؤتمر صحفي أعقب الإعلان الرسمي “ليطمئن الجميع أن تونس ستبقى مفتوحة على العالم وأننا سنعمل من أجل بلادنا بكل أطيافها، الشباب يريد الآليات القانونية التي تمكنه من تحقيق إرادته”.

وأضاف “لا مجال للإقصاء وسنبني تونس الجديدة التي يتشوق إليها الشعب”.

القفز إلى المجهول

صحيفة “لوكوتيديان” التونسية اليومية الناطقة بالفرنسية تقول إن الشعب التونسي قال كلمته، واعتبرت أن الناخبين صوتوا للمرشحَين اللذين نفّذا حملةً انتخابية ضد النخب السياسية.

وكتبت الصحيفة “لقد فضلوا القفز في المجهول بدلاً من مد اليد مرة أخرى لمن خانوا تطلعاتهم”.

من جانبها، قالت صحيفة “الشروق” التونسية إن “الشعبوية تهزم الماكينات”، في إشارة لتقدم سعيد والقروي اللذين يعدان من خارج الصندوق السياسي الذي يمتلك قواعد شعبية كحال حركة “النهضة” أو من داخل الدولاب الحكومي.

وأسفل العبارة أوردت الصحيفة صور المرشحين المتقدمين بالترتيب سعيد والقروي، والإسلامي مرشح “النهضة” عبد الفتاح مورو، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.

أما في جريدة “الصحافة”، فقد أورد محمد بوعود، مقالاً بالعناوين الجريئة التالية “تونس تختار مرشّحيها وتُسقط المتخاذلين”، “سقوط السيستم ومسؤولية الذين يحكمون”.

وقال بوعود “لن نصدّق أحداً حتى لو أقسم أنه كان متأكداً من صعود قيس سعيّد ونبيل القروي إلى الدور الثاني”.

واستدرك قائلاً “لكننا بالمقابل سنصدّق كل من تنبّأ بسقوط الفاشلين ممن حكموا ويحكمون سنوات طويلة ولم يقدّموا شيئاً يمكن أن يسمّى إنجازات”.معاقبة المنظومة السياسية

ويرى الناشط السياسي التونسي محمد الهادي الجبالي، أن جمهور قيس سعيد “هو شباب الثورة”.

ويضيف في تصريح نقلته وكالة الأناضول أن المصوتين لسعيد هم “مجموعة من التيارات المختلفة من شباب الثورة والإسلاميين واليساريين والمهمشين من أحزابهم”.

ويعتبر الجبالي أن “الرئيس الغامض موجود في المخيلة الجماعية للناس، وهو أمر مطلوب”.

ويوضح أن سعيد “قدّم نفسه بالحد الأدنى وأغلب جمهوره لا يعرف برنامجه، وإنما هناك في خطابه وقيمه الثورة”، واستطرد قائلاً “لا يمكن أن نطلب من الرجل أكثر من ذلك”.

ويرى الجبالي أن التصويت في الانتخابات كان عقابياً ضد المنظومة السياسية القائمة منذ عام 2012، في إشارة إلى حكم الترويكا (تحالف إسلامي علماني حكم لعامين اثنين من نهاية 2012 وحتى يناير 2014) والحكومات المنبثقة عن انتخابات العام 2014.

ويفسّر المحلل السياسي التونسي وجود مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو، في المرتبة الثالثة، بأنه كان “عقابياً”، كونه مرشحاً لحزب شارك في الحكم.

ويتابع مبيناً “قد لا تكون لمورو مسؤولية أولى في الدولة، ولكن التصويت ضده كان عقابياً”.أخطاء الحكومة

من جهته يوافق المحلل السياسي شكيب درويش الجباليَّ في فكرته، مؤكداً أن ما منح الأسبقية لـ”القروي” هو عمله على مقاومة الفقر.

ويقول درويش في تصريح لوكالة الأناضول، إن “القروي” استفاد من أخطاء الحكومة وعدم قدرتها على مواجهة الفقر.

ويفيد أن صعود القروي كان من ناحية أخرى نتيجة الإسناد المهم الذي يتلقاه من قناة “نسمة” التي يملكها.

ويوضح بهذا الصدد “فقد كان القروي يفعل الخير ولا ينساه، بل يربط علاقة قوية مع الذين يتصل بهم عبر جمعية خليل تونس”.

مٌرشحون خلف سعيد

ولدى إعلان النتائج الرسمية للانتخابات أعلن ثلاثة من المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ للانتقال للجولة الثانية دعمهم للمرشح قيس سعيّد.

وأعلن المرشح الرئاسي التونسي، لطفي المرايحي، الثلاثاء، دعمه المرشح قيس سعيّد، خلال الجولة الثانية من الاقتراع، ليكون المرشح الثالث الذي يتخذ الخطوة.

جاء ذلك في مقطع فيديو نشره المرايحي، مرشح حزب “الاتحاد الشعبي الجمهوري” (اشتراكي)، عبر صفحته الرّسمية على موقع فيسبوك.

وقال المرايحي “نحن أمام مرشحين للدور الثّاني، ولا يمكنني أن أختار نبيل القروي، ورغم أني غير مطلع اطلاعاً تاماً على مشروع قيس سعيّد، ولكني أنحاز إليه باعتباره من نفس الشق الذّي أنتمي إليه، وهو الشق الثوري الذّي يريد التغيير والخروج عن المنظومة السائدة”.

من جانبه، أعلن الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، أيضاً دعمه لـ”سعيّد”، في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية المبكرة.

وفي تدوينة عبر موقع التواصل فيسبوك، قال المرزوقي “أعلن عن دعمي الكامل للمرشح الأستاذ قيس سعيّد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية”.

وأوضح المرزوقي أنه يدعم سعيّد “انتصاراً لقيم الثورة ولروح الدستور، وتواضعاً أمام حكم الشعب”، معرباً عن أمله في أن “يتم الدور الثاني في أجواء من الاستقرار والتنافس النزيه والقبول بإرادة الناخبين”.

كما أعلن المرشح الرئاسي عن ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، أنه سيدعم سعيّد في الدور الثاني.

بدورها، هنأت حركة النهضة المرشحَين بتصدرهما نتائج الانتخابات الرئاسية، وأشادت بدورها في حماية تونس من “الحريق العربي”.

كما هنأ المكتب التنفيذي لحركة النهضة، في بيان، الشعب التونسي بهذا “الإنجاز التاريخي المهم الذي جسّد المسار الديمقراطي الذي كان هدف ثورتنا المجيدة لتكون تونس مع هذا التاريخ قد طوت، دون رجعة، صفحة الديكتاتورية وفتحت آفاقاً رحبة أمام التونسيين لممارسة حقوقهم وأداء واجباتهم في ظل الدستور والقانون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى