تحقيقاتسياسة

هل انتهى اتفاق سوتشي حول إدلب بعد عام من إبرامه؟

فرانس برس-AFP

توصّلت موسكو أبرز حلفاء دمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، قبل عام إلى اتفاق جنّب محافظة إدلب حمام دم، إلا أنه لم يمنع قوات النظام من تصعيد عملياتها التي حصدت مئات المدنيين خلال أربعة أشهر.

وأرسى الاتفاق عند بدء تطبيقه هدوءاً نسبياً، إلا أن عدم استكمال تنفيذ بنوده الرئيسية أدخل المنطقة مجدداً في دوامة التصعيد منذ نهاية نيسان/أبريل، ما تسبب بفرار أكثر من 400 ألف مدني.

وبينما يعقد رؤساء تركيا وروسيا وإيران قمة في أنقرة الإثنين تبحث مصير إدلب، هل يمكن القول إن اتفاق سوتشي ما زال صامداً، أم إنه انتهى عملياً إثر التطورات الأخيرة؟

– ما هو مضمون الاتفاق؟

جنّب الاتفاق الذي وقعته أنقرة وموسكو في منتجع سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر محافظة إدلب هجوماً لوّحت دمشق بشنّه لاستعادة أبرز معاقل المعارضة الخارجة عن سيطرتها بعد ثماني سنوات من نزاع دام ومدمر.

وجاء إبرام هذا الاتفاق بعد أشهر من سيطرة قوات النظام بدعم روسي إثر هجوم واسع على الغوطة الشرقية، التي شكلت أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، وتعرضت لحصار خانق على مدى سنوات.

وأبدت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية خشيتها من أن يؤدي أي هجوم لقوات النظام على إدلب، التي تؤوي مع أجزاء من محافظات مجاورة تحو ثلاثة ملايين نسمة، إلى “أسوأ كارثة إنسانية” في القرن الحالي.

ونصّ الاتفاق بشكل رئيسي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح يتراوح عرضها بين 15 و20 كيلومتراً تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل، على أن تنسحب منها المجموعات الجهادية وتسحب الفصائل المعارضة سلاحها الثقيل منها.

وتضمن الاتفاق كذلك فتح طريقين سريعين استراتيجيين يمرّان في مناطق تحت سيطرة الفصائل في إدلب قبل نهاية العام 2018، يربط أحدهما مدينة حلب شمالاً بحماة (وسط) وصولاً إلى دمشق، بينما يربط الثاني حلب بمحافظة اللاذقية الساحلية.

وتتولّى دوريات من القوات التركية ووحدات من الشرطة الروسية، بموجب هذا الاتفاق، مراقبة المنطقة المنزوعة السلاح.

– ما هي البنود التي تمّ تطبيقها؟

التزمت الفصائل في مرحلة أولى خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 بسحب سلاحها الثقيل من المنطقة المنزوعة السلاح، إلا أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، رفضت سحب مقاتليها بالكامل منها.

ولم يتم تسيير أي دوريات تركية روسية مشتركة، رغم تعزيز أنقرة نقاط المراقبة التابعة لها في إدلب ومحيطها.

ولم تلتزم الفصائل بفتح الطريقين السريعين الحيويين بالنسبة إلى الاقتصاد السوري المنهك بفعل الحرب، كونهما يربطان بين أبرز المدن تحت سيطرة القوات الحكومية.

وبعد التزام طرفي النزاع بوقف إطلاق النار إلى حدّ كبير حتى شباط/فبراير، بدأت قوات النظام تكثف قصفها تدريجياً. وبلغ التصعيد أوجه منذ نهاية نيسان/أبريل بدعم روسي. وتمكنت قوات النظام الشهر الماضي من التقدم ميدانياً في جنوب إدلب والسيطرة على جيب كان تحت سيطرة الفصائل الجهادية والمعارضة في شمال حماة المجاور.

وتسبّب التصعيد العسكري والغارات السورية والروسية بمقتل قرابة ألف مدني، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فضلاً عن نزوح أكثر من 400 ألف شخص إلى مناطق لا يشملها القصف قرب الحدود التركية وفق الأمم المتحدة.

– هل انتهى اتفاق سوتشي؟

ساهم الاتفاق في تأخير هجوم قوات النظام على إدلب والتخفيف من وطأته، ما شكل متنفساً لتركيا التي تخشى من أن يؤدي أي هجوم شامل على إدلب إلى تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى أراضيها، بعدما تكدس النازحون قرب حدودها.

ويقول الباحث في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي آرون شتاين لوكالة فرانس برس “أدى الاتفاق إلى إبطاء الهجوم، ما جعل العبء على تركيا أخف”.

ورغم الانتهاكات المتكررة والتصعيد الأخير، لا تزال تركيا وروسيا تتحدثان عن اتفاق سوتشي كمرجعية للتفاهمات الثنائية حول إدلب.

ويقول الباحث في “مؤسسة سنتشوري” للأبحاث آرون لاند لفرانس برس “لن أقول إن الاتفاق ميت كلياً، إذ يواصل كل من الروس والأتراك الاستناد إليه ولا يزال مهماً من الناحيتين الرمزية والسياسية”.

وبالنسبة إلى الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس، فإن الاتفاق سيبقى قائماً طالما أن “تركيا لم تبد أي نية للانسحاب من سوريا”.

– ماذا عن موقف تركيا؟

وبعدما كانت تحظى بنفوذ واسع في شمال سوريا، يبدو أن قدرة تركيا على المناورة قد تقلصت، وفق محللين، تبعاً لتطورات الأشهر الأخيرة.

ويقول لوند “من المؤكد أن تركيا باتت أضعف بمواجهة روسيا”.

وتمكنت هيئة تحرير الشام مطلع العام من التفرد بالسيطرة على الجزء الأكبر من إدلب ومحيطها بعد اقتتال خاضته ضد فصائل معارضة تدعمها تركيا.

كما أن نشر أنقرة 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها لم يمنع قوات النظام من التقدم ميدانياً وصولاً إلى تطويق إحدى أكبر هذه النقاط الموجودة في قرية مورك في شمال حماة.

وأظهر الرئيس السوري بشار الأسد وفق لوند “أن بمقدوره تطويق النقاط التركية العسكرية في إدلب”.

يوجه ذلك رسالة إلى ثلاثة ملايين سوري في إدلب ومحيطها مفادها أن تركيا ليست قادرة عملياً على القيام بالكثير لحمايتهم ووقف تقدم قوات النظام، الذي لطالما كرر أركانه تأكيد عزمهم استعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتهم خصوصاً إدلب.

ويعتبر لوند أن نقاط المراقبة هذه “لم تشكل الدرع السياسي الذي لا يمكن اختراقه، كما ربما أمَلت تركيا وحلفاؤها السوريون أن تكون”.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى