من ظلمة الزنازين.. إلى أقبية التعذيب الحمراء.. إلى رعب صراخ وأصوات آلات التعذيب والقتل.. إلى حبل مشنقة.. وبعدها إلى محرقة، ومن ثمة إلى قبر واحد… هذه القصة باختصار، لعشرات الآلاف من المعتقلين في المسالخ البشرية لدى النظام السوري.
القضية التي تثير اهتمام الشريحة الأكبر من المجتمع السوري، وتشهد إهمالا وتراجعا من المجتمع الدولي حرصا على عدم حدوث أزمات نفسية في العالم، حيث كثرة المحادثات والتفاوضات حول هذه القضية تحت مسميات عديدة، من أبرزها جنيف و أستانا، وصدرت عنها قرارات جرارة كبيرة بنصوصها، مفقودة بتطبيقها، حتى تدارك المجرم وقته، وبدأ بمكره يراوغ لإخفاء آثار جريمته وحقائقها.
فنقلا عن موقع التلغراف ـ The Telegraph ـ في تقرير له عن دعم منظمة الفورمولا 1 – Formula 1 للنظام السوري، لإنشاء وتجهيز مضمار سباق للسيارات قريبا من سجن صيدنايا.
فكما جاء بالتقرير أن النظام السوري استخدم أموال دعم من منظمة الفورمولا F1 لبناء وتطوير مضمار سباق للسيارات في سوريا، على بعد بضعة أميال من سجن صيدنايا المشهور بإعدام 13000 معتقل من قبل نظام الأسد بحسب تقرير منظمة العفو الدولي.
وأوضح التقرير أن هذا التمويل منح للحكومة السورية، لتطوير جيل جديد من سائقي السباقات الذين سيتنافسون في نهاية المطاف في بطولة وطنية، وأن الأموال جاءت من برنامج المنح F1، خلال خطة المنح المقدمة من الهيئة الإدارية للاتحاد الدولي للسيارات FIA، الذي يعمل في 144 دولة حول العالم.
وأفاد التقرير، منذ إطلاق البرنامج في عام 2014 ، تم دفع ما مجموعه 14.1 مليون يورو ، وعلى الرغم أنه ليس من الواضح المبلغ الكامل الذي تلقته الحكومة السورية، فإن الحد الأقصى للمبلغ المتاح لكل منحة هو 50000 يورو، وبالتالي كان يمكن أن تحصل على ما يصل إلى 250000 يورو خلال هذه السنوات.
وذكر التقرير في الختام رفض ال F1 التعليق على هذا الأمر، وقالت منظمة الاتحاد الدولي للسيارات FIA في بيان لها: إن جميع المنح تخضع للتدقيق الداخلي و ستواصل المنظمة ريادتها في ضمان الامتثال.
لقد بدأت روسيا ونظام الأسد خطة جديدة، لمحي آثار المقابر الجماعية للمعتقلين، في محيطة سجن صدنايا وبعض المناطق القريبة منه، بغطاء روسي وإيراني ضمن محادثات مكر وخداع، فتُبطئ وتطيل ملف المعتقلين ضمن المحادثات الدولية الجارية.
ففي عام 2015، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا تحت عنوان “سجن صيدنايا – المسلخ البشري”، أثبتت فيه مقتل 13 ألف معتقل جرت تصفيتهم في سجن صيدنايا، وأٌحرقت جثثهم بمحارق بشرية أنشأها نظام الأسد داخل السجن لإخفاء جرائمه، وأعقب التقرير، قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لـ عام 2016، نصّ على تشكيل آلية دولية محايدة ومستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا منذ آذار 2011.
يعد سجن صيدنايا أكبر السجون في سوريا وأسوأها سمعة، إذ شكل طيلة عقود مركز اعتقال للسجناء السياسيين، قبل أن يتحول بعد انطلاق الثورة في العام 2011 إلى معتقل للناشطين والمدنيين، وشاهد على عمليات تعذيب وإعدامات جماعية.
كما نشرت واشنطن بوست تقريرا مطولا عن حالات الإعدام في السجون السورية قائلة إن الزنازين التي كانت مكتظة بالمعتقلين أصبحت فارغة جراء الإعدامات الجماعية التي ازدادت بازدياد فرص توقف الحرب في البلاد
وأشارت إلى أن صور الأقمار الصناعية التي أُخذت لسجن صيدنايا في آذار 2018، تظهر تراكم عشرات الأجسام السوداء، ويقول خبراء الطب الشرعي إنها تتضمن أجسادًا بشرية.
كذلك أظهرت صور أخرى للأقمار الصناعية منطقة عسكرية بالقرب من دمشق -حددتها منظمة العفو الدولية من قبل باعتبارها مكانا لمقابر جماعيةـ زيادة في عدد حفر الدفن وشواهد القبور في مقبرة واحدة على الأقل هناك منذ بداية العام الجاري.
وقال منشقون عملوا في هيئة السجون العسكرية السورية إنهم يرجحون أن هذه المنطقة -الواقعة جنوب العاصمة- هي مكان الدفن الجماعي لمن يُعدمون في سجن صيدنايا.
فبعد عدة قرارات دولية، تفيد بمضمونها وجوب إطلاق سراح المعتقلين لدى النظام السوري، بحسب مخرجات جنيف وغيرها من المحادثات الفاشلة، سعت روسيا بدورها الداعم الأول للأسد ونظامه، الالتفاف على مخرجات جنيف، وإطلاق محادثات أستانا، التي كان من مخرجات جولتها السابعة، العمل على اطلاق سراح المعتقلين بآليات وتشكيلات راقابية من الدول الضامنة، إلا أن روسيا همشت هذا القرار بمماطلات وخداع، حتى تكسب النظام السوري الوقت الأكبر لإخفاء آدوات جريمته وطمس حقائقها.
ففي الوقت ذاته لا يريد النظام السوري فتح ملف المعتقلين، لأن ذلك سيُسبّب إحراجًا له ولداعميه أمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، لأن معظم المعتقلين لديه تمت تصفيتهم، فبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن نحو 200 ألف شخص معتقلون لدى النظام السوري، توفي منهم تحت التعذيب 16065 مدنياً موثقين بالأسماء، وأوضح أنه جرى تصفية أكثر من 83 في المائة منهم داخل المعتقلات بين أيار 2013 وتشرين الأول 2015، فيما أكدت المصادر أن ما يزيد عن 30 ألف معتقل منهم قتلوا في سجن صيدنايا، ثم في إدارة الاستخبارات الجوية التي يديرها جميل الحسن.
كما وثق المرصد في تقرير له صدر عام 2018، حالة 95000 معتقل ممن تم تغييبهم قسريا في سوريا، معظمهم في سجون نظام الأسد.
مازالت روسيا تسعى إلى طي الملفات التي تدين النظام السوري، وأهمها ملف المعتقلين، محاولةً في إكسابه بعضا من الشرعية الدولية، ومازال النظام السوري يتبع سياسات الاستنكار وإخفاء الحقائق، فلا روسيا ولا النظام يرغبان في حل حقيقي لقضية المعتقلين، لأن فتح هذا الموضوع قد يعقبه مطالب بالتفتيش والتحقق من المنظمات الدولية في ظروف الاعتقال ووفاة المعتقلين، والمقابر الجماعية، وهذا سيقود إلى إدانة مؤكدة للنظام السوري.
فما سرّ هذا الدعم المظلل بعباءة سباق السيارات والرياضة؟ أم أنها لعبة دولية لتسهيل طرق حل وتبرئة للنظام؟